شكلت السنوات الخمس الاخيرة بالنسبة للحركات الاسلامية احد اهم المراحل من عمر المنطقة العربية والاسلامية، لانه في هذه السنوات وصلت الحركات الاسلامية الى ما لم تصله طيلة العقود التسعين التي مضت على بروز اول حركة اسلامية منظمة وهي "الإخوان المسلمون" في العام 1928، فقد وصلت بعض الحركات الاسلامية الى الحكم اما بشكل منفرد او بالتعاون مع قوة اخرى (تونس، مصر، المغرب، لبنان، فلسطين المحتلة، العراق، السودان)، في حين تحولت حركات اسلامية اخرى من مجرد قوة محلية الى قوة اقليمية فاعلة في الاقليم (حزب الله نموذجا)، كما شهدنا تجارب اسلامية في الحكم مثل التجربة السودانية والتركية والايرانية، اضافة الى بروز نماذج المجموعات الاسلامية العنفية مثل داعش وبوكو حرام وتنظيمات القاعدة والتي شغلت العالم بتحركاتها وانشطتها العنفية.
ولم يعد الاسلاميون او المنتمون للحركات الاسلامية (مع تنوع انتماءاتهم وعقائدهم وافكارهم) مهمشين او مضطهدين او يعملون بشكل سري، بل اصبح الفضاء الاعلامي التلفزيوني والورقي ومواقع التواصل الاجتماعي مفتوحة لكل الاسلاميين، وتحول الاسلاميون والحركات الاسلامية الى مادة بحث شيقة للابحاث والدراسات والمؤتمرات والندوات المتنوعة في كل انحاء العالم ومن قبل اجهزة المخابرات ومراكز الابحاث العالمية.
ومع هذه الطفرة في انتشار الحركات الاسلامية، فإنه لا يزال هناك اسلاميون في السجون او مطاردون من اجهزة المخابرات المحلية والاجنبية او يتم تشويه صورة البعض الاخر او متهمون بالارهاب، والامثلة على ذلك كثيرة.
لكن بعد خمس سنوات من الحراك الاسلامي والتجارب المختلفة وفي ظل ما يجري من تطورات ومتغيرات على الصعد الاقليمية والدولية، اصبحت هناك حاجة ماسة من قبل الحركات الاسلامية للقيام بمراجعة نقدية وشاملة لكل التجارب الاسلامية سواء في الحكم او المعارضة او المقاومة، ان على المستوى الفكري والنظري، او على المستوى السياسي والاجتماعي والحركي والحزبي.
واذا كانت بعض هذه الحركات الاسلامية قد بدأت المراجعة او النقد وقدمت رؤية جديدة لادائها الحركي والدعوي، كتجربة حركة النهضة في تونس، فان هناك حاجة اليوم لان نشهد مراجعات اسلامية شاملة من قبل كل الحركات الاسلامية وما انجزته او ما فشلت في انجازه ومعرفة الاسباب التي تقف وراء كل ما وصلنا اليه من نتائج، ومن اجل المساهمة في طرح القضايا او الموضوعات التي ينبغي على الحركات الاسلامية البحث فيها، نضع قائمة ببعض هذه الافكار والتجارب وهي على سبيل المثال لا الحصر والمجال مفتوح لطرح المزيد:
اولا: تجربة الاخوان المسلمين طيلة التسعين سنة الماضية وصولا الى المرحلة الاخيرة وخصوصا التجربة المصرية والاسباب التي ادت الى اعاقة استكمال التجربة، وهذا الموضوع يتطلب دراسات علمية وفكرية متنوعة في ظل تنوع تجارب الاخوان في اكثر من بلد عربي واسلامي.
ثانيا: تجربة الاحزاب الاسلامية في العراق واسباب فشل هذه الاحزاب في اقامة دولة العدالة والتنمية والكفاءة ولماذا تحول العراق الى دولة فاشلة وفاسدة وطائفية ومن يتحمل مسؤولية ما جرى في العراق طيلة السنوات التي تلت الاحتلال الاميركي وسقوط نظام صدام حسين.
ثالثا: تجربة المقاومة الاسلامية في لبنان وفلسطين وما هي اسباب الانتصارات ومن ثم اسباب اعاقة دور المقاومة وما هي انعاكسات تحول المقاومة الى قوة اقليمية مشاركة في صراعات المنطقة كما حصل مع حزب الله، وكذلك مراجعة اداء حركة حماس في قطاع غزة وعلاقات حماس الاقليمية والدولية.
رابعا: الدمج بين العمل المقاوم والمساهمة في سلطة طائفية او مذهبية او في ظل الواقع المحتل (حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين).
خامسا: الموقف من الانظمة التسلطية والاستبدادية وعدم القدرة في تقديم بديل لهذه الانظمة والغرق في صراعات مناطقية او مسلحة (ليبيا نموذجا).
سادسا: التجربتان الايرانية والتركية في الحكم وكيف نجحتا في حماية ادوارهما الاقليمية وهل هما تجارب اسلامية كاملة او انهما لم يصلا الى تحقيق الاهداف الاسلامية المطلوبة.
سابعا: التجربة السودانية في الحكم وهل حققت الاهداف الاسلامية او فشلت في اقامة تجربة اسلامية متكاملة.
ثامنا: قضايا الدولة والخلافة والحكم الاسلامي والعلاقة بين فكرة الامة ومشروع الدولة القطرية وهل انتهت فكرة الامة لصالح الدولة القومية او القطرية الحديثة.
تاسعا: الموقف من التحالفات الدولية والقطرية والمشروعية الاسلامية في هذه التحالفات واللجوء الى القوة الدولية لاسقاط انظمة الاستبداد.
عاشرا: تقييم تجربة التنظيمات العنفية مثل القاعدة وداعش وبوكو حرام وغيرها، اين نجحت واين فشلت ودورها على صعيد مستقبل العمل الاسلامي.
هذه بعض الافكار والموضوعات التي تحتاج الى اعادة بحث وتفكير ومراجعة نقدية من اجل وضع خريطة عمل للمستقبل والاستفادة من دروس الماضي وخصوصا تجربة السنوات الخمس الماضية.
المنظمات الإسلامية التي يخصها الكاتب بالذكر، باستثناء الإخوان المسلمين، ليست لديها حاضنات شعبية، كداعش البغيضة، أو فقدت هذه الحاضنة بفعل ممارساتها الإجرامية، كحزب الشيطان في لبنان. لم يكن الدين الإسلامي السني الحنيف ليرعى مجرماً واحداً فرَّط ولو بقطرة دم واحدة لبريء، فما بال الكاتب بما فعله داعش وحزب نصر الأسد في سورية! أي دراسة سيقرأها مؤمن ٌ من المؤمنين عن هؤلاء إلا أن تكون محاضر مُحاكماتهم؟