يدور الحديث في المشهد السياسي
اللبناني حول وصفة فرنسية للخروج من عنق زجاجة الفراغ الرئاسي في البلاد.
يأتي ذلك في أعقاب زيارة وزير الخارجية الفرنسي
مارك أيرلوت إلى
بيروت، التي بدأت الاثنين، واستمرت ليومين، في وقت أجمعت فيه الآراء السياسية اللبنانية على أن الحضور الفرنسي أحدث خرقا مستجدا على المستوى الدولي تجاه أزمة سياسية وأمنية عميقة، وفتحت التكهنات بأن ثمة خارطة طريق ترسم للخروج من الفراغ، بحسب مراقبين.
واتفق المسؤولون اللبنانيون -بنسب متفاوتة- على أهمية الزيارة، رغم ضبابية نتائجها، واعتبروها حدثا مهما؛ نظرا لأهمية الملفات التي طرحت فيها، وباعتبارها رسالة دولية تؤكد الموقف الدولي لجهة دعم استقرار لبنان، وإيجاد حل لمعضلة رئاسة الجمهورية.
وكانت المهل الدستورية لانتخاب الرئيس الجديد بدأت في 25 آذار/ مارس 2014، لتنتهيَ في 25 أيار/ مايو من العام ذاته، وهو اليوم الأخير من ولاية الرئيس
ميشال سليمان، وذلك وفق نص المادة 73 من الدستور اللبناني. ويُنتخب الرئيس بأكثرية الثلثين في دورة الانتخاب الأولى، وبالأكثرية المطلقة في الدورات اللاحقة. ومنذ الاستقلال حتى اليوم، تُبين الانتخابات السابقة أن الممارسة استقرت على اعتماد نصاب الثلثين في كلّ جلسات انتخاب رؤساء الجمهورية منذ عام 1943.
ووفق مصدر سياسي خاص، فضل عدم ذكر اسمه، فإن أيرلوت طرح ما يشبه مبادرة بنيت على حصيلة اللقاءات التي أجراها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، مع كل من ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سليمان، ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف.
وقال المصدر لـ"عربي21" إن أيرلوت "ركز جهده على إيجاد قاعدة من التفاهم بين هذه القيادات؛ بهدف إنهاء الشغور الرئاسي"، مضيفا أنه "لم يخطط لحصاد أي نتيجة مباشرة في جولاته الأخيرة، بانتظار أن تنضج مبادرته بالنسبة للفرقاء اللبنانيين".
وأفرد أيرلوت في زيارته مساحة للجيش اللبناني، في مؤشر على قرار دولي بتفعيل دور الجيش، في ظل ما يحكى عن "تنامي خطر تنظيم الدولة على الحدود اللبنانية".
وعقد إيرلوت اجتماعا الثلاثاء الماضي، لمدة 40 دقيقة، مع وفد من
حزب الله في قصر الصنوبر ببيروت، ضم النائب علي فياض، ومسؤول العلاقات الدولية في الحزب عمّار الموسوي، بعد أن طلبت الخارجية الفرنسية لقاء رئيس كتلة الوفاء للمقاومة، النائب محمد رعد.
وتناول اللقاء، بحسب ما رشح عن تصريحات مصادر تابعة لحزب الله نشرتها وسائل إعلام مقربة منه، الملف الرئاسي بالدرجة الأولى، إضافة إلى ملف النازحين السوريين والقرار الدولي 1701، وسادته أجواء من "الود والصراحة والانفتاح".
وقالت المصادر إن وفد الحزب قدم طلبا لفرنسا باستخدام نفوذها في إقناع السعوديين وتيار المستقبل بضرورة وصول رئيس وزراء لبنان الأسبق، رئيس تكتل التغيير والإصلاح، ميشال عون، إلى سدّة الرئاسة.
وفي المقابل، نقلت الخارجية الفرنسية رغبة باريس بأن يبقى اللبنانيون على حوار وتواصل فيما بينهم، مبدية نية
فرنسا فهم موقف حزب الله من القضايا اللبنانية، وتحديدا من الموضوع الرئاسي، بحسب الخارجية الفرنسية.
تفاصيل أخرى
وحول طبيعة هذه الزيارة، قال النائب في كتلة المستقبل، قاسم عبد العزيز، إن "ما رشح عن الزيارة يعكس اهتماما فرنسيا كبيرا بالمساعدة في إعادة ترتيب الوضع الداخلي في لبنان، بدءا بانتخاب رئيس للجمهورية، وصولا إلى ملفات تتعلق بالحفاظ على استقرار الوضع الداخلي".
وأضاف لـ"عربي21" أن "الزيارة يجب ألّا تحمل طموحات كبيرة، مع تعاظم الصعوبات لإيجاد مخرج واقعي للحل يرضي الأطراف اللبنانية كافة، ويسهم في معالجة الأزمة السياسية اللبنانية".
وتطرق قاسم إلى زيارة أيرلوت لمقر اليونيفل، معتبرا إياها رسالة دعم لأمن لبنان والحفاظ على استقراره، والنأي به عن المخاطر المحدقة".
وشدد على أن "الزيارة ذات طابع استطلاعي، للوقوف على آراء الأطراف اللبنانية، ولإطلاعهم على الجهود المبذولة مع المملكة العربية السعودية وإيران بخصوص الشأن اللبناني".
وحول مسألة اللاجئين السوريين في لبنان، قال قاسم إن "هذه القضية شغلت حيزا مهما من الزيارة، وهي مسألة لا تعني فرنسا وحدها، وإنما تعد نقطة هامة لأوروبا كلها، بما تحمله من تأثيرات على البلدان الأوروبية"، مضيفا أن "أوروبا معنية بشكل مباشر بالملف اللبناني، كما أنها تريد أن تضمن عدم تسرب اللاجئين الموجودين في لبنان إلى أراضيها".
وكشف عن "معطيات تؤكد بأن الدور الفرنسي ليس وليد نفسه فقط، فهناك دور للولايات المتحدة، التي تعد اللاعبة الأساسية في حل الأزمات العالمية، خصوصا في ظل التراجع الحاصل في نفوذ العديد من الدول الكبرى"، مؤكدا أن "للدور الروسي والإيراني والسعودي مجاله في تدعيم أي خيار وإنجاحه بخصوص لبنان، وفق كل المؤشرات التي ظهرت من خلال الحراكات السياسية في الآونة الأخيرة".
وقال قاسم إن "التعويل الأساس في حل الأزمات يكون على إرادة اللبنانيين، في إيجاد المخارج الحقيقية والدائمة للأزمات المتلاحقة التي تعصف ببلادهم".