نشر الصحفي البريطاني الشهير
بيتر أوربون تقريرا تحدث فيه عن وضع الصحفيين المحليين في
مصر، مشيرا إلى أنه "لم يعد يعبأ الكثيرون بتصاعد التضييق والتنكيل الممارس ضد الصحفيين المصريين، بعد أن خلت طوابير الضحايا من الرجل الأبيض".
وأوضح في تقرير له على موقع "ميديل إيست آي" "لكم كتبت تقارير من داخل الحروب الأهلية وحول الكوارث الطبيعية ومن داخل الأنظمة الدكتاتورية. ولكم بهرتني شجاعة وجلد الناس العاديين، إلا أن الصحفيين المحليين الذين يصدحون بالحقيقة حول الأوضاع في ظل الأنظمة القمعية، هم الذين لهم السبق والذين يحظون بمرتبة الشرف".
وبين أنه "حتى أشجع الصحفيين الغربيين تبدو مهمته بالمقارنة يسيرة، ذلك أن الصحفيين الغربيين يمضون بضعة أيام أو أسابيع في البلد ثم يعودون إلى ديارهم، وإذا ما أصبح الوضع خطيرا جدا فإنهم يتخلون عن مهمتهم ويعودون".
وقال إن الصحفيين المحليين الذين يعيشون في بلادهم يتعرضون للانتقام من لوردات الحرب والفئات المتنفذة وأجهزة الأمن، ويتلقون التهديدات هم وأفراد عائلاتهم وقد يُقتلون، وإذا ما حدث ذلك فإنهم يقتلون شر قتلة.
وأشار إلى أن العالم يضفي على حياة الصحفيين الغربيين قيمة خاصة، "فإذا ما تعرضوا للقتل أو للإصابة بجراح بليغة، فإن قصصهم تحتل العناوين الرئيسية في نشرات الأخبار. وهذا ما لا يحدث في حالة الصحفيين المحليين".
ولفت إلى أنه كانت لي تجربة مؤخرا مع مثل هذا النموذج من ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين، وهو نموذج يتعلق بمصر. حيث قال إنه :من المعروف أنه في التاسع والشعرين من ديسمبر 2013 ألقي القبض على بيتر غريستي واثنين من زملائه في قناة الجزيرة، ووجهت لهم تهم وأودعوا السجن رغم أنهم لم يصدر عنهم أدنى مخالفة، وكل ما فعلوه هو أنهم قاموا بعملهم كصحفيين وغطوا تطورات الأحداث".
وتابع: "انضممت إلى العشرات من الصحفيين الأجانب في حملة طالبت بإطلاق سراحهم، ونظمنا مؤتمرا صحفيا، وأصدرنا بيانا، والتقينا بدبلوماسي مصري في مقر فرونت لاين كلاب (نادي خط المواجهة) في غرب لندن."
وقال: "طالب الرئيس أوباما بإطلاق سراحهم، وهذا ما فعله أيضا وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند، وكذلك رئيس الوزراء الأسترالي وعدد كبير من الشخصيات والمشاهير في عالم الإعلام، ومنهم: لاري كينغ، بيرس مورغان، ستيفين فراي، ميا فارو، ناعومي كلاين، بيانكا جاغر، كريستيان أمانبور".
ما لبث غريستي أن أطلق سراحه وخرج من السجن وعاد إلى بلده الأصلي أستراليا، بينما مكث زميلاه محمد فهمي والمصري باهر محمد بعده عدة شهور، وذلك أن أسماءهم التي تدل بوضوح على أنهما مسلمان لم تتح لهما القدر نفسه من الاهتمام ضمن الحملة الإعلامية العالمية، وقد أشار بيتر غريستي في مقابلة له مع إذاعة إيرلاندا بأنه تلقى دعما فاق كثيرا ذلك الدعم الذي لقيه نزيل زنزانته الإيرلندي من أصل مصري إبراهيم حلاوة؛ "لأن اسمي كان بيتر ولم يكن إبراهيم". على كل حال، بعد حين حصل محمد فهمي وباهر محمد على عفو من الرئيس السيسي وأطلق سراحهما أيضا.
وقال إنه "مايزال عدد كبير من الصحفيين المصريين وراء القضبان في سجون الرئيس السيسي، ولم يطرأ أي تحسن على أوضاعهم. بل، على العكس من ذلك، فقد تدهورت أوضاعهم وساءت أحوالهم. إذ يزداد عدد المعتقلين باضطراد وتزداد الأحوال داخل السجون صعوبة وتشتد أكثر من أي وقت مضى الاعتداءات على حرية التعبير".
وأضاف: "المعلومات حول ذلك مؤكدة وحقائقها دامغة. فبناء على ما تقوله لجنة حماية الصحفيين، كان ما يزيد عن عشرة صحفيين (بما في ذلك الصحفيون الثلاثة من قناة الجزيرة) محتجزين داخل السجون المصرية بنهاية عام 2014، في أوج الحملة التي كنا نقوم بها. تقول لجنة حماية الصحفيين إن ذلك الرقم قد تضاعف منذ ذلك الوقت، كما علمت شخصيا من اللجنة أن هذا الوقت هو الأسوأ بالنسبة للصحفيين في مصر منذ عام 1991".
وبحسب ما صدر عن مرصد الحريات الإعلامية في العالم العربي (اكشف)، الذي يعرف مهنة الصحفي بشكل فضفاض نوعا ما، وصل العدد بنهاية أبريل من هذا العام إلى 89 صحفيا. على كل حال، أيا كانت الطريقة التي تحصى بها أعداد الصحفيين المعتقلين، ما من شك في أن الأمور باتت أشد سوءا مما كانت عليه، وبمراحل.
وأردف: "تكلمت في مطلع شهر مايو في مؤتمر صحفي آخر انعقد في نادي فرونتلاين – نظمه هذه المرة مرصد الحريات الإعلامية في العالم العربي، وكان هدفنا هو لفت الانتباه إلى البطش والتنكيل الذي تمارسه الحكومة المصرية بحق الصحفيين المحليين، إثر حملة قمعية شرسة شنها النظام خلال الأسابيع القليلة التي سبقت ذلك".
وبين: "لم أملك سوى إجراء مقارنة بين هذا المؤتمر الصحفي الأخير، وذلك المؤتمر الصحفي الذي نظمناه من قبل في نادي فرونتلاين لتوعية الرأي العام بمعاناة بيتر غريستي. في المؤتمر الأول كانت القاعة مكتظة والناس فيها وقوف، وفيها غابة من الكاميرات التلفزيونية، وحظي المؤتمر في اليوم التالي بتغطية إعلامية كثيفة".
بالمقارنة، لم يحضر المؤتمر الصحفي الأخير سوى عدد قليل من الناس، ولم يحظ الحدث بأي تغطية إعلامية في اليوم التالي، وكأنما كان انعقاد هذا المؤتمر في فراغ.
كان العالم محقا في الانشغال بقضية بيتر غريستي، ولكن لماذا لا يعبأ السياسيون والمشاهير نفسهم بعمل شيء من أجل محمود "شوكان" أبو زيد، الذي ألقي القبض عليه في أغسطس 2013؟ مع العلم أنه منذ ذلك الوقت محروم من الحصول على الدواء، بالرغم من أنه يعاني من الإصابة بالتهاب الكبد الفيروسي.
بمناسبة مرور 600 يوم على اعتقاله، كتب أبو زيد خطابا ينفطر له الفؤاد لم يزد فيه على قول: "إني أحتضر".
وتساءل: "لماذا لا نتدخل لإطلاق سراح صحفي وكالة رصد عبد الله
الفخراني الذي اعتقل أيضا في أغسطس 2013؟ وكان الفخراني في العام الماضي قد كتب من داخل زنزانته المصرية مقالا نشره موقع ميدل إيست آي، قال فيه: "يتذكر العالم الصحفيين الغربيين ... وتراه ينهض للاحتجاج على سجن هؤلاء الصحفيين، ويهتم بنشر أخبارهم ويمارس الضغوط من أجل تحريرهم."
وما محمود أبو زيد وعبد الله الفخراني سوى اثنين من حالات أخرى عديدة. لا تقل حياة الصحفي المصري قيمة عن حياة الصحفي الغربي، بل هما متساويتان تماما. لا أجد تفسيرا لهذه الازدواجية الصارخة في المعايير سوى العنصرية.
قليلون هم من يهتمون بما يتعرض له، وبشكل متزايد، الصحفيون المصريون من تضييق وتنكيل، وخاصة أنه لم يعد بينهم من الضحايا رجل أبيض. إزاء ذلك، ينبغي أن نشعر جميعا معشر الصحفيين الغربيين بالعار.