كتاب عربي 21

لماذا فشلت محاولة الانقلاب في تركيا؟

إسماعيل ياشا
1300x600
1300x600
تعرضت تركيا لمحاولة انقلاب قامت بها مجموعة موالية تنظيم الكيان الموازي التابع لجماعة فتح الله كولن المقيم في مزرعة بولاية بنسلفانيا الأمريكية. وبدأت المحاولة مساء الجمعة، واستمرت حتى ساعات فجر السبت، ولكنها انتهت بالفشل بعد نجاح رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان في الإفلات من الانقلابيين، وخروج ملايين المواطنين في أنحاء البلاد إلى الميادين والساحات العامة تلبية لدعوته ودفاعا عن الإرادة الشعبية.
 
 محاولة الانقلاب فشلت، ويتساءل الجميع عن أسباب هذا الفشل على الرغم من مشاركة عدد كبير من الضباط ذوي الرتب العالية والدعم الخارجي المقنَّع للانقلابيين. ولا يشك أحد في تركيا في ضلوع الولايات المتحدة بمحاولة الانقلاب الفاشلة، كما أن عواصم الثورة المضادة بدت في الساعات الأولى من المحاولة واثقة من نجاحها.
 
 بادئ ذي بدء يجب أن نعترف بأن فشل هذه المحاولة لم يكن يتحقق لولا عناية الله وحفظه ورعايته. ويمكن أن نشير إلى تفاصيل وأسباب كثيرة أدَّت إلى فشل محاولة الانقلاب، ولكن الفضل في ذلك يعود أولا وأخيرا إلى عناية الله الذي إذا أراد شيئا يسخر له أسبابه.
 
 ومن الأسباب التي أدَّت إلى فشل هذه المحاولة عدم مشاركة الجيش التركي فيها بجميع ضباطه وجنوده. ومهما كان حجم المشاركة كبيرا ورتب المتورطين فيها عالية فوجود مقاومة قوية وحازمة لمحاولة الانقلاب من داخل الجيش نفسه أفسد خطط الانقلابيين. ولعل أبرز مثال لهذه المقاومة ما قام به الضابط عمر حالسدمير، السكرتير العسكري لقائد قوات المهام الخاصة، حين قتل دون تردد جنرالا انقلابيا اقتحم مع مجموعة من الانقلابيين في بداية المحاولة مقر قيادة قوات المهام الخاصة للسيطرة عليه.
 
 مستوى الوعي الديمقراطي العالي الذي يتمتع به الشعب التركي لعب أيضا دورا هاما في إفشال محاولة الانقلاب وخروج الجماهير الغفيرة إلى الميادين والساحات للدفاع عن الإرادة الشعبية ودعم الحكومة المنتخبة الشرعية ضد الانقلابيين. ولن ينسى التاريخ مواجهة الشعب التركي للدبابات بصدورهم العارية وما قام به لعرقلة تحركات الانقلابيين.
 
 هناك قصص كثيرة تحكي بطولات الشباب والمواطنين البسطاء في التصدي لمحاولة الانقلاب بكل ما يملكون من وسيلة. وتقول إحدى تلك القصص الواقعية إن مواطنا قرويا في بلدة “قازان” التابعة للعاصمة أنقرة قام بإضرام النار في حقله الزراعي القريب من قاعدة “آكنجيلار” الجوية ليحجب الدخان الكثيف الرؤية ويشوِّش على الطائرات المشاركة في محاولة الانقلاب.
 
 ومن أهم الأسباب التي أدّت إلى فشل محاولة الانقلاب شجاعة أردوغان وأعضاء الحكومة التركية في مواجهة الانقلابيين مهما كان الثمن. وكانت تركيا قد تعرضت لانقلابات عسكرية كثيرة ولم يظهر فيها أحد من الزعماء السياسيين مقاومة للانقلابيين، بل كان رئيس الجمهورية التركي الأسبق سليمان دميرل قال في مقولته الشهيرة: “آخذ قبعتي وأرحل”، للتعبير عن استسلامه للانقلابيين وانصياعه التام لأوامرهم.
 
 لم يفعل أردوغان كما فعل دميرل وغيره، وكان بإمكانه أن يلوذ بالفرار إلى خارج البلاد، ويتوجه بطائرته إلى أي عاصمة يريدها، ولكنه غامر بحياته، وفضَّل العودة إلى إسطنبول لمواجهة الانقلابيين، ولم يدع المواطنين إلى الهدوء والتزام البيوت لسلامتهم، بل طالبهم بالخروج إلى الميادين والساحات للتعبير عن رفضهم لمحاولة الانقلاب، ظهر بينهم في أول فرصة ليعزز ثقة المواطنين بقائدهم في هذه المواجهة.
 
 كان موقف المعارضة التركية من محاولة الانقلاب مؤيدا للحكومة المنتخبة ضد الانقلابيين. وجاء أول رفض صريح لها من رئيس حزب الحركة القومية دولت باهتشلي الذي قال إنه اتصل في تلك الليلة برئيس الوزراء بن علي يلدريم ليخبره أن حزب الحركة القومية لن يبقى مكتوف الأيدي أمام محاولة الانقلاب. وشارك الشباب الموالون للحزب في المظاهرات المناهضة للانقلاب. كما أعلن رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كلتشدار أوغلو رفضه لمحاولة الانقلاب، مشددا على ضرورة الحفاظ على النظام الديمقراطي.
 
 وسائل الإعلام التركية البارزة لم تؤيد محاولة الانقلاب، بل قامت القنوات التلفزيونية الخاصة بنقل الأخبار والتطورات وتصريحات المسؤولين إلى المشاهدين بعد سيطرة الانقلابيين على مبنى التلفزيون الرسمي. وأجرت مذيعة قناة “سي أن أن تورك” التابعة لمجموعة “دوغان” الإعلامية المعارضة للحكومة خلال البث المباشر مقابلة مع أردوغان عبر هاتف نقال غيَّرت مجرى الأحداث لصالح الإرادة الشعبية.
 
 محاولة الانقلاب في تركيا فشلت، ولا شك فيه أن هذا الفشل أنقذ تركيا من كارثة كبيرة، ومنح الحكومة التركية فرصة ذهبية لتطهير المؤسسات الحكومية وأجهزة الدولة من خلايا تنظيم الكيان الموازي الذي أثبتت محاولة الانقلاب الأخيرة أن خطره على أمن تركيا واستقرارها لا يقل عن خطر منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية.
0
التعليقات (0)

خبر عاجل