تناولت
دراسة بريطانية تأثير
الثراء على حياة الناس، وقامت بدراسة سلوكياتهم، والصورة النمطية لدى الناس عنهم، لتقدم إجابات حول دقتها وواقعيتها.
وبحسب ما نشره موقع "بي بي سي فيوتشر"، فإن سلسلة من الدراسات أظهرت أن الأثرياء هم أكثر شحا وأقل جدارة بالثقة من سواهم، ولكن الدراسة التي أعدتها "كلوديا هاموند" تبحث في هذه النتائج إن كانت دقيقة وواقعية.
وأوردت الدراسة أن كثير من الناس يرون أن الأشخاص الأكثر ثراء ممن يجلسون حولهم، هم على ما يبدو الأقل استعدادا للمسارعة بتحمل تكاليف ما احتسوه من مشروبات أثناء جلوسهم مع الآخرين في المقهى مثلا.
ولفت إلى أنه "ربما يكون المرء قد تساءل عما إذا كان هؤلاء يتسمون دوما بهذا القدر من الدناءة والبخل، وما إن كانت تلك الصفة هي التي ساعدتهم ربما على أن يصبحوا أثرياء؟ أم أن هناك شيئا ما مرتبطا بامتلاك قدر كبير من المال، هو الذي حدا بهم لأن يصبحوا بخلاء على تلك الشاكلة؟".
ووصفت السؤال بأنه "معقد"، مضيفة أنه "بوسع المرء محاولة الإجابة عليه من أوجه عدة ومختلفة. فمن الممكن التركيز على مجموعة من الأشخاص يُعرفون باهتمامهم بالشؤون المالية، مثل الاقتصاديين على سبيل المثال، ومقارنة ما يتصفون به من سخاء وكرم، بذاك الذي يتسم به الآخرون".
وأشارت إلى أنه "في عام 1993؛ جرت دراسة تناولت هذا الأمر تحديدا، وخلصت إلى أن عدد دارسي الاقتصاد، ممن أقروا بأنهم لم يتبرعوا قط للجمعيات الخيرية، كان يزيد بواقع الضعف على مثيله بين دارسي الهندسة المعمارية وعلم النفس".
وكشف معدو الدراسة ذاتها عن أن دارسي الاقتصاد هؤلاء، كانوا أقل رغبة واستعدادا للتصرف بلطف في ألعاب تتطلب التعاون من قبل ممارسيها، مثل اللعبة المعروفة باسم "معضلة السجين"، التي تقوم على وجود متهميّن، لا يملك المحققون أدلة كافية لإدانتهما، ومن ثم يكمن السبيل الوحيد للإدانة في اعتراف أحدهما على الآخر، ليُبرأ المعترف ويسجن صاحبه، وهو ما يعني في المقابل أن تعاونهما، هو ما سيكفل خروجهما معا بأقل الأضرار.
وعندما دُرس سلوك الطلاب جميعاً في بداية دراستهم الجامعية وقرب نهايتها، تبين أن سخاء دارسي العلوم الأخرى بخلاف الاقتصاد، زاد قليلا مع اقترابهم من موعد التخرج، بينما ظل دارسو الاقتصاد على المستوى ذاته من الافتقار النسبي لهذه الصفة طيلة فترة الدراسة.
وأكدته أنه بطبيعة الحال، "ما نتحدث عنه هنا هو تقديرٌ لما هو شائعٌ في أوساط دارسي العلوم الاقتصادية، لذا فهو لا ينفي أن بينهم من يتصفون بالكرم والإيثار".
التصرف بأكبر قدر من الإيثار
في المقابل، أوردت الدراسة أن هناك بعض الأدلة التي تفيد بأن من يمتلكون أموالاً أكثر، أو يقيمون في مناطق مترفة أو ترتفع فيها تكاليف المعيشة، ربما يتصرفون بشكل يتسم بقدر أكبر من الإيثار.
فقد جاب الباحثون 20 منطقة مختلفة من مناطق العاصمة البريطانية لندن، وألقوا على أرصفة كلٍ منها، 15 خطابا مدون عليها اسم المرسل إليه، للتعرف على العدد الذي سيتم العثور عليه في كل منطقة وإعادة إرساله إلى مقصده، من قبل عابري السبيل ممن يتسمون بالغيرية فيها.
وتبين أن مناطق تتسم بارتفاع مستوى معيشة سكانها، مثل ويمبلدون، شهدت إعادة إرسال 87 في المئة من تلك الخطابات إلى العناوين التي كانت مُدونة عليها، مُقارنة بنسبة لم تتجاوز 37 في المئة في المناطق الأكثر فقرا، مثل شادويل.
واستعان الباحثون بدراسة جرت على يد الباحثتيّن في جامعة جورج تاون الأمريكية؛ كريستين بريثل-هورويتز وأبيغَيل مارش، حول أسباب التفاوت الكبير في معدلات
التبرع بالكلي لغير الأقارب بين الولايات الأمريكية المختلفة.
ورغم أن الدراسة بحثت دور عوامل متنوعة في هذا الصدد، ومن بينها مستوى التدين السائد في الولايات التي شملها البحث؛ فإن المؤشر الأكثر تأثيراً في وجود نزعة للتبرع من عدمه، تمثل في متوسط مستوى الدخل بين سكان تلك الولايات.
فببساطة، زاد عدد المتبرعين في الولايات التي يزيد متوسط دخل سكانها. لكن ذلك لا يعني بالضرورة، أن الأثرياء أكثر رغبة في التبرع بالكلى من الفقراء، أو من هم أقل ثراء منهم، بل يشير إلى أن الميل للتصرف بقدر أكبر من الإيثار، يبدو مرتبطا بارتفاع مستوى المعيشة ووجود قدر من الرفاهية.
ولفتت إلى أن العلاقة هنا قد تكون عكسية؛ أي أن يكون ارتفاع مستوى المعيشة في منطقة ما، هو ما يمكن سكانها من التصرف على نحو أكثر غيرية من غيرهم.
وهكذا؛ تبدو نتائج الدراسات المتعلقة بالكرم والسخاء تصب في صالح الأثرياء والمعنيين بالشؤون المالية.
نتائج الدراسات
وقال القائمون على هذه الدراسة، إنه في ظل هذا التباين الذي يصل إلى حد التناقض، في نتائج الدراسات التي تُعنى ببحث أسباب إقدام البشر على التصرف بشكل سخي أو غيري، يظهر سؤال: "ماذا عن النظر إلى هذا الأمر في ضوء حقائق ثابتة مثل تلك المتعلقة بحجم الأموال التي تُمنح للجمعيات الخيرية؟ فهل وارِن بافيت، ذاك الملياردير الذي تعهد بالتبرع بـ 99 في المئة من ثروته يشكل نموذجا نادرا، أم أنه يعبر عن اتجاه سائد وسط الأثرياء، يدفع الأشخاص الأكثر ثراء، للتبرع -في المتوسط- بنسبة أكبر من عائداتهم؟ هنا يمكننا المقارنة بين دخل الفرد وما يخصصه منه للتبرع للجمعيات الخيرية".
وبحسب نتائج أول دراسة تناولت العلاقة ما بين الثراء والسخاء، بدا المنحنى البياني المتعلق بهذا الأمر، أشبه بابتسامة مقلوبة، في ضوء ما تبين من أن الأشخاص الأشد فقرا، وكذلك الأكثر ثراءً، تبرعوا بنسبة أكبر من دخلهم للأغراض الخيرية مُقارنة بغيرهم، بينما قلت نسبة التبرع هذه، من قبل الأشخاص الواقعين في الفئة المحصورة بين هؤلاء وأولئك.
غير أن تلك الدراسة، التي جرت منذ فترة طويلة، بدت وقد استثنت من لم يتبرعوا على الإطلاق، وهم عادة الأشخاص الأشد فقرا بكثير، ممن لا يستطيعون التبرع من الأصل. وقد يؤدي إغفال هذه الشريحة إلى جعل النتائج غير معبرة عن الواقع.
ولأخذ هذا العنصر في الحسبان، سعى الباحثون في كلية بوسطن بولاية ماساشوستس الأمريكية، إلى دراسة التبرعات التي يمنحها أشخاصٌ تتراوح دخولهم ما بين 10 آلاف دولار أمريكي و300 ألفا، ليخلصوا إلى أن معدل التبرع للجمعيات الخيرية في الولايات المتحدة يدور حول نسبة ثابتة بشكل لافت، تبلغ نحو 2.3 في المئة من الدخل.
ولكن الدراسة كشفت أن الشريحة العليا من أولئك الأكثر دخلاً، تحديداً من يزيد دخلهم على 300 ألف دولار ممن شكلوا 2 في المئة من المبحوثين، تبرعوا في المتوسط بما تصل نسبته إلى 4.4 في المئة من دخولهم، وهو ما يجعل بوسع الأشخاص الأكثر ثراء، الادعاء بأنهم أكثر سخاء فيما يتعلق بالتبرع للأعمال الخيرية.
وفي المجمل، تُظهر الدراسة التي أجراها الباحثون في بوسطن، أن “الأثرياء ليسوا أكثر سخاء أو تقتيرا منّا جميعاً، باستثناء من منهم أكثر ثراء”.
وبحسب الدراسة، فإن البعض قد يحاجج بالقول، إن الأثرياء يتبرعون أكثر لأن قدراتهم المالية تسمح لهم بذلك، ولكن ينبغي إدراك أنه يُحسب لهم أنهم اتخذوا قرار التبرع على الأقل دون تردد.
وتوصلت في النهاية إلى أنه "في المرة المقبلة، التي تصادف فيها ثريا مترددا في دفع تكاليف مشروباته في مَشْرَبٍ ما، عليك تذكر أن الأمر ربما يكون قاصراً على هذا الشخص نظرا لطبيعته الشخصية، ولا يعود لكون أمواله قد جعلته بخيلا أو وضيعا".