العبث الذي تمارسه طهران في كثير من المجالات مجرد محاولة يائسة لإيهام المجتمع الدولي بأنها شريك مهم ولاعب في المنطقة لا يمكن تجاهله، وأنها تملك اقتصادا متكاملا، مع أن القفزة السريعة في إنتاج النفط الإيراني منذ رفع العقوبات الاقتصادية، التي ترجمت من خلال أرقام التصدير، كانت مجرد زوبعة تفريغ مخزون نفطي عائم، ساعد إيران على ممارسة هواية تزييف الحقائق وتلفيق الأكاذيب برفع إنتاجها إلى أربعة ملايين برميل يوميا، لأنها تحلم بالمستحيل، وذلك بإعادة الأمس الذي مضى عليه 40 عاما، عندما بلغ أقصى إنتاجها 6.6 مليون برميل يوميا في تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 1976، بينما معدل إنتاجها خلال الـ40 عاما الماضية لم يتجاوز 3.5 مليون برميل يوميا.
ورغم معرفة المهتمين بهذه الحقيقة إلا أنها تتلاعب بأرقام مخزونها النفطي، وذلك بالتمويه عن طريق تخزين وإجلاء كميات هائلة من النفط داخل ناقلات نفط عائمة استخدمتها كثيرا أثناء العقوبات الاقتصادية، وساعدتها على رفع أرقام تصديرها بوتيرة سريعة جدا، ولكن واقع الحال أن هذه الأرقام أرقام تصدير وليست أرقام إنتاج كما أوهموا أسواق النفط.
إنتاج إيران من النفط ثابت نسبيا في الأشهر الثلاثة الماضية عند 3.6 مليون برميل يوميا، وصلت إليه في حزيران (يونيو) الماضي وثبت عند هذا الحد، ما يدل على أن قدرة زيادة إنتاج النفط الإيراني وصلت إلى طاقتها القصوى، وعند محاولة رفع الإنتاج عن هذا الحد المرهق لها فإن الأمر بلا شك يتطلب ضخ مزيد من الأموال للاستثمار في هذا المجال، وهذا ما لا يتحمله اقتصاد إيران المتهالك.
إيران التي يبدو أنها لم تفق بعد على واقعها، تحلم اليوم بعودة الأمس، ذلك الأمس الذي مضت عليه 40 عاما عندما بلغت أقصى إنتاجها 6.6 مليون برميل في نوفمبر من عام 1976 بينما معدل إنتاجها خلال الـ40 عاما الماضية لم يتجاوز 3.5 مليون برميل يوميا.
إيران تسبح في بحر من الأمنيات باستعادة حصتها الإنتاجية الوهمية لتكون في مستويات ما قبل العقوبات الاقتصادية التي تدعي أنها 4.3 مليون برميل يوميا.. رغم أن الواقع ما رأيتم أن إيران لم تتمكن نهائيا خلال السنوات العشر الماضية من تجاوز حاجز الأربعة ملايين برميل يوميا، فكيف تطلب ما لا تستطع إنتاجه في المدى القصير؟!
نتعجب من إصرار إيران العابث على فرض ذلك قبل الاجتماع الذي سيجمع منتجي "أوبك" بغيرهم من خارج "أوبك"، الاجتماع الذي يوصف بأنه اجتماع غير رسمي لأعضاء منظمة أوبك المقرر انعقاده في الجزائر نهاية الشهر الحالي، للعمل على التوصل إلى اتفاق حول تجميد الإنتاج، ليكون ركيزة لاستقرار أسواق النفط.
ولعل من أهم السبل التي تحقق ذلك الهدف هو الاتفاق الملزم لجميع الدول المشاركة بتقنين سقف الإنتاج، والابتعاد بهذه السوق ما أمكن عن المتغيرات السياسية، وتبادل المصالح والولاءات، هذا الحدث الذي يؤمل كثيرون فيه أن يكون سببا لإعادة التوازن في أسواق النفط بالتوصل إلى تبني المعنيين حلولا ناجعة تسهم في امتصاص الفائض من المعروض، وبالتالي ضبط الأسعار.
هذا السيناريو الأمثل الذي تقف أمام تحقيقه مصاعب متنوعة، ولعل من أكثرها بروزا على السطح عدم انضباط ملالي طهران المعتاد، وموقفهم غير الواضح من اتفاقية تجميد سقف الإنتاج بسبب هوسهم بالعودة إلى سقف إنتاج وهمي لما قبل العقوبات الاقتصادية، وهذا العامل يعتبر من أبرز أسباب فشل الاجتماع السابق في العاصمة القطرية الدوحة، الذي عقد شهر إبريل الماضي لمحاولة تجميد الإنتاج.
والمتابع لتحركات إيران يتضح له بجلاء أن هذا العبث تمارسه طهران في كثير من المجالات في محاولة بائسة يائسة في إيهام المجتمع الدولي بأنها شريك مهم ولاعب في المنطقة لا يمكن تجاهله، واقتصاد متكامل يستطيع تعويض أي نقص، وواقع الحال لا شك أنه بخلاف ذلك، فكيف لخُشب مسندة نخر الفساد فيها أن تسند اقتصادا يحتاج أول ما يحتاج إلى الوضوح والشفافية، وهذا ما لا يمكن لملالي طهران تحقيقه لأنها تكسب مكانتها من الفوضى والغموض، وتتضاءل مكانتها مع الوضوح والثبات.
وبحسب جميع المراقبين فإن تغريد إيران خارج السرب هو ما أعاق تلك الجهود، وأفشل تلك المحادثات الرامية إلى تحقيق اتفاق تجميد النفط آنذاك! هذه الخطوة التي قال عنها وزير الطاقة الروسي على هامش قمة مجموعة العشرين، "إن تجميد إنتاج النفط السبيل الأكثر فعالية لتحقيق الاستقرار في السوق".
ومنذ مدة وإيران تشيع قدرتها على زيادة إنتاجها وهذا ما لا يسمح به قطاع الطاقة المتهالك لديها، ومن ناحية أخرى تدفع العراق إلى زيادة الإنتاج حتى آفاق أربعة ملايين برميل يوميا، مستغلة استثناء العراق منذ 2003 من اتفاقات حصص الإنتاج في "أوبك".
ومن الجدير بالذكر، أن مهرجان تصريحات ملالاي طهران العبثية المتتالية أخيرا عن زيادة الإنتاج لم يعد يؤثر كثيرا في السوق التي باتت تدرك أنه كلام للاستهلاك المحلي ومجرد محاولة لتهدئة الشأن الإيراني الداخلي، فمراكز القرار في أسواق النفط قد أدركت منذ وقت مبكر أنه مجرد هذيان، فقد بلغت إيران أقصى طاقتها الإنتاجية، ولم تعد لديها طاقة إنتاج إضافية منذ ثلاثة أشهر، إذا افترضنا أنها أرقام إنتاج وليس تصدير!
يأتي ذلك التوافق في فهم الواقع الإيراني بين منتجي النفط ليؤكد ضرورة استقرار السوق بوجود إجماع في الآراء داخل منظمة "أوبك" وخارجها بأهمية استقرار أسوق النفط، وعدم الالتفات إلى التشويش الذي تحاول إيران إثارته عبر مراهقات ملاليها السياسية والاقتصادية على الرأي الجمعي للعازمين على المشاركة في هذا الاتفاق التاريخي.
ولعل من المناسب أن نسلط الضوء على بعض تدوينات مختصي النفط المحليين التي يذهب بعضها إلى القول إن "حرب الأسعار ستؤدي إلى خسارة للجميع، وإن القادم من الإنتاج النفطي الإضافي من داخل "أوبك" وخارجها كبير جدا خلال الفترة القصيرة المقبلة مما يضاف إلى الفائض القائم في الأسواق"، وهل نسي هؤلاء أم تناسوا، النقص الكبير في استثمارات المنبع العالمية، الذي سيؤدي بالتأكيد إلى نقص الإمداد، ما سيتجه بالأسواق إلى التوازن ولو بصفة قهرية على الأقل في المدى القريب، لأن توقع نتائجه أقرب من المدى المتوسط والمدى البعيد.
يصف هؤلاء المدونون إيران، بأنها عثرة في طريق استقرار أسواق النفط، مع أن واقع الحال يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن إيران باتت أقزم وأقل تأثيرا من أن توصف "بالعثرة في الطريق" وسواء في ذلك قرب اتفاق تجميد الإنتاج أم بعد! وهي أقزم من أن توجد "حربا سعرية شرسة" حتى لو لم يتم التوصل إلى اتفاق تجميد إنتاج النفط في هذه الفترة! فإيران اليوم علاوة على الإرهاب، لا تتجاوز كونها ظاهرة صوتية لا أقل ولا أكثر.
إيران التي يعمد بعض الاقتصاديين إلى تعظيم دورها استنادا إلى تصريحاتها الرنانة، بقليل من البحث سيجدونها كحاطب ليل، فهذه التصريحات تضاربت ثم تناقضت فكذب أولها آخرها، ففي حين يصرح وزير نفطها بأنها تقترب من إنتاج أربعة ملايين برميل يوميا، يأتي مسؤول من شركة النفط الوطنية الإيرانية ليصرح بضخ 3.8 مليون برميل يوميا!
إذا نحن أمام تناقض في المعلومات واضح حول مدى ما تحقق من الزيادة في إنتاج النفط التي تزعمها إيران، كما أننا أمام استراتيجية ذات مغزى بالتصريح بأرقام إنتاج هي أعلى من الواقع، وهو يتضح بصورة أكبر عندما نعلم أن الأرقام الفعلية تثبت غير كل هذا المعلن.. فإنتاج إيران ثابت عند مستوى 3.63 مليون برميل يوميا منذ ثلاثة أشهر كما أسلفنا. قل أن تجد تصريحا صادرا من تحت عمائم طهران في هذا الإطار يخلو من التناقض والتضارب والتزوير المتعمد.
في اجتماع تجميد الإنتاج السابق في الدوحة وبما أن كل قرين بالمقارن يقتدي، صرحت العراق حينها بسقف إنتاج أعلى بـ 300 ألف برميل يوميا من الإنتاج الفعلي! والهدف واضح، وهو في حال تم الاتفاق على تجميد الإنتاج، فإن رقم الإنتاج المصرح به الزائد سيستخدم كغطاء للسماح لهم بزيادة إنتاج النفط الخام دون إخلال أو كسر لاتفاق إنتاج التجميد الذي وقع على الالتزام بمقتضياته.
التلاعب الإيراني بزيادة أرقام الإنتاج لن ينجح، لأنها لا تزال بعيدة عن هدفها بإنتاج أربعة ملايين برميل يوميا، ولأن هناك حاجة إلى مزيد من الإنفاق الرأسمالي على شركات النفط العالمية على مشاريع البنية التحتية للمنبع، الذي يعتبر معضلة كبيرة لإيران، لأن هذه الشركات تعتمد على مستوى أسعار نفط مرتفعة عن المستوى الحالي لتحفيزها على الاستثمار. وهذه الشركات عندما تستثمر أموالها فهي تعتمد على دراسات دقيقة لمستويات أسعار النفط التي إيران أحوج من غيرها إلى ارتفاعها، ولا يمكن أن تنخدع بأكاذيب ملالي طهران التي تعودوا أن يطلقوها مع كل شهيق وزفير.
بهذا يتبين لنا حجم بعد إيران عن التعقل والواقعية، بل والغباء الاقتصادي بعدم موافقتها على اتفاقية التجميد، طالما أن إنتاجها الحقيقي، فقط 3.6 مليون برميل يوميا، فلا مبرر مقبول بأي مقياس يجعلها ترفض الالتزام بهذه الاتفاقية، حتى لو افترضنا جدلا صدق ما تدعيه من القدرة على رفع الإنتاج إلى حدود أربعة ملايين برميل يوميا، فكيف والحال ما علمتم من أنها بعيدة كل البعد عن تحقيق ذلك القدر من الإنتاج لأنها تتلاعب بأرقام المخزون النفطي، وتحاول أن توهم السوق والمراقبين بأنها تنتج قرابة أربعة ملايين برميل يوميا، كسقف يعطيهم مجالا لزيادة الإنتاج الحقيقي عند تحسن أسعار النفط والحصول على الاستثمارات الخارجية.
يجب ألا ننسى التمويه الفوضوي الذي تمارسه إيران، حيث تتلاعب بأرقام مخزونها النفطي عن طريق إجلاء وتخزين كميات هائلة من النفط داخل ناقلات النفط العملاقة العائمة Floating Storage التي استخدمتها كثيرا أثناء الحصار الاقتصادي، وساعدتها على رفع أرقام إنتاجها بوتيرة سريعة جدا وذلك فور رفع الحصار المضروب عليها، ولكن كما يلاحظ فهذه أرقام إنتاج وهمية ولا تمت إلى الواقع بصلة بل هي أرقام تصدير تمثل المخزون النفطي العائم الذي أشرنا إليه.
وهذه الحقيقة تعتبر إجابة مباشرة للسؤال المطروح: هل القفزة السريعة في الإنتاج منذ رفع العقوبات الاقتصادية التي ترجمت من خلال أرقام التصدير كانت زوبعة تفريغ المخزون النفطي العائم وبعدها تلاشت، لأن هناك إجماعا بين المحللين وبصورة عامة أن إيران لن تكون قادرة على الحفاظ على الإنتاج في هذه المستويات، دون استثمارات مالية كبيرة لا تملكها ولا سبيل لتحصل عليها. ففي فترة مضت تم تسجيل ارتفاع نسبي في الإنتاج قدر بـ 600 ألف برميل من كانون الثاني (يناير) الماضي، ولكنه توقف تماما عند 3.63 مليون برميل قبل ثلاثة أشهر. نعم! إيران هنا تمارس هوايتها في تزييف الحقائق وتكذب في ادعاء القدرة على رفع الإنتاج، إلى أربعة ملايين برميل يوميا، وحيث إنها بدأت تدرك أن الأمور أصبحت مكشوفة إضافة إلى معرفتها أنها أقل بكثير مما تدعي لنفسها في هذا المجال وغيره فمن المرجح أن تغتنم الفرصة بالانضمام إلى اتفاقية تجميد الإنتاج، ففضاء المناورات في هذه المسألة ضاق بقدر لا يمكن معه العمل بأنصاف الحلول.
خلاصة الأمر وحقيقته أن إيران بحاجة إلى اتفاقية تجميد الإنتاج أكثر من أي منتج آخر؛ لأنها بحاجة كبيرة إلى استثمارات أجنبية للعمل على تحسين البنية التحتية؛ لتتمكن من زيادة إنتاجها، وهذا يتطلب كما هو واضح مستوى أسعار أعلى من المستوى الحالي، الذي لا يشجع على أي استثمارات في المنبع، بل على العكس، فهو يجبر على تقليص المشاريع وتقليل الاستثمار. طالما الحديث عن النفط كمصدر للطاقة، فإيران قبل غيرها تدرك أنها الأحوج إلى هذه الاتفاقية ما لم يصل العالم إلى ابتكار يجعل من الكذب أحد بدائل الطاقة، عندها فقط ستكون إيران أولى الدول المصدرة للطاقة، وبقدرات فلكية!
الاقتصادية السعودية