"
إسرائيل عادت لإفريقيا، وإفريقيا عادت لإسرائيل".. كلمات قالها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في لقائه الاثنين الماضي، بسبعة زعماء أفارقة في عنتيبي، عاصمة أوغندا، إحدى دول منابع
النيل، في أول زيارة يقوم بها مسؤول إسرائيلي بهذا المستوى إلى أربعة دول إفريقية، هي: أوغندا وإثيوبيا وكينيا ورواندا منذ 20 عاما، وهو ما أثار قلق
مصر.
وصحب نتنياهو مجموعة من وزرائه، و51 رجل أعمال، كما التقى رجال الدين المؤيدين لإسرائيل، قبل أن يجتمع بالرئيس الأوغندي يوري موسفيني، ورؤساء كل من: كينيا، ورواندا، وجنوب السودان، وزامبيا، ورئيس وزراء إثيوبيا، ووزير خارجية تنزانيا.
وعبر حسابه على فيسبوك، قال نتنياهو: "الزيارة ذات أهمية من جميع النواحي السياسية والاقتصادية والأمنية، وإسرائيل تعتزم العودة إلى القارة الإفريقية، التي تضم 54 بلدا".
مصر وإفريقيا
وكانت العلاقات المصرية الإفريقية قد شهدت توترا إثر الانقلاب العسكري في مصر منتصف 2013، وتم تجميد مقعد مصر في الاتحاد الإفريقي، كما اندلعت أزمة دبلوماسية الشهر الماضي، بين مسؤولة بارزة بالاتحاد الإفريقي والقاهرة، وذلك إثر اتهامها رئيس وفد مصر في مؤتمر دولي بوصف الأفارقة بأنهم "كلاب وعبيد".
ورغم أن جولة نتنياهو تأتي قبل انعقاد القمة الإفريقية في رواندا في 10 تموز/ يوليو الحالي، التي ينوي رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي المشاركة فيها، إلا أن مصر اكتفت، الثلاثاء، بالقول إنها "تتابع باهتمام بالغ وقلق التحركات الإسرائيلية في القارة الإفريقية".
وتفتح الزيارة بعض التساؤلات حول ماهيّة العلاقات الإسرائيلية الإفريقية، والدور الإسرائيلي المعلن حديثا في القارة، وما إذا كان سيؤثر ذلك على مصالح مصر بعد تراجع دورها في الساحة الدولية والإفريقية لمدة ثلاث سنوات، وما هي خسائر مصر؟ وما هي مكاسب إسرائيل؟
من سرية إلى علنية
"لم تنقطع لتعود. فالعلاقات السرية موجودة وتعمل بنشاط. والفارق فقط هو تحويل السرية إلى علنية وقحة في وجه العرب والمسلمين"، هكذا يصف المتحدث باسم المجلس الثوري المصري، أحمد حسن الشرقاوي، علاقة إسرائيل بإفريقيا.
وفي حديثه لـ"عربي21"، قال الشرقاوي: "إسرائيل تحصد ثمار سياساتها في إفريقيا منذ أكثر من 30 عاما. زرعت طويلا، وجاء وقت الحصاد بعد أن أزالت كل المعوقات، وعلى رأسها العقيد الليبي الراحل معمر القذافي الذي كان حجر عثرة أمام توغلها في إفريقيا، فكان بمقدوره جمع القادة الأفارقة في طرابلس ضدها"، وفق تقديره.
ويضيف الشرقاوي: "إسرائيل نجحت في إزالة الكثير من المعوقات أمامها نحو إفريقيا، ومنها إخراج مصر من معادلة العلاقات الإفريقية الإسرائيلية، فلم تعد مصر السيسي تتململ - على الأقل - من تمدد إسرائيل في إفريقيا، وكأن ذلك أمر لا يتعلق بالأمن القومي المصري".
أخطاء السيسي
ويقول المعارض المصري: "إن ما قام به نظام الانقلاب مع دول إفريقيا ليست أخطاء سياسية، بل هي جرائم متعمدة في حق الأمن القومي لمصر ومصالح شعبها، ترقى إلى حد الخيانة العظمى التي تستوجب المحاكمة"، حسب قوله.
ويوضح الشرقاوي رؤيته حول ما أسماه "جرائم الانقلاب في إفريقيا"، بقوله: "أمن السويس يبدأ من هررة بالصومال، وعدن باليمن، وأمن الاسكندرية يبدأ من منابع النيل في إثيوبيا، وبحيرة تانا المصدر الموسمي لمياه النيل".
ويضيف: "الجيش الذي تولى الحكم بزعم الحفاظ على الأمن القومي عندما يتعامى أو يتغافل ويفرط في مصالح مصر العليا ومياه النيل؛ فإن هذه جريمة، بل وخيانة عظمى؛ مسؤول عنها السيسي بشكل مباشر وجميع أركان نظامه".
واعتبر الشرقاوي أن مصر هي الخاسر الأكبر من التحركات الإسرائيلية في إفريقيا، ثم السودان والدول العربية الإفريقية الأخرى، محذرا من أن أمن مصر القومي ممثلا في مياه النيل مهدد في الصميم جراء تلك التحركات الإسرائيلية.
مشيرا إلى أن "اتفاق السيسي الموقع مع إثيوبيا والسودان يعد تنازلا عن حصة مصر المائية، وهو ما يضع علامة استفهام حول (وطنيته) والتزامه بالقسم الرئاسي للحفاظ على الأمن القومي المصري ورعاية مصالح الشعب المصري".
ماذا تريد إسرائيل
وحدد الشرقاوي هدفين تسعى إسرائيل لتحقيقهما من التقارب مع دول جنوب الصحراء، هما: "محاصرة مصر والضغط عليها بورقة مياه النيل، وتكبيل الأجيال المقبلة عن القيام بأي تحرك لتحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة"، و"الاستفادة من الموارد الطبيعية والبشرية الهائلة لإفريقيا باستخدامها في مشروع الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة"، متحدثا عن "مشروع بيريز الذي يجعل من إسرائيل مصدر التكنولوجيا الحديثة والأفكار العلمية، والدول المحيطة بها مصادر للمواد الخام والعمالة الرخيصة".
أثيوبيا
ويقول: "بعد تفكك الإمبراطورية الإثيوبية وتحولها إلى دولة حبيسة ليس لها منافذ بحرية على البحر الأحمر بعد انفصال أريتريا عنها، عادت إسرائيل لتقوية الدور الذي رسمه الاستعمار الغربي لأديس أبابا في مواجهة النفوذ العربي الإسلامي في إفريقيا"، مضيفا: "هذه المرة تقوم إسرائيل بمساعدة إثيوبيا في التحكم بمياه النيل".
واقع مصري مؤلم
أما الباحث السياسي المصري محمد الزواوي؛ فيؤكد أن زيارة نتنياهو تمثل مرحلة جديدة من النفوذ الإسرائيلي بإفريقيا، الذي كان في الماضي "مستترا خفيا".
ويضيف لـ"عربي21": "اليوم بعد أن استشعرت تل أبيب ضعف النظام المصري وعدم قدرته على الفعل، وتراجع القوة الشاملة للدولة المصرية في المجمل، فإنها انفتحت على إفريقيا بزيارة جلب فيها نتنياهو معه رجال أعمال وخبراء عسكريين".
ورأى الزواوي أن "النظام المصري الحالي في أضعف حالاته، ويخشى من الانهيار داخليا بعد الانقلاب الذي قسم المجتمع وأضعف الدولة، وأدى إلى هروب المستثمرين وإنهاء حركة السياحة، وهو ما أثر على الاحتياطي الأجنبي، لذلك فإن النظام غير قادر على الدفاع عن مصالح مصر خارجيا؛ لأنه يكافح من أجل البقاء داخليا، ومشغول فقط بمحاولة كسب شرعية دولية له".
ويشير إلى أن ملفات الأمن القومي المهمة، مثل مياه النيل، انتقلت إلى مرتبة متأخرة في سلم أولويات النظام. وقال: "بعد أكثر من نصف قرن من الحكم العسكري لمصر، باتت إسرائيل اليوم لديها القدرة العسكرية والمالية والسياسية أن تتوغل في إفريقيا، فيما تراجعت القوة الشاملة للدولة المصرية على المستويات كافة".
إقصاء مصر ومنافسة تركيا
ويوضح الزواوي، المتحصص أيضا في الشأن التركي، أن "إسرائيل لن تنافس مصر بعد أن خرجت القاهرة فعليا من ساحة التأثير حتى في القضايا التي تمس أمنها القومي، مثل مياه النيل، ولكن إسرائيل باتت تنافس تركيا الآن، التي قام رئيسها رجب طيب أردوغان بعدة زيارات إلى إفريقيا مؤخرا، ودشن هناك عددا من الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية".
ويشرح الزواوي رؤيته بالقول: "تركيا دولة صاعدة في سوق السلاح العالمي، وإسرائيل من إحدى أهم عشر دول مصدرة للسلاح في العالم، كما أن تسليح الجيش الكاميروني الرئيسي إسرائيلي الصنع، لذلك فإن نتنياهو يبدو أنه عازم على وقف منافسة تركيا له في القارة الإفريقية، لا سيما بعد زيادة نفوذ تركيا في الصومال وفي منطقة القرن الإفريقي، التي تمثل المدخل الجنوبي للملاحة الإسرائيلية عبر البحر الأحمر، كما تنشط الجماعات الإسلامية المسلحة في كل من نيجيريا وكينيا، الممثلة في كل من بوكو حرام وحركة الشباب على الترتيب".
رهان إسرائيل
وحول ما أسماه "رهان إسرائيل" في إفريقيا، يقول الزواوي: "يبدو أن إسرائيل عازمة على الاستثمار في ذلك الملف عن طريق تصدير السلاح وخبراتها في قتال الجماعات الإسلامية المسلحة، وسوف تستفيد بذلك اقتصاديا وعسكريا وتمد جسور التعاون مع تلك الدول، التي تراهن تل أبيب أيضا على كتلتها التصويتية في المحافل الدولية"، كما قال.