يستحق التنويه والتحية البيان الذي أصدره بعض المثقفين الأقباط، وأعربوا فيه عن استيائهم من الدور الذي لعبته الكنائس
المصرية في «الزفة» التي واكبت رحلة الرئيس السيسي إلى الأمم المتحدة. وإذ استغربت تجاهل وسائل الإعلام المصرية للبيان فإنني أزعم أنه يكتسب أهمية خاصة في دعوته ليس فقط إلى تصويب علاقة الكنيسة بالنظام السياسي، وإنما أيضا في إثارته لموضوع تدخل السياسة في الدين، على عكس الانطباع الشائع الذي يروج للادعاء بتدخل الدين في السياسة.
البيان المشار إليه حاضر بقوة على مواقع التواصل الاجتماعي التي حفلت بالآراء المفندة له والمعقبة عليه، وأشهد أن الآراء على تفاوتها التزمت بأمرين: الأول احترام شخص الرئيس عبد الفتاح السيسي والثاني احترام القيادات الكنسية. وإن لم يمنع ذلك الاختلاف مع سياستهما.
أثارت انتباهي في «بيان الاستياء» الذي أورد نصه موقع «البداية» الإشارات التالية: إن هناك ملايين مؤيدين لدعوات الكنائس من منطلق الحرص على مساندة الرئيس باعتباره مصلحة وطنية، ومعارضين من منطلق الاختلاف مع سياسات وأداء النظام الحالي وآخرين رافضين لتدخل المؤسسات الدينية في السياسة ــ منذ خطاب 3 يوليو 2013 استحسن النظام الجديد الزج بالكنائس المصرية في المعادلة السياسية كممثلين وحيدين لعموم المواطنين المسيحيين ــ لا نقبل أن تقوم الكنيسة بناء على عمل طوعي من جانبها، أو بطلب من النظام أن تتعامل مع المواطنين المصريين المسيحيين بمنطق الشحن والتعبئة. لذلك فإنهم يؤكدون إيمانهم بحرية الرأي والتعبير للجميع في إطار سياسي مدني غير موجه من قبل مؤسسات دينية، ويشددون على رفض أن تتصدر الكنائس مشهد الحشد والتعبئة للمظاهرات، سواء داعمة أو مناهضة للرئيس، ما يمثل خروجا على القواعد الديمقراطية وإقحاما للدين في السياسة ــ لم يعد من الخفي ما يعانيه المواطنون المسيحيون من أزمات جراء دخول الكنائس كطرف في المعادلة السياسية ــ ولا ينبغي أن يتحمل المسيحيون خاصة في الصعيد تبعات المواقف السياسية التي تتخذها قيادات الكنيسة ــ دعا الموقعون الكنائس إلى ضرورة الابتعاد عن السياسة والاكتفاء بالدور الروحي والديني المنوط بها، مؤكدين دور المجتمع المدني ممثلا في أحزابه ونقاباته وجمعياته، في تصحيح الخلل الذي دام عقودا عدة، بإعادة دمج المواطنين المسيحيين في إطار معادلة ديمقراطية تقوم بالأساس على مبادئ المواطنة والمساواة، بحيث يعبر المسيحيون عن أنفسهم ويشاركون في معالجة الأزمات في إطار مجتمعي، بالمشاركة مع أقرانهم المواطنين المصريين.
البيان سلط الضوء على فكرة غائمة في الفضاء المصري، خلاصتها أن الكنيسة الأرثوذكسية بوجه أخص أصبحت منذ الثالث من يوليو عام 2013 حريصة على الاندماج مع النظام السياسي بأكثر من حرصها على الاندماج مع المعادلة الديمقراطية. وهو ما استنفر مثقفا مستقلا بارزا هو الدكتور نور فرحات، فوجه في تغريدته عدة أسئلة إلى البابا تواضروس الذي قال لأقباط المهجر إن كرامة مصر تتمثل في حسن استقبال السيسي في نيويورك. من هذه الأسئلة ما يلي: ما رأى قداستكم في كرامة المصري واستقباله في أقسام الشرطة المصرية؟ وما رأى قداستكم في كرامة المصري وهو تحت وطأة التعذيب؟.. وهو محبوس خلف جدران السجون لعدة أشهر بناء على تهم ملفقة؟
(عن صحيفة الشروق المصرية)