نشرت صحيفة "
وول ستريت جورنال" الأمريكية تقريرا تحدثت فيه عن الحلم الكردي، الذي أصبح واقعا في تشكيل وطن في
سوريا، ومدى تأثير ذلك على العلاقات الثنائية بين تركيا والولايات المتحدة.
وقالت الصحيفة في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إنّ
الأكراد اقتطعوا جزءا من سوريا، ووضعوه تحت حكمهم الذاتي، مستفيدين في ذلك من الفوضى التي شهدتها سوريا منذ بداية الحرب، التي أصبحت أكثر تعقيدا في السنوات الأخيرة.
وذكرت الصحيفة أنّ منطقة الإدارة الذاتية في شمال سوريا، أو "روج آفا"، كما يسميها الأكراد أنفسهم، تمتد على مساحة تقارب مساحة بلجيكا، وتضمّ أكثر من 4 ملايين شخص، وتغطي هذه المنطقة تقريبا كامل الحدود التركية مع سوريا، والتي تمتد على طول 909 كيلومترات.
وأضافت الصحيفة أن ظهور منطقة الإدارة الذاتية في شمال سوريا -التي يسيطر عليها الأكراد- زاد الأمر تعقيدا في منطقة تعاني أصلا من ويلات الصراعات والحروب. وقد لقي تشكيل هذه المنطقة الذاتية معارضة من الداخل، ومقاومة من الخارج.
وذكرت الصحيفة أن توسع الأكراد شمالي سوريا بنسق تدريجي دفع تركيا إلى دق ناقوس الخطر في مواجهة الزاحفين على حدودها. وبعدما كانت تركيا تعمل جاهدة على التصدي لخطر التحركات الانفصالية للأكراد ضمن مجالها الجغرافي، توغلت داخل الأراضي السورية؛ من أجل التصدي لتنظيم الدولة، وكبح جماح الأكراد السوريين.
واعتبرت الصحيفة أن التطورات الأخيرة وضعت الولايات المتحدة الأمريكية في موقف صعب، بين دعم الأكراد الذين تراهن عليهم في مواجهة خطر تنظيم الدولة، وبين مساندة تركيا التي تعدّ حليفا رئيسيا لها في المنطقة.
وأضافت الصحيفة أن القوات الكردية قد تكون في الطريق الصحيح نحو تشكيل منطقة حكم ذاتي تحت تصرف الأكراد، لكنها فشلت في طمأنة شعبها، الذي أصبح يشعر بالخوف من الممارسات التي تشبه أحيانا ممارسات النظام السوري.
وذكرت الصحيفة أن والدي شاب كردي يدعى جود حمو قاما ببيع سيارة العائلة واقتراض المال من أجل ترحيل ابنهم إلى ألمانيا لإنهاء دراسته، حتى لا يكون مصيره الانضمام للقوات الكردية في مواجهة تنظيم الدولة، وقد علق والد جود على ذلك قائلا: "لقد اخترنا أقل الأمرين شرا".
وأضافت الصحيفة أن المعطيات التي قدمتها وزارة الشؤون العسكرية الإقليمية أثبتت أن 6 آلاف من الشبان الأكراد اضطروا للانضمام إلى القوات الكردية منذ سنة 2014، وفقد قرابة 1200 شخصا منهم حياتهم في المعارك التي تدور في سوريا.
وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ذكرت في تقرير لها أنّ المسؤولين في منطقة الإدارة الذاتية في شمال سوريا أجبروا 1178 شخصا على الانضمام للقوات الكردية، من بينهم 217 قاصرا، و69 امرأة.
وذكر أكرم حيسو، الرئيس السابق للمجلي التنفيذي للإدارة الكردية، التي تمثل واحدة من المقاطعات الثلاثة التي تشكل منطقة الإدارة الذاتية للأكراد في شمال سوريا، أنّ "على الجميع أن يشارك" في العمليات، وأضاف أن "الأشخاص الذين يعارضون المشروع يمكنهم الذهاب للعيش في مخيمات اللجوء الأوروبية".
وأضافت الصحيفة أنّ نظام الإدارة الذاتية للأكراد في سوريا تعرض لانتقادات عديدة، من بينها التحولات التي عرفها المشهد السياسي الكردي، الذي أصبح يقتصر على حكم حزب واحد، بعدما انقلبت الأحزاب الرئيسية الحاكمة على المعارضة.
وذكرت الصحيفة أن الحلم الكردي يتجاوز مجرد تأسيس منطقة إدارة ذاتية للأكراد في سوريا، إلى نيل اعتراف دولي بشرعية الحكم الكردي في المنطقة؛ ولذلك قام الأكراد بفتح مكاتب تمثيلية في السويد وفرنسا وألمانيا وروسيا.
وأشارت الصحيفة إلى أن الأكراد كانوا يتعرضون منذ عقود لمضايقات الدولة السورية، من فترة حكم حافظ الأسد إلى فترة حكم بشار الأسد، قبل أن يضطر هذا الأخير إلى غض النظر عن الأطماع الكردية في حكم ذاتي، لمنع الأكراد من الوقوف إلى جانب الثورة السورية في سنواتها الأولى.
وأضافت الصحيفة أن المشهد العسكري في شمال سوريا شهد تغيرات عديدة منذ تدخل القوات التركية، من أجل السيطرة على خطر تنظيم الدولة الزاحف على الحدود التركية، ووقف الانتصارات الميدانية التي حققتها القوات الكردية المدعومة من طرف الولايات المتحدة.
وذكرت الصحيفة أن المسؤولين الأمريكيين أكدوا في تصريحاتهم الأخيرة أن دعم القوات الأمريكية للمليشيات الكردية في عملياتها في سوريا، لا يعني مساندة الولايات المتحدة للأكراد في تحقيق طموحاتهم السياسية في سوريا.
وأشارت الصحيفة إلى أن بعض المسؤولين الأمريكيين عبروا عن غضبهم؛ بسبب توسع القوات الكردية بعد استعادة السيطرة على مدينة منبج، وقد اتفقت معهم الولايات المتحدة على التراجع، وفقا لما ذكره نائب الرئيس الأمريكي، جو بايدن.
وذكر السفير الأمريكي في سوريا عند بداية عملية التوسع الكردية في منبج أنّ قرار التوغل "هو قرار تكتيكي على المدى القصير، لكن ستكون له انعكاسات سلبية على المدى الطويل. وكل ذلك بدعوى تحقيق تقدم ملحوظ في مواجهة تنظيم الدولة".
وفي الختام، قالت الصحيفة إن القوات الكردية منعت العرب السنة من العودة إلى منازلهم في عديد القرى، بعد انتهاء المعارك ضد تنظيم الدولة، بدعوى أن إدارة الحكم الذاتي في شمال سوريا ما زالت مهددة من طرف تنظيم الدولة.