تترقب الأوساط الرسمية والشعبية في مصر، بلهفة وقلق، الحكم الذي تصدره المحكمة الإدارية العليا، الأحد، في طعن الحكومة على قرار محكمة القضاء الإداري، الثلاثاء الماضي، ببطلان التوقيع على
اتفاقية تعيين الحدود مع
السعودية، واستمرار السيادة المصرية على جزيرتي
تيران وصنافير بالبحر الأحمر.
وحددت المحكمة جلسة خاصة، الأحد، لنظر الطعن الذي قدمته هيئة قضايا الدولة (محامي الحكومة) على الحكم، فيما أكد عدد من خبراء القانون أن تهمة "الخيانة العظمى" ستلاحق كل من شارك في الاتفاقية، ومن بينهم رئيس الوزراء (شريف إسماعيل) بصفته من وقع عليها، بل وستضع رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي في دائرة الاستهداف بالتهمة نفسها في حال صدور الحكم الجديد مؤيدا للحكم السابق.
لكن صحفيين مستقلين ومتخصصين في الشأن القضائي كشفوا عن تدخلات سافرة من قبل نظام حكم رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي، وضغوط شديدة يمارسها على المحكمة من أجل صدور حكم جديد يقضي ببطلان عودة الجزيرتين للسيادة المصرية، ما اعتبروه خزيا وعارا سيلاحق القضاء المصري باستجابته للضغوط.
الحكومة تتدخل بشكل سافر لدى "الإدارية العليا"
وأبدت الصحيفة المتخصصة في الشؤون القضائية "رنا ممدوح" اندهاشها من أنه قبل يوم واحد من حسم "الإدارية العليا" مصير محكمة القضاء الإداري، لم تتوقف ضغوط الحكومة واتصالاتها برئيس وأعضاء المحكمة الإدارية العليا التي ستنظر الطعن وتقرر رفضه، واستمرار تنفيذ حكم القضاء الإداري أو قبول الطعن ووقف تنفيذ حكم القضاء الإداري، واستمرار السيسي وحكومته في إجراءات إقرار الاتفاقية وعرضها على البرلمان تمهيدا للتصديق عليها.
والأمر هكذا، كشفت "رنا ممدوح" أن التعليمات والإملاءات الحكومية لم تقتصر على المكالمات الهاتفية والرسائل والإيميلات المتبادلة بين الحكومة والمستشار جمال ندا، رئيس المحكمة الإدارية العليا، الذي لم يتبق في رئاسته لمجلس الدولة سوى خمسة أيام فقط، وإنما تجاوزت إلى الجهر بها لوسائل الإعلام.
وبحسب الكاتبة، لم يستح وزير الشؤون القانونية ومجلس النواب الحالي وأبرز مستشاري مجلس الدولة السابق، مجدي العجاتي، من التصريح للصحف بأن المحكمة الإدارية ستحسم أمر الطعن المقدم من الحكومة الأسبوع المقبل.
ووصفت "رنا" العجاتي بأنه "لم يكتف باستغلال زملائه مستشاري مجلس الدولة والتأثير عليهم ومطالبتهم بسرعة الحسم في طعن الحكومة، وبالطبع توجيههم وحثهم نحو إصدار حكم بعينه، وإنما لم يجد غضاضة أيضا في أن يكشف للجميع أنه تعمد عدم عرض مستندات الحكومة بشأن اتفاقية
ترسيم الحدود مع السعودية على محكمة القضاء الإداري، ولكن سيميز المحكمة الإدارية العليا ويعطيها شرف الاطلاع على تلك المستندات، ومع ذلك يجزم بأن المحكمة التي ستمدها الحكومة بكل المستندات التي أخفتها عن سابقتها ستحسم وتنهي الأمر خلال أسبوع واحد".
وأبدت الصحفية أسفها من أن تصريحات "العجاتي" وحديثه الذي أساء لكثير من مستشاري مجلس الدولة تبعه تكليف المستشار جمال ندا، رئيس المحكمة، لعضو المحكمة المستشار منير عبد القدوس، الذي سبق أن عمل مع العجاتي وقت ترؤسه لدوائر بمحكمتي القضاء الإداري والإدارية العليا، وأكثر المعروفين بقربهم من العجاتي قبل وبعد منصبه الوزاري، بدراسة طعن الحكومة وإعلام موقف المحكمة منه بمجرد أن نطقت محكمة القضاء الإداري بحكمها في الدعوى.
فقد سلم "ندا" حيثيات القضاء الإداري للمستشار منير عبد القدوس، وطلب منه البدء في كتابة حكم المحكمة قبل أن تتقدم الحكومة بالطعن على الحكم رسميا يوم الخميس الماضي.
وأضافت الكاتبة أنه لم يتبق من دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار عبد الفتاح أبو الليل سوى أن ترضخ للعجاتي، وتصدر حكمها بوقف تنفيذ حكم القضاء الإداري وإحالة طعن الحكومة إلى هيئة المفوضين بالمحكمة الإدارية العليا، لتعد تقريرا بموقفها القانوني في الطعن تمهيدا لإصدار دائرة الموضوع التي يترأسها رئيس مجلس الدولة حكما بإلغاء حكم القضاء الإداري، واعتباره كأن لم يكن.
وشددت "رنا" على أن الثابت هو أن الحكومة ممثلة في المستشار مجدي العجاتي الذي يحاول بشتى الطرق أن يتقرب للسيسي، ويثبت له كفاءته، على حساب مجلس الدولة، الذي شكلت أحكامه وعي المصريين منذ إنشائه، وكانت شرارة تفجر ثوراته، تسعى إلى الإفلات من معضلة التفريط في الأرض التي وثقها حكم المستشار دكروري بمعضلة أكبر تتمثل في التدخل في عمل القضاء بإجراءات وتحركات مكشوفة لا يخطئها أحد، ما يدعو إلى التساؤل عن قبول مستشاري مجلس الدولة على أنفسهم خزي وعار تدخل الحكومة في أحكامهم، وفق وصفها.
أدلة قوية على التدخل في الحكم المنتظر
من جهته، قال الكاتب الصحفي حسام مؤنس في مقال بجريدة "المقال"، السبت، إنه يبدو أن الجلسة يأتي موعدها قبل أيام محدودة من انتهاء العام القضائي في 30 حزيران/ يونيو، الذي يغادر معه المستشار ندا رئاسة مجلس الدولة ليحل محله المستشار محمد مسعود.
ورأى مؤنس أنه بسرعة شديدة تم تقديم طعن هيئة قضايا الدولة، وتحديد موعد للجلسة، بكل ما تثيره من قلق في صدور وعقول البعض من المتابعين، وبخاصة في ظل ما ثبت من زيارة مساعد وزير الدفاع للشؤون الدستورية والتشريعية اللواء ممدوح شاهين إلى مجلس الدولة يوم الثلاثاء الماضي، الذي شهد إصدار الحكم، وكذا في ظل أحاديث متعددة عن تحركات واتصالات وأدوار يلعبها المستشار مجدي العجاتي الذي جاء لموقعه الحالي كوزير للشؤون القانونية ومجلس النواب من موقعه السابق كرئيس لقسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة نفسه.
وأضاف أنه برغم أن الطعن الذي تقدمت به هيئة قضايا الدولة جاء سريعا ومتعجلا، فإن البيان الصادر عن مجلس الوزراء الأخير، ومن قبله تصريحات المستشار مجدي العجاتي يبدو أنها جاءت بعكس تصريحات المتحدث الرسمي، إذ أعلنت مسبقا عن طعن هيئة قضايا الدولة، وهو ما يجعلنا نتساءل: إذا ما كان ذلك تدخلا أو تأثيرا من جانب السلطة التنفيذية على هيئة قضائية مستقلة بحسب نص المادة 196 من الدستور؟
3 سيناريوهات لحكم "الأحد"
وذهب مؤنس إلى أن جلسة غد الأحد ستوضح بشكل كبير مسارات هذه القضايا من حيث الشق القانوني، مشيرا إلى أن أمام هذه الجلسة واحد من سيناريوهات ثلاثة، الأول هو رفض الطعن، وبالتالي يصبح إصدار الحكم السابق نهائيا، وهو أمر يبدو مستبعدا في هذه الجلسة على الأقل.
والاحتمال الثاني: قبول الطعن شكلا مع رفض وقف تنفيذ الحكم، وبالتالي إحالة الطعن لدائرة الموضوع للفصل فيه، لكن في هذه الحالة يبقى الحكم نافذا إلى حين إصدار الإدارية العليا حكما نهائيا.
بينما يبقى الاحتمال الثالث، وهو ما يراه البعض الأقرب في ظل سرعة تحديد موعد الجلسة، بأن يتم قبول الطعن شكلا، ووقف تنفيذ الحكم السابق، مع تأجيل نظر الطعن والفصل فيه أو إحالته لدائرة موضوع.
وتعني هذه الحالة عمليا، وفق مؤنس، أن تستمر إجراءات الاتفاقية كما هي، إلى حين صدور حكم لاحق من الإدارية العليا بحسم الأمر، وهو في هذه الحالة ما قد يعني وصول الاتفاقية إلى مجلس النواب قريبا، ومحاولة تمريرها سريعا بحيث تصبح أمرا واقعا قبل صدور أي أحكام قادمة من مجلس الدولة أو غيره.