بعد مضي عامين على إنشاء التحالف الدولي لمواجهة تنظيم
داعش، ها هو هذا التنظيم الدموي يتمدد إلى كل أنحاء العالم، سواء باسم داعش، أو تحت أسماء أخرى، فلا يمضي يوم إلا نسمع عن هجوم أو اعتداء جديد تشنه المجموعات المتطرفة والإرهابية على مدينة أو عاصمة جديدة.
آخر هذه الهجمات الهجوم على مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، والهجوم على أحد المساجد في القطيف ومحيط القنصلية الأمريكية في جدة، والهجوم الانتحاري في حي الكرادة في بغداد، الذي أدى لاستشهاد 215 مواطنا عراقيا وجرح المئات، وقبل ذلك الهجوم على أحد المطاعم في داكا عاصمة بنغلاديش، ما أدى لمقتل وجرح العشرات، وسبق ذلك الهجوم على مطار إسطنبول، وهي العاصمة السياحية والاقتصادية لتركيا، فسقط 45 شهيدا وعدد من الجرحى، إضاقة للهجمات الانتحارية في بلدة القاع
اللبنانية، التي أدت لسقوط عدد من الشهداء والجرحى.
ولا يخلو يوم من تفجيرات أو هجمات انتحارية في العراق وسوريا واليمن ومصر أو في إحدى العواصم العالمية، إضاقة لما يجري في ليبيا من تمدد لتنظيم داعش، والمخاوف المنتشرة في لبنان من احتمال حصول تفجيرات انتحارية، كما يتم يوميا اعتقال عدد من الذين يخططون أو خططوا لتفجيرات انتحارية في لبنان.
كل هذه المعطيات تؤكد أن كل الحروب على الإرهاب والتطرف لم تؤد إلى نتيجة فعالة، ولم تحقق إنجازات مهمة، وأن كل المؤتمرات عن التطرف والإرهاب والعنف لم تصل إلى نتائج عملية. وأن التحالف الدولي لم يحقق أي نتيجة عملية، كما أن المشاركة الروسية في القتال في سوريا لم يؤد إلى حسم المعركة هناك.
قد يكون صحيحا أن تنظيم داعش قد تراجع دوره في العراق وسوريا على صعيد الانتشار واحتلال المساحات من الأراضي، لكن خطره يزداد ويتمدد إلى دول أخرى في كافة أنحاء العالم، وها هو تنظيم القاعدة يعود للعمل بقوة أيضا في العديد من المناطق، وهناك تنافس بين داعش والقاعدة في تنفيذ الهجمات والعمليات الانتحارية، وهناك مخاوف من انتشار الإرهاب في دول أخرى.
إذن، يمكن القول إن الحملة على الإرهاب فشلت حتى الآن، وإن كل التحالفات الدولية لم تحقق إنجازات مهمة، ولا ندري إذا كنا سنصل إلى نتائج عملية في الأشهر المقبلة.
وكل ذلك يتطلب البحث مجددا عن فشل هذه الحروب والحملات، ولا يستطيع أحد أن يضع أجوبة سريعة وصحيحة؛ لأن المطلوب إعداد دراسات وتحقيقات معمقة حول ذلك، لكن ومن خلال الاستماع إلى عشرات المحاضرات والمشاركة في العديد من المؤتمرات يمكن أن نطرح بعض الاحتمالات التي تحتاج لمتابعة وبحث، ومنها:
أولا: إن الدول الغربية وأمريكا وروسيا ليست جادة في مواجهة الإرهاب والتطرف، بل إنها تقوم بحملات ضده في أماكن معينة، وتدعمه وتسهل عمله في دول أخرى في اطار الصراعات الدولية والإقليمية.
ثانيا: إن استمرار الصراعات الإقليمية والمحلية، وآخرها الصراع السعودي – الإيراني، تساعد في انتشار الإرهاب وحصول المجموعات الإرهابية على دعم ما وتأمين بيئات مساعدة لانتشاره.
ثالثا: الفشل في الوصول إلى تسويات سياسية في العديد من الدول واستمرار الصراعات في هذه الدول، مثل ليبيا واليمن والعراق وسوريا ومصر والبحرين، مع احتمال انتقال هذه الصراعات إلى دول أخرى، كتركيا ولبنان والأردن والسعودية وايران ودول الخليج وتونس والجزائر، ما سيساعد الإرهابيين على العمل والانتشار.
رابعا: انقسام العالم إلى عدة محاور، وعدم التعاون الجدي بين كل الدول، وتساهل بعض الدول مع الإرهابيين.
خامسا: استفادة أجهزة المخابرات الغربية والعربية من الإرهابيين، وتركهم يتحركون لحسابات سياسية أو أمنية.
سادسا: استمرار وجود الظلم والديكتاتورية والفقر والقهر في العديد من الدول العربية والإسلامية، ووصول القهر إلى دول غربية، وكذلك استمرار الإرهاب الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، وانتشار موجات العنصرية في الدول الغربية، ما يعزز من دور الإرهابيين.
سابعا: عدم صدق المؤسسات الدينية الإسلامية ورجال الدين المسلمين في مواقفهم بأنهم ضد الإرهاب؛ لأنهم من خلال أعمالهم ومواقفهم يحرضون على الكراهية والحقد، مع أنهم يتحدثون عن الحوار وقبول الآخر، وهناك عشرات الأدلة على ذلك.
نحن إذن أمام معضلة كبرى لا يمكن مواجهتها دون دراسات شاملة وتعاون دولي وإقليمي حقيقي وخطة شاملة، والأساس في كل ذلك أن يسود العدل في العالم، لاسيما في دولنا العربية والإسلامية. وإذا لم يحصل ذلك، فالإرهاب سيتمدد وسينتشر في كل بلد ومنطقة، والأيام المقبلة شاهد على ما نقول.