"لم تكن الإعاقة عائقا أمام من أراد أن يتحدى الواقع ليصل الى هدفه، وخاصة إذا كان هذا الهدف هو حماية عائلتي من الهلاك"، بهذه الكلمات بدأ علي المحمد قصته.
علي المحمد هو من ذوي الاحتياجات الخاصة، يبلغ من العمر 46 عاما، متزوج ولديه أربعة أطفال. ويقيم الآن في أحد
مخيمات غازي عنتاب التركية.
يقول علي لـ"
عربي21": "لقد أجبرتنا الحرب الدائرة في
سوريا على الذهاب إلى أماكن أكثر أمانا لي ولعائلتي، بسبب القصف المتواصل وقلة الطعام والشراب، وتوجهنا إلى الحدود السورية التركية".
وبدأ المحمد رحلة اللجوء في منتصف عام 2012، قبل أن يصل إلى مخيم في غازي عنتاب التركية في أيلول/ سبتمبر من ذلك العام.
يوضح أنه في ذلك الحين كان المعبر الإنساني على الحدود السورية التركية مغلقا، "فبقيت أنا وعائلتي نبيت بالعراء.. كنا نفترش الأرض ونلتحف السماء، وكنا في ذلك الحين نعاني من قلة المياه؛ لأنها تبعد عن مكان النزوح مسافة ثلاثة كيلومترات تقريبا".
ويضيف علي: "بدأت البحث عن وسيلة أستطيع بها الدخول إلى الأراضي التركية فالتقيت بالعديد من الأشخاص ضعاف النفوس المستغلين للوضع الإنساني المرير، وذلك لإدخالنا إلى الأراضي التركية بطريقة غير شرعية، مقابل مبلغ مادي لم أقدر على تأمينه".
وبعد ثلاثة أيام على الحدود، "أتى أمر من الحكومة التركية بإدخال كبار السن والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة.. كنت أنا وعائلتي من المشمولين بهذا القرار، فتم إدخالنا إلى مخيم قرقميش التابع لمدينة غازي عنتاب".
ويقول: "بدأنا حياة جديدة لا تخلو من المتاعب، كون المخيم محدّثا منذ فترة قصيرة، وخدماته لا تلبي احتياج
اللاجئين، أما البناء داخله فهو عبارة عن خيم لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء، إضافة إلى عدم توفر مرافق عامة تلبي حاجات ذوي الاحتياجات الخاصة، وهذا الشيء كان يضايقني كثيرا حيث كانت المرافق الصحية جماعية، وبعيدة بعض الشيء وتفتقر لكونها صحية، أما بالنسبة للخروج من المخيم فكان ممنوعا لأسباب نجهلها، ودام هذا الحال لمدة شهرين وبعد هذه المدة سُمح لنا بالخروج".
ووصل المحمد إلى المخيم في أيلول/ سبتمبر 2012، وكان من أوائل الواصلين إلى المخيم في غازي عنتاب، حيث كان رقمه في المخيم حين ذاك 40.
بدأ علي يبحث عن عمل "يتناسب مع إعاقتي، ولكن دون جدوى، وبعد فترة من الزمن تعرفت على أحد الحرس المعنيين بحمايتنا في المخيم، فشكوت له ضيق حالي وقلة حيلتي في البحث عن عمل، فعرض عليّ أن أعمل أجيرا في محل خياطة تملكه زوجته، كان عرضا مناسبا".
ويتابع: "بدأت العمل كعامل كوي و"أمبلاج" في البداية، وبأجر زهيد جدا.. وبعد مضي ثلاثة أشهر من عملي استهوتني هذه المهنة، وبدأت أبحث عن ألبسة زهيدة الثمن في محلات البالة من أجل فكها وإعادة حياكتها بقصد التعلم، وبالإصرار والعمل المتواصل استطعت أن أتعلم المهنة التي فتحت أمامي أفقا جديدا من الأمل".
وبقي علي يدير المحل لمدة سنة ونصف، "كنت أعمل بشكل مستمر حتى أتمكن من شراء ماكينة خياطة، واستطعت ذلك بعون الله ولكنني كنت خائفا من عدم السماح لي بإدخالها إلى المخيم".
ويكمل حديثه بالقول: "قام أحد الأشخاص بمساعدتي وشرح حالتي للقائم مقام، فسمح لي بإدخال ماكينة الخياطة إلى داخل المخيم.. كنت سعيدا، وذلك لأنني سأكون قريبا من عائلتي وأستطيع الإشراف عليها دون أن أغيب عنها. وبفضل الله، والعمل والإرادة؛ استطعت أن أحقق ما كنت أطمح فيه واعتبرته مستحيلا".
ويختم علي قصته قائلا: "قررت أن أعلّم هذه المهنة لأشخاص يحبّون أن يتعلموا الخياطة، والأولوية لذوي الاحتياجات الخاصة، لما عانيته من صعوبة في الحياة من قلة وحرمان، وأدركت أنه في الإصرار والعزيمة يتحقق المستحيل، ولكنني أطمح في أن أعمل عملا بعيدا عن التعب الجسدي؛ كوني أصبحت أشعر بالوهن بسبب تقدم السن، وأخاف أن يأتي يوم لا أستطيع فيه العمل في مهنة الخياطة بحكم إعاقتي وبحكم بعدنا عن أرضنا وبيتنا".