نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للأكاديمي طارق رمضان، ينتقد فيه الاستراتيجية التي اتبعتها
بريطانيا لمكافحة
التطرف.
ويقول رمضان في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إن "الحكومة البريطانية، مثل نظيراتها الحكومات الأوروبية والأمريكية، تكابد لتجد استراتيجية فعالة لمقاومة التطرف داخل المجتمع البريطاني المسلم، فعندما قدمت الحكومة برنامج (برفنت) تعرضت لانتقادات شديدة؛ بسبب النهج الذي اتبعته؛ وبسبب النتائج غير المرضية، ولا يبدو بعد أكثر من عقد أن أيا من خطط مكافحة التطرف في أوروبا أو أمريكا أثبتت فعاليتها".
ويضيف الكاتب أن "هناك عدة أسباب لذلك؛ ابتداء من المصطلحات المستخدمة، حيث يوصف التطرف الديني بالعملية التي تتخذ مسارا متواصلا، يبدأ من الفهم والتطبيق (المعتدل) للدين، ويتصاعد إلى التورط في العنف والتطرف، وهذا الفهم هو أبعد ما يكون عن الحقيقة".
ويعلق رمضان قائلا إن "الممارسة الدينية للأكثرية الساحقة من الذين استهوتهم دعاية
تنظيم الدولة يمكن أن توصف بأنها ضعيفة في أفضل الأحوال، وفي الغالب جزئية أو طارئة، وتم تأكيد هذا التشخيص مرات عديدة منذ 11 أيلول/ سبتمبر 2001، وهؤلاء الأشخاص بعيدا عن كونهم تعرضوا لـ(عملية تحول إلى التطرف)، فإنهم انزلقوا إلى أفعالهم الإرهابية لا لأنهم دعموا تنظيم الدولة أو ادعاءه (الإسلام)، بل لأسباب في غالبها لا علاقة لها بالدين، ولذلك فإن معالجة ظاهرة معقدة، من خلال الإشارة إلى علامات زيادة التدين لدى شخص ما، أو استهداف مجتمع بعينه، أو السيرة الدينية لشخص ما، لن تأتي بنتائج".
ويقول رمضان إنه "لا شك أن التفسيرات الدينية تؤدي دورا، حيث التفسير المتطرف والحرفي لبعض النصوص الإسلامية موجود، ولا يمكن مواجهته إلا بحجج قوية من علماء مسلمين يحظون بمصداقية واسعة، كما أن السيرة الشخصية عامل مهم جدا، بالإضافة إلى الحالة الاجتماعية، والبطالة، والمخدرات، والمشكلات النفسية".
ويتابع الكاتب قائلا: "قد ينجذب الشباب إلى قضية يشعرون أنها تعطي معنى لحياتهم، وتسمح لهم بتجاوز الإحباط، وقد تعطيهم شيئا من الشعور بالفخر، وفي هذه الحالات يجب النظر إليهم على أنهم ضحايا للدعاية، أكثر من كونهم مسؤولين بوعي عن أفعالهم، مهما كانت متطرفة".
ويتحدث رمضان عن تجربته في هذا المجال بالقول: "لقد شاهدنا في (الشبكة الإسلامية الأوروبية)، وهي مؤسسة فكرية أرأسها في بروكسل، عددا من الشباب والشابات، الذين رووا كيف تأثروا بالدعاية المبثوثة عبر الإنترنت على مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال أشخاص لا ارتباط لهم بالمجتمعات الإسلامية، ويجب التعامل مع هؤلاء الناس بناء على خلفياتهم، وإن ركزنا على المخاوف الأمنية المتعلقة بالتعبير الديني فإن أي فعل لن يحقق الهدف المرجو".
ويشير الكاتب إلى أنه "يجب أن تعد السياسة هي السبب الرئيس لانزلاق المواطنين إلى العنف، وهذه مسألة تهملها برامج معالجة التطرف، إن أعمال العنف لا تحدث في فراغ سياسي كامل، ومنذ عام 2005 رفض رئيس الوزراء في حينه توني بلير الربط بين السياسة الخارجية البريطانية والتطرف، ومع أنه لا يوجد شيء يمكن أن يبرر قتل المدنيين الأبرياء في لندن أو باريس أكثر من فعل ذلك في دمشق أو بغداد، وواضح أن السياسات الغربية في الشرق الأوسط قادت إلى مستويات عالية من الإحباط، وقد تفسر توجه البعض نحو الآراء المتطرفة".
ويجد رمضان أن "الصمت على المأساة الفلسطينية، والتدخل الغربي في العراق، والغموض في سوريا، بل تأييد (الحرب السعودية ضد اليمن)، كلها أعطت الشباب فرصة للتشكيك في السياسات الغربية غير المتسقة، ولذلك فإن إنكار وجود دور للسياسة ليس فقط غير منسجم مع الواقع، بل إنه يعطي نتائج عكسية".
ويذهب الكاتب إلى أن "ما يزيد الطين بلة اعتبار التعبير السياسي بذاته مؤشرا على التطرف، إن مكافحة التطرف العنيف يجب أن تحمي حرية التعبير، خاصة عندما يقوم بها المسلمون؛ لأنها تمكن الشخص من التعبير عن امتعاضه، أو إحباطه، أو معارضته، دون أن توجه له التهمة، وهو بحد ذاته إجراء وقائي ضد من يدعو إلى العنف، ويمكن أن يكون المسلمون المعارضون لسياسات الحكومة، والرافضون للعنف في الوقت ذاته، في وضع أفضل للتأثير في الشباب الذين يجذبهم التطرف".
ويلفت رمضان إلى أن "هناك شهادات في أوروبا وأمريكا تؤكد أن الإجراءات لا تستهدف الإرهابيين، بل تستهدف المسلمين، ولقد قابلت على مدى السنوات الخمس الماضية عددا من النساء المسلمات من أوروبا وأمريكا، اللواتي توقفن عن لبس الحجاب؛ بسبب الخوف من الظهور بمظهر المتدينات، وقد تم سجن أشخاص في المملكة المتحدة، وألمانيا، وبلجيكا، أو فرضت عليهم الإقامة الجبرية؛ بسبب ما زعم بأنها أنشطة مشبوهة، مثل زيارة موقع ما، أو التعبير عن رأي اعتبر (خطيرا) بشأن سوريا أو فلسطين، ولا يمكن أن نعيش في مجتمعات سلمية إن خشينا من الحوارات الفكرية".
ويعتقد الكاتب أن "محاربة التطرف العنيف تحتاج إلى مختلف الآراء، لكن أكثرية البرامج الحكومية تركز على الأمن، وتفضل الحلول قصيرة الأمد، وتميل إلى اعتبار المجتمعات المسلمة أرضية خصبة لإنتاج العنف السياسي، ويجب أن تبقى تحت المراقبة، وفي الواقع فإن الأمن والمراقبة أصبحا الدعامتين الرئيستين في استراتيجية مكافحة التطرف".
ويستدرك رمضان بأن "ما نحن بحاجة إليه هو خطة تتعامل مع هذه الظاهرة على عدة مستويات مختلفة، أهمها التركيز على التعليم على مستوى القاعدة الشعبية، وللقيام بذلك يجب مشاركة المنظمات الإسلامية، ويجب إنشاء اتصالات لبناء الثقة في المؤسسات الحكومية، ولا تحظى المنظمات الإسلامية، التي تتعامل الحكومة معها وتمولها حاليا، بمصداقية على مستوى الشارع، وكيف يمكن أن تحصل على تلك المصداقية ما دامت لا تعارض الحكومة في السياسات الداخلية والخارجية؟".
ويرى الكاتب أنه "يجب إضافة مهمة ترسيم تعدد التوجهات الاجتماعية، والسياسية، والدينية، والإجماع على رفض التطرف العنيف، ويجب أخذ حالة الإحباط، التي يعاني منها الأشخاص، على محمل الجد، ويجب تحديد المشكلات، وتحقيق عدالة اجتماعية أكبر، مع أن النتائج قد لا تظهر مباشرة".
ويدعو رمضان قائلا: "يجب إجراء مراجعة شاملة للخطاب السياسي الحالي، فسياسيونا قاموا بإضفاء الصبغة الإثنية والإسلامية على مشكلة التطرف العنيف؛ لتجنب التعامل مع القضايا الحقيقية، ويجب التخلي عن سياسة الخوف، والعمل ضد التطرف لا يعني التجسس على (مؤشرات التطرف) كلها، أو تجريم كل شخص أو مجموعة تظهر مثل تلك المؤشرات".
ويخلص الكاتب إلى القول: "لقد خلقت الحكومة البريطانية جوا من الشكوك، ووصم المسلمين بـ(التطرف)، فأثر ذلك سيكون تغذية التطرف الذي ترغب في محاربته، فتجب مراجعة الاستراتيجيات، وتجاوز الحلول القائمة على الأمن والمراقبة، والتركيز على التعليم، والشراكة، والعوامل السياسية والاجتماعية، لكن للأسف نحن أبعد ما نكون عن الهدف".