واصل جهاز المخابرات العامة، الأربعاء، لليوم الثالث منذ بداية شهر
رمضان، توزيع "كراتين رمضان"، تحت اسم "
مصر المحروسة"، بكميات محدودة، على قرى فقيرة بعدد من المحافظات، وهو ما لم يؤثر كثيرا على الأسعار التي ما زالت مرتفعة، ما دفع نشطاء ومراقبين إلى التساؤل عن حقيقتها، وأهدافها.
واتهم هؤلاء "المخابرات العامة" -التي تتبع مباشرة رئاسة الجمهورية- بالبحث عن "شو إعلامي"، وتحسين سمعتها بين المصريين، وتقديم فروض الطاعة لرئيس الانقلاب عبد الفتاح
السيسي، عبر الزج بنفسها لأول مرة في معركة اعتبروها خاسرة، نظرا لكون خفض الأسعار، والتخفيف على الفقراء، يقتضيان إجراءات مختلفة أولها تغيير السيسي نفسه سياساته التي زادت الفقراء فقرا، والأغنياء غنى.
وقالوا إن هذه أول مرة تقوم فيها المخابرات العامة، غير المعروف حجم ميزانيتها، واقتصادها الخفي، في تاريخها، بتوزيع "كراتين سلع غذائية" على الأسر الفقيرة، متسائلين: "ماذا لو فعلت ذلك في عهد الرئيس محمد مرسي؟"، وأجابوا: "لا شك في أنها كانت ستتهم بالأخونة".
توظيف سياسي للكراتين
وقال جهاز المخابرات العامة في بيان أصدره إن هذه المبادرة التي يتبناها تأتي تأكيدا على ما توليه القيادة السياسية من اهتمام لكافة المواطنين بصفه عامة والأسر الأكثر احتياجا على مستوى المحافظة.
وأضاف أن هذا الاهتمام ينبع من كون الإنسان محور التنمية وركيزة التقدم والباعث الأساسي لكل خطط النهضة الشاملة التي تسعى الدولة لتحقيقها واقعا فعليا في المرحلة المقبلة، وفق البيان.
في المقابل، رأى نشطاء أن ما تقوم به المخابرات العامة يأتي في إطار الانقلاب في كل شيء، مشيرين إلى تحولها من جهاز أمني رفيع لجمع المعلومات، إلى ما يشبه جمعية خيرية تقوم بدور المؤسسات المدنية التي تحاربها سلطات الانقلاب.
محتويات الكرتونة
واحتوت كل كرتونة على 2 كيلو أرز، و2 كيلو سكر و2 كيلو مكرونة وزجاجة زيت وكيلو بلح وقمر الدين وكيلو سمن وكيلو لوبيا وفاصوليا وكركديه وعلبة صلصة وعلبة فول وباكو شاي نصف كيلو وعلبة جبن نصف كيلو، وكلها من الأنواع قليلة الجودة، ويبلغ ثمنها قرابة المائة جنيه.
محافظات الكرتونة
وقام جهاز المخابرات العامة، خلال الأيام الثلاثة الأخيرة، بتوزيع "كراتين رمضان" على عدد محدود من المحافظات.
ففي محافظة الشرقية، التي يبلغ تعداد سكانها 6.7 ملايين نسمة، وزع رؤساء الواحدات المحلية في 10 قرى قرابة 500 كرتونة لكل قرية فقيرة بإجمالي 5000 كرتونة، تحت إشراف جهاز المخابرات العامة، والمحافظ اللواء خالد سعيد.
وفي محافظة الدقهلية التي يبلغ عدد سكانها 5 ملايين نسمة، تم توزيع 5 آلاف كرتونة فقط بمعرفة المحافظة أيضا، على الأسر الأولى بالرعاية والأكثر فقرا، الذين تم تحديدهم من خلال مديرية الشؤون الاجتماعية.
وقام مندوب بكل مركز بتسلم حصة من الكراتين من مقر المخابرات العامة، ثم توزيعها على المواطنين المحتاجين من خلال المركز، تحت إشراف المخابرات العامة.
وفي محافظة بني سويف التي يبلغ عدد سكانها 2.8 مليون نسمة تم توزيع ألفي كرتونة مقدمة من الجهاز لجميع مراكز المحافظة.
ووصف محافظ بني سويف، شريف حبيب، قيام المخابرات العامة بتوزيع كراتين رمضان على مواطني محافظته، بأنه يأتي في إطار جهود مؤسسات الدولة للتعاون والتواصل المستمر مع الأجهزة التنفيذية بالمحافظة، لتوفير السلع الغذائية الأساسية بأسعار مناسبة، وتخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين، بحسب بيان أصدره.
في السياق ذاته، أعلن اللواء طارق نصر، محافظ المنيا، التي يبلغ عدد سكانها 5.3 ملايين نسمة، قيام جهاز المخابرات بتوزيع 8 آلاف كرتونة سلع غذائية مجانية، على أسر المحافظة، خاصة الحالات الإنسانية، ومستحقي معاش الضمان الاجتماعي في المحافظة.
وفي المنوفية، أطلق جهاز المخابرات العامة بالتنسيق مع محافظة المنوفية ومديرية الشؤون الاجتماعية، مبادرة لتوزيع الكراتين الرمضانية على الأسر الأكثر احتياجا على مستوى المحافظة.
وأكد المحافظ هشام عبد الباسط أهمية المبادرة التي يتبناها جهاز المخابرات العامة، وما تحويه من معان ترسخ لقيم التكاتف والترابط التي تميز المجتمع المصري من قديم الأزل، فضلا عما تجسده من مبادئ التوحد والشراكة التي تجمع مؤسسات الدولة والمواطنين في بوتقة الولاء والانتماء لمصرنا الحبيبة، بحسب تصريحاته.
وأضاف أن المخابرات العامة بما لها من تاريخ وضاء في حماية أركان الدولة المصرية فضلت أن يكون لها دور آخر بجانب ما تقدمه من خدمات جليلة، وهو المشاركة مع المواطن فرحته بشهر رمضان المبارك، على حد قوله.
نشطاء: تحاول سد فراغ الإخوان
في المقابل، قارن نشطاء ومعارضون بين "كراتين المخابرات الرمضانية"، وما كانت تفعله جماعة الإخوان المسلمين عن طريق جمعياتها الخيرية، حيث اتهمت بأنها تمارس دورا اجتماعيا لخدمة أجندة سياسية، بغية التأثير على الرأي العام، والهيمنة على عقول الناخبين، مؤكدين أن المخابرات العامة تحاول سد الفراع الذي خلفه تجميد الدولة لجمعيات الإخوان ومؤسساتهم الخيرية.
لكن خبراء عسكريين موالين للانقلاب دافعوا عما تقوم به "المخابرات العامة".
وقال الخبير العسكري، اللواء حسام سويلم، إن قيام المخابرات العامة بتوزيع كرتونة رمضان على المواطنين يأتي من منطلق المسؤولية الاجتماعية التي تشعر بها، ومراعاة الأسر الفقيرة لمواجهة ظاهرة ارتفاع الأسعار.
وأردف -فيما نقلته عنه صحيفة "المصريون"- أن هذا الدور يأتي من خلال امتلاك المؤسسات بالدولة فائضا ماليا في إطار السياسة العامة للدولة للاهتمام بمحدودي الدخل، وليس من منطلق منافسة أو تهميش وزارة التضامن الاجتماعي، أو منظمات المجتمع المدني، وإنما تقديم ما يمكن تقديمه لمساعدة الفقراء، بحسب قوله.
لا تعطني شنطة رمضان
وكان الكاتب بجريدة "المصري اليوم"، محمد أمين، علق على ظاهرة "كراتين رمضان"، بصفة عامة، دون أن يتطرق، ببنت شفة، إلى كراتين المخابرات العامة، موجها حديثه "لكل التجار الجشعين ومافيا اللحوم والمحاصيل، ولصوص الأراضي".
وقال: "ليس بتوزيع شنطة رمضان، ولا بإقامة موائد الرحمن.. الله الغني عن موائدكم.. الله الغني عن شنطة رمضان.. ردوا الأراضي أو ادفعوا مديونياتكم".
وأضاف محمد أمين: "للأسف، مصر وقعت على مر السنين بين فكي اللصوص والفاسدين.. الآن عندكم فرصة للتطهُّر.. أيها اللصوص ادفعوا مستحقات الدولة، فليست أموالها حلالا بلالا.. أموالها نار تحرق من يلمسها ظلما وعدوانا.. لا نريد منكم تبرعات ولا هبات.. فقط نريد الحقوق، ونريد الضرائب أولا"، على حد قوله.
وأردف: "لا تعطني شنطة رمضان، ولا تعزمني على موائد الرحمن.. وفروا شنطكم وموائدكم.. لا تعزمونا على حسابنا.. فقط ادفعوا المديونيات المتأخرة.. هناك من يحتاجون إليها.. سنبني لهم البيوت ونعلمهم الصيد، لا أن نعطيهم سمكة أو شنطة.. عندكم فرصة ذهبية للتوبة في رمضان، ورد الحقوق هو أول شرط للتوبة النصوح"، على حد تعبيره.