حين نحتار حيرة البحتري امام إيوان كسرى، يستحوذ على ذهننا تفسير السلوك الانساني بين الصراع والتعاون، وتعتبر نظرية اللعبة إحدى نظريات تفسير سلوك اللاعبين واستراتيجياتهم، وفي ظل الصراع العربي الصهيوني يستخدم الكيان موديلات متعددة لتطبيقها على الصراع العربي الصهيوني، في مجالات التفاوض والعلاقات الدولية والاقتصاد والسياسة والقانون والادب، وشبح الشيطان السكاني، حيث حاز العام الماضي عالم اقتصاد صهيوني على جائزة نوبل لابتكاره موديلا جديدا في نظرية الالعاب لتوظيفها في ادارة الصراع، وعلاوة على ذلك فقد استعارت الولايات المتحدة العديد من الافكار من مراكز التفكير الامريكية لتطبيق هذه الموديلات على المفاوضات الامريكية الايرانية التي انتهت باتفاق نووي دون اللجوء لقرار عسكري مما يعبر عن البراغماتية الامريكية، ومنهجها الحر في التفكير.
وهذا ما يفسر ارتفاع وتيرة العنف العربي، وانخفاض وتيرة عنف الصراع العربي الصهيوني، اذ بلغ المستوى العربي لنظرية اللعب الصفرية اي أن أي ربح يحققه احد اللاعبين تمثل خسارة للاعب الاخر، ما يعني استمرار دوامة الموت، بينما يستخدم الكيان الاسرائيلي نظريات لعب مختلفة مع اللاعبين العرب والمسلمين من افريقيا الى اسيا الى تنظيم حماس والسلطة وفلسطينيي الداخل لتخفيض مستويات العنف، بما يحقق نظرية الامن للكيان، وبلوغ نقطة الهدوء وحالة اللاعنف.
نظرية اللعبة القانون اللغوية
يعتبر التشريع هو الاداة الرئيسية لتطبيق الانضباط المجتمعي، ولذا تحاول هذه النظرية الاجابة عبر مصفوفة رياضية عن التساؤلات التالية:
1- التفسير القانوني، إذ إن عملية التفسير القضائي تعني بث الروح في الجسد فكيف يتم اختيار قرار التفسير القانوني من عدة بدائل لتطبيقها على واقعة النزاع؟ وهل يعتبر هذا الاختيار هو الامثل؟، ولما قد يخالف القاضي التفسير الأمثل؟ وماذا يعني التفسير القانوني الفلسفي والدوغمائي؟ ولذلك يبدي العديد من الأمريكيين العناية بالقاضي لأنه جهة تفسير القانون ولذا تظهر اهمية المحلفين والرقابة على اعمال القضاء، وانتخابات التعيينات القضائية لاختيار القاضي بالبلديات والولايات، لذا فإن اللاعبين في هذا النموذج هما القاضي والناخب وقد يكون القاضي الدستوري والمشرع وقد يكون القضاة في نفس الهيئة او محكمة الدرجة الأدنى والأعلى ورائد هذه النظرية الفيلسوف الفنلندي هانتيكا، وبما يشكل انقلابا على المنطق الارسطي والديكارتي.
2- القانون الجنائي وذلك باختيار العقوبة الملائمة ومدى تأثيرها على انخفاض عدد الجرائم ومخالفات السير والتعويض عن الضرر وواجب اخذ الحيطة والحذر، وطرق منع ومكافحة الجريمة، وادارة مراكز الاصلاح والتأهيل والعقوبة البديلة.
3- قانون منع الاحتكار والمنافسة وكيفية تشجيع القوانين للمنافسة بين القوة الاقتصادية ومعالجة التركيز الاقتصادي، وحماية المنتج الوطني، اذ ان نظرية سوق المنافسة الكاملة في الاقتصاد الجزئي قد احرز علماء الاقتصاد العديد من جوائز نوبل لنقضهم هذه النظرية، فالاقتصاد غير تنافسي ويلزم تنظيمه لضمان نزاهة هذه المنافسة الاقتصادية.
4- الوساطة وحل النزاعات الاسرية ولذا تم ابتداع كافة الوسائل البدلة لحل النزاعات مثل الصلح الجنائي ونظام الصفقات مع النيابة العامة، والرعاية الافضل لحضانة الاطفال، والارشاد الاسري والتأهيل للزواج واخلاق العناية بالأطفال وكبار السن.
5- الملكية الفكرية وبراءات ورخص الاختراع، وذلك لتحقيق التعاون والتوازن بين المصالح العامة والخاصة وتشجيع البحث العلمي، وسن التشريع واختيار التشريع الافضل.
ويمكن القول بأن نظرية اللعبة تشمل مجالات قانونية متعددة، كالتنظيم في القانون الاداري وادارة التوازن لبيان الحق الاولى بالرعاية في مجال الحريات العامة والقانون الدستوري والحد من الصراع بين السلطات العامة في القانون الدستوري بهدف تحقيق السلم والامن الأهلي والاجتماعي، وادارة العنف والريع الاقتصادي.