خصصت صحيفة "نيويورك تايمز" افتتاحيتها للحديث عن وزير الخارجية الأمريكي جون
كيري، وجهوده في البحث عن حلول لمشكلات دولية معقدة، كان آخرها العمل مع
روسيا، من أجل التوصل إلى هدنة في
سوريا، تنهي العنف المستمر منذ أربع سنوات.
وتقول الافتتاحية، التي ترجمتها "
عربي21": "منذ أن أصبح جون كيري وزيرا للخارجية، قبل أكثر من ثلاث سنوات، كان رجلا في مهمة – مهمات عديدة في الواقع– حيث قضى معظم الوقت مسافرا من بلد إلى بلد؛ لإيجاد حلول دبلوماسية لأكثر مشكلات العالم تعقيدا".
وتضيف الصحيفة: "كانت جهوده جريئة، وأحيانا وهمية، ولم يكن أنجح ممن سبقه في التوصل إلى اتفاقية سلام دائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لكن دون إصراره لم تكن الاتفاقية النووية الإيرانية لتتم عام 2015، ولم تكن اتفاقية التحول المناخي في باريس ممكنة أيضا".
وتتحدث الافتتاحية عن الهدنة في سوريا، قائلة: "قد تؤدي اتفاقية الهدنة، التي فاوض عليها مع روسيا، إلى انتصار آخر، إن هي أوقفت العنف، الذي قتل أكثر من 400 ألف سوري، وترك الكثير بلا طعام، ولا شراب ولا دواء، لكن الكثير من الأمور قد تتجه نحو الأسوأ، كما حصل في هدنة سابقة، فالنجاح يعتمد على تعاون روسيا، التي تلعب لعبة ازدواجية في الحرب الأهلية السورية، وهي المدافع الرئيسي عن رئيس النظام السوري بشار الأسد".
وتشير الصحيفة إلى وجود نقاد كثر لهذه الاتفاقية داخل إدارة
أوباما، بمن فيهم وزير الدفاع أشتون كارتر، حيث رفض مسؤولو البنتاغون يوم الثلاثاء الحديث عما إذا كانوا سيلتزمون بجانبهم بالصفقة، التي تدعو أمريكا إلى مشاركة روسيا بالمعلومات حول أهداف تنظيم الدولة في سوريا إن استمرت الهدنة لمدة سبعة أيام، لافتة إلى أن هذا التعاون سيكون غير عادي، وقد تكون فيه مخاطرة، خاصة أن النظام الروسي أصبح أكثر عدوانية، وقد يستفيد من معرفة الأسرار العسكرية الأمريكية.
وتلفت الافتتاحية إلى أن "مثل هذا النقد ليس غريبا بين الخبراء الخارجيين ومسؤولي الإدارة، الذين يعتقدون أن كيري يطارد أهدافا غير ممكنة في كثير من الأحيان، ويرضى بنتائج ليست مثالية".
وتستدرك الصحيفة قائلة: "لكن هذا المحارب القديم في فيتنام، الذي يحمل أوسمة، وهو رئيس لجنة العلاقات الخارجية السابق في مجلس الشيوخ، جلب شيئا جديدا لبحثه عن الحلول السلمية، من خلال إصراره، وكدحه، وإيمانه بالدبلوماسية، شيئا مشرفا بل بطوليا".
وتبين الافتتاحية أنه "حتى عندما كان الرئيس أوباما يحاول إبقاء أمريكا بعيدا عن أي تورط عسكري جديد، فإن كيري كان يصر على إبقاء أمريكا متفاعلة دبلوماسيا، وتقود العالم نحو نتائج بناءة، بالرغم من المرات التي بدت فيها المشكلات عصية، فلا يتوقع أن يترشح الرجل، الذي بلغ 72 عاما، للرئاسة مرة أخرى، وهو ما يعطيه حرية أكبر في تحركاته الدبلوماسية، مع أنها قد تنتهي بالفشل، كما أن الرئيس أوباما منحه مساحة كبيرة للتحرك".
وتفيد الصحيفة بأن "كيري يظهر أحيانا اعتقادا ساذجا بأنه بإمكانه جذب الناس إلى جانبه إن بقي يفاوضهم لمدة كافية، لكن ذلك لم ينجح مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والفلسطينيين، الذين لم يستمروا في المفاوضات، بالرغم من الزيارات المتعددة التي قام بها كيري للمنطقة، ونجحت تدخلاته في أفغانستان دون كلل في إقناع السياسيين الأفغانيين أشرف غني وعبدالله عبدالله بإقامة دولة ائتلافية، وهو ترتيب يبدو الآن على وشك الانهيار".
وبحسب الافتتاحية، فإن "سوريا كانت أكثر تعقيدا، حيث هناك أطراف عديدة، بمن فيهم حكومة الأسد، وإيران، وروسيا، وتنظيم الدولة، وجماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة، وثوار تدعمهم أمريكا، وقام أوباما بتسليح مجموعات الثوار المعتدلة، ونشر قوات عمليات خاصة، لكنه لا يملك في الميدان، ولا على طاولة المفاوضات، أوراق الضغط التي يملكها الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين، الذي لم يبد أي تردد في القيام بغارات جوية نيابة عن الأسد".
وترى الصحيفة أنه "كان على كيري، الذي فشل في إقناع أوباما باستخدام ضغط عسكري أكبر في سوريا، أن يعمل بكل طاقته، فمن المذهل أن يكون حقق أي نجاح، وبعد أن قرر أوباما عام 2013 عدم توجيه ضربة لسوريا لاستخدامها الأسلحة الكيماوية، فإن كيري استطاع التوصل مع روسيا إلى اتفاقية لإزالة أسلحة سوريا الكيماوية، وللتوصل إلى الهدنة الحالية حذر كيري روسيا من أن السعودية ودول الخليج سترسل المزيد من الأسلحة لمجموعات الثوار".
وتختم "نيويورك تايمز" افتتاحيتها بالقول: "يصر كيري على أنه ليس بعيدا عن الواقع، مع أنه يعلم من تجارب سابقة أن روسيا قد تكون تؤدي لعبة ساخرة، وأن الهدنة قد تتهاوى، ولكنك تستطيع إدراك الألم عندما يقول إن هذه (قد تكون آخر فرصة لنا للحفاظ على سوريا موحدة)، فإنه يستحق الاحترام الكبير لمحاولته".