بعد عامين من المخاض بين الكتل الشيعية، وفي اجتماع لم يعلن عنه ولم يتسرب الكثير من تفاصليه، تم اختيار زعيم المجلس الأعلى الإسلامي، عمار
الحكيم، رئيسا للتحالف الوطني، لدورة مدتها عام واحد، بعد الحصول على دعم حزب الدعوة (جناح رئيس الوزراء السابق نوري
المالكي) ومقاطعة التيار الصدري الذي وصف التحالف بأنه "مؤسسة طائفية".
وشغل إبراهيم الجعفري (وزير الخارجية الحالي) منصب رئيس
التحالف الوطني طيلة ست سنوات، بعد انتخابه من جميع كتله، فيما اشتدت الخلافات نهاية 2014 بشأن المرشح الذي سيخلفه لهذا المنصب.
والتحالف الوطني (شيعي) هو أكبر كتلة داخل البرلمان، ويمتلك 180 نائبا من أصل 328 نائبا، وهو المسؤول عن تسمية رئيس وزراء
العراق لثلاث دورات متتالية.
ويضم التحالف عدة كتل أبرزها "ائتلاف دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، و"المجلس الأعلى الإسلامي" بزعامة عمار الحكيم، و"التيار الصدري" بزعامة مقتدى الصدر، و"تيار الإصلاح" بزعامة إبراهيم الجعفري.
في موازاة ذلك، يقول نواب في التحالف إنه يسعى في المرحلة المقبلة إلى توحيد المواقف والخطاب السياسي داخل البيت الشيعي، وأنه سيبدأ بدراسة القوانين والقرارات التي تصدر عن الحكومة والبرلمان، في وقت رحبت فيه كتل سياسية سنية وكردية بتولي الحكيم رئاسة التحالف، متوقعة أنها ستخرج من الأزمات التي وقعت فيها مع التحالف الشيعي خلال السنوات السابقة.
ويقول القيادي في المجلس الأعلى، عباس الوكيل، في حديث لـ"
عربي21"، إن الضعف في أداء التحالف الوطني حدث منذ اللحظة التي تولى فيها نوري المالكي رئاسة الوزراء ورئاسة حزب الدعوة.
وأوضح أن المالكي "ظن أن السلطة التي يرأسها، والعدد الأكبر الذي يملكه حزبه من مقاعد البرلمان، وبمجرد اتفاق مع طرف من الأطراف السياسية الأخرى، فإن هذا كفيل بتمرير أيّ مشروع يراه هو أو حزبه مناسبا لآرائهم، وهنا حدث شرخ كبير في صفوف التحالف لتجد كل كتله طريقاً لها".
وأضاف الوكيل أن الكتل الأخرى، عدا ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه نوري المالكي، تحركت من أجل لملمة البيت الشيعي وإعادة بنائه والنهوض به، دون الاعتماد على حزب المالكي، إلا أن ذلك لم ينجح بسبب حجم ائتلاف دولة القانون. وبعد سنوات تمكنت الكتل من إقناع المالكي بالانضمام للتحالف وسط تطمينات بالاتجاه نحو تأسيس كتل سياسية "شيعية"، تتمكن من أخذ زمام الأمور والتحضير للانتخابات البرلمانية المقبلة، كما قال الوكيل.
إلى ذلك، يرى عباس طعمة، رئيس كتلة الفضيلة في مجلس النواب، وهي إحدى الكتل الصغيرة المنضوية تحت مظلة التحالف الوطني، أن الحكيم شخصية "ذات خبرة ومعتدلة"، وأنه قادر على جمع شمل التحالف وتجاوز الأخطاء السابقة، والاقتراب مع الكتل الأخرى للتحضير للانتخابات المقبلة، وقال إن الحكيم "سيدعم التحالف في كتابة نظام داخلي وتحويله إلى مؤسسة سياسية".
وأكد طعمة في حديث لـ"
عربي21"؛ أن التحالف الوطني ما زال يعتمد على النظام الداخلي السابق، وكان من المفترض أن يشكل هيئة سياسية جديدة جرى الحديث عنها بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة، لذا تم تشكيل لجنة تنسيقية من داخل التحالف تتكون من كل أطراف التحالف الوطني، باستثناء التيار الصدري الذي قاطع الاجتماع، مهمتها "إدارة التحالف بشكل دوري كل عام، والعمل على توحيد الخطاب السياسي، ومنع اتخاذ مواقف أُحادية من أيّ طرف".
وترفض كتلة الأحرار البرلمانية، بحسب النائب حاكم الزاملي، الانضمام مرة أخرى إلى التحالف الوطني، الذي وصفه بـ"المؤسسة الطائفية".
وبيّن الزاملي في حديث لـ"
عربي21" أن "كتلة الأحرار لم تشارك في اجتماع التحالف الأخير"، مؤكداً أن كتلته تخلفت عن منصب نائب الرئيس الذي كانت تشغله النائبة ماجدة التميمي.
ويؤكد النائب الصدري أن "كتلة الأحرار لا تريد أن تكون جزءا من التحالف الذي كان له دور سلبي من الإصلاحات وضد التظاهرات"، منوها إلى أن هناك "اتفاقيات غير معلنة جرت داخل التحالف أدت إلى تخلي كتلة المالكي عن المنصب".
وبالنسبة للنائب محمد الكربولي، عضو كتلة الحل، فإنه يرى في "انتخاب قوى التحالف الوطني للحكيم فرصة لترطيب الأجواء بين الكتل السياسية الأخرى"، واعتبر أن انتخاب الحكيم جاء لما يتمتع به من ثقل سياسي واجتماعي ومرجعي في العملية السياسية.
وقال الكربولي لـ"
عربي21" إن "القوى السنية متفائله بالحكيم الذي ينطلق من كونه الأقرب إلى الكتل السياسية الأخرى، والأكثر انفتاحاً على اتحاد القوى العراقية والتحالف الكردستاني، والأصوب في مواقفه بمواجهة الأزمات التي يمر بها العراق".
وعن رأي التحالف الكردستاني باختيار الحكيم رئيساً للتحالف الوطني، قال القيادي الكردي النائب محسن السعدون لـ"
عربي21": "إنها خطوة في الاتجاه الصحيح، ستسهم في توحيد صف التحالف وتقوية دوره في التعامل مع القضايا المهمة التي تخص البلد بشكل عام، بعد أن شهدت العملية السياسية مرحلة متأزمة انعكست على واقع المواطن الذي فقد الخدمات والأمان جراء الصراعات السياسية".
لكن يبدو أن حظوظ الحكيم في ترتيب أوراق الكتل الشيعية داخل التحالف الوطني ضعيفة، بحسب رأي المحلل السياسي العراقي إحسان الشمري.
ويقول الشمري لـ"
عربي21" إن اختيار عمار الحكيم لزعامة التحالف الوطني جاء من أجل التهدئة بين كتل التحالف، بعد التصادم الكبير الذي حدث فيما بينها، والتي عكست صورة سلبية جدا ليس فقط على المستوى الدولي والإقليمي، حيث "يُنظر إليه على أنه دعامة سياسية، وإنما على مستوى الشارع الشيعي والمرجعية الدينية في العراق"، وفق تقديره.
وأكد الشمري أن طبيعة الخلافات بين زعامات الكتل السياسية داخل التحالف الوطني لن تتيح للحكيم، على مدى السنة القادمة، أن "يؤسس الاستقرار بين كتل التحالف"، وهذا صعب جدا في وقت الراهن؛ لأن بعض زعامات التحالف الوطني الطامحة للسلطة لا تقبل أن تخضع لقرارات الحكيم؛ باعتبار أن ذلك يتعارض مع خططها التي رسمتها منذ سنوات، كما قال.
وأشار الشمري إلى أن منظومة التحالف الوطني أثرت بشكل كبير على ثقة الشارع الشيعي بقياداته، وقال إن الكتل السياسية داخل التحالف تحاول اليوم أن تعود إلى سابق عهدها، عبر إيجاد قيادة جديدة لها، "ولملمة أطراف التحالف ليدفع بالعملية السياسية إلى الأمان، وتهيئة الأجواء إلى ما بعد مرحلة داعش، وإعطاء صورة جيده للشارع الشيعي بأنه قادر على تقديم الافضل لهم"، بحسب تعبيره.