قبل عام وعلى هامش مؤتمر حضرته باسطنبول، قال لي أحد رجال الأعمال من أنصار حزب العدالة والتنمية، إن المناوئين للحزب قد نظموا تظاهرة مليونية بإحدى المدن، قائلين إن شرعية الشارع أهم من شرعية الصندوق، مستشهدين بما حدث بمصر، فقام أنصار حزب العدالة والتنمية بتنظيم عدة تظاهرات أكثر عددا، وفي عدة مدن تركية.
ليقولوا لهم بالصندوق لنا الأغلبية، وبالشارع لنا الأغلبية، ويبدو أن تلك القدرة على الحشد للأنصار، كان لها دورها الحاسم بالجولة الثانية للانتخابات البرلمانية، لينفرد الحزب بتشكيل الوزارة، وهو ما تكرر عند زيارة أردوغان لألمانيا وقيام خصومه بالحشد ضد زيارته، فكانت حشود مؤيديه أضعاف المناوئين.
ومن هنا كانت الحشود الجماهيرية التي أسقطت الانقلاب العسكري أمس، ولم يأت التأييد الجماهيرى لحكومة العدالة والتنمية لمجرد مشاعر حزبية أو عاطفية، ولكنها تستند لإنجاز اقتصادي لمس الحياة اليومية للمواطنين خاصة بالمرافق وفرص العمل والخدمات التعليمية والصحية، وتحسن بالمؤشرات
الاقتصادية.
وتشير بيانات
البنك الدولي لاحتلال الناتج المحلي الإجمالي التركي – بسعر الصرف – المركز الثامن عشر دوليا العام الماضي، وبالمركز السابع على مستوى القارة الأوروبية.
وحسب الناتج المحلي الإجمالي بطريقة تعادل القوى الشرائية، جاء ترتيب الاقتصاد التركي بالمركز السابع عشر دوليا، وبالمركز السادس أوروبيا.
وتركيا هي إحدى دول العشرين، وعضو بمنظمة دول التعاون الاقتصادي، وترتب أوضاعها للالتحاق بالاتحاد الأوربي، وبالتجارة السلعية الدولية وحسب منظمة التجارة العالمية كان ترتيبها السادس والعشرين بالعام الماضي، وبالمركز الحادي والثلاثين بالصادرات السلعية، وبالمركز الحادي والعشرين بالواردات السلعية.
وما يميز الصادرات التركية هو كون نسبة 60 % منها بالعام الأسبق سلع مصنعة، مقابل نسبة 12 % للمنتجات الزراعية و11 % من الصادرات غذائية، وتنوعت السلع المصنعة ما بين منتجات السيارات والملابس والمنسوجات والحديد، والمصنوعات المعدنية ومعدات النقل ومعدات الاتصالات.
وتشير جهات توجه الصادرات السلعية التركية لمدى الجودة التي تحظى بها، حيث اتجهت نسبة 52 % منها بالعام الماضي لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وكانت أبرز دول توجه صادراتها لألمانيا تليها إنجلترا والعراق وإيطاليا والولايات المتحدة وفرنسا.
ويعاني الميزان التجاري التركي من عجز مزمن بسبب اعتماده على استيراد غالب استهلاكه من الوقود، حيث تبلغ نسبة الاكتفاء الذاتي من النفط أقل من 6 %، وبالغاز الطبيعي لحوالي 1 % فقط، حتى الفحم الذي تنتجه
تركيا فإن استهلاكها السنوي منه ثلاثة أضعاف إنتاجها.
ولهذا تضمن التوزيع النسبي لمصادر الطاقة التركية بالعام الماضي حوالي 30 % من النفط، ومثلها من الغاز الطبيعي و26 % للفحم، و5ر11 % للطاقة الكهرومائية وحوالي 3 % للطاقة المتجددة.
وخفف تراجع أسعار النفط والغاز الطبيعي والفحم منذ عام 2014 وحتى النصف الأول من العام الحالي، من قيمة العجز بالميزان التجاري، ويحقق ميزان التجارة الخدمية فائضا مستمرا بسبب عائدات السياحة، حيث احتلت تركيا العام الماضي المركز السادس بعدد السياح بالعالم بعد فرنسا والولايات المتحدة وإسبانيا والصين وإيطاليا، رغم تراجع السياحة الروسية التي تشكل الرافد الثاني للسياح الواصلين إليها بعد ألمانيا، بعد إسقاط الجيش التركي الطائرة الروسية.
وتبقى مشكلة التفجيرات التي تتهم بها جهات كردية و"داعش"، كعامل سلبي للسياحة الواردة لتركيا، ويقلل من أثرها تحسن العلاقات الذي تم مؤخرا مع روسيا، بما له من آثار إيجابية على السياحة والتجارة الخارجية، كما تساهم سياحة الأتراك المقيمين خارج البلاد بتركيا بنصيب جيد، إلى جانب دول الجوار الجغرافي مثل جورجيا وبلغاريا وإيران واليونان.
وبالعام الماضي بلغ الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد لتركيا 5ر16 مليار دولار، لتحتل المركز العشرين دوليا بنمو 35 % عن العام الأسبق، ليصل رصيد الاستثمارات الأجنبية المتراكمة 5ر145 مليار دولار، وتملك احتياطيات من العملات الأجنبية بلغت 118 مليار دولار العام الماضي.
ورغم وجود عجز بالموازنة التركية بنسبة 1 % من الناتج بالعام الماضي، فإن توقعات صندوق النقد الدولي تشير إلى بقاء العجز حول تلك النسبة بالسنوات الست القادمة، والأمر نفسه لنسبة الدين العام للناتج والبالغة أقل من 33 % بالعام الماضي، فقد توقع انخفاضها التدريجي بالسنوات الست القادمة لتصل 25 %.
وتوقع الصندوق استمرار نسبة نمو الناتج البالغة 8ر3 % بالعام الماضي، بالمعدل نفسه بالعام الحالي، وتراجع العجز بالحساب الجاري من 4ر4 % بالعام الماضي إلى 6ر3 % بالعام الحالي، كما توقع بقاء نسبة البطالة أقل من 11 % بالعام الحالي والقادم، واستمرار معدل البطالة برقم واحد بالعام الحالي والقادم.