القيادة بالدراع.. مدد.. مدد

يحاول البعض حين تحاصرهم بأسئلة واقعية لا تحتاج إلى لف ولا دوران حول فشله في أداء مهمته أن يأخذك إلى منطقة أخرى من الحوار، منطقة أشبه بحافة الجبل وهو يلح عليك بالقول وبالأسئلة ألا ترى حجم المؤامرة؟ ألا تدرك أننا محاصرون؟ ألا تشعر-بارك الله فيك-أن الشرق والغرب يحاربنا؟ فتطأطئ الرأس وتقول له نعم حتى تفلت من حصاره غير المعقول ولا المناسب لسؤالك، وبمجرد أن تقول له نعم، يقول لك إذن سؤالك في غير محله يا أخ فلان.

تعود إلى نفسك وتسترجع بعض الأحداث التاريخية القريبة أو البعيدة ثم تنتفض من فراشك وتتجه صوب هذا الأخ أو هذا القيادي سواء في مؤسستك أو في جامعتك أو في جماعتك أو في وزارتك وتسأله نفس السؤال لماذ فشلنا، يحاول مرة أخرى أن يلف عنقك بذات الأسئلة التي تحيل الموضوع من سؤال حول فرد أومجموعة فاشلة إلى مجموعة من الأبرياء المتآمر عليهم. ساعتها تسأله  نفس السؤال وبوضوح، فيهز رأسه مبتسما، ولكن أراهنك أن تسمع اجابة إلى يوم الدين، اللهم إلا أنه سيشيع عنك أنك شخص عنيد أو قليل الفهم أو قليل الخبرة أو متربص أو متحيز.

القيادة تعني المسؤولية، ودور القائد كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا يكذب أهله، والمعنى واضح وهو الشفافية، وهي سمة تكاد تكون غائبة عن قادة اليوم في كافة الميادين. ليس ثمة قادة لديهم الشجاعة على الاعتراف بالتقصير، وإن كان لدينا قادة قادرون على حماية أنفسهم من أي اتهام بالتقصير وذلك عبر مجموعة من الاجراءات التي تجعلهم محصنين تجاه النقد، ولديهم فرق تدافع عنهم دون إبداء الأسباب حسبة لله كما يقولون.

الشفافية هي فيروس يخشاه قادة اليوم وكل يوم منذ نصف قرن أو يزيد، كلهم يخشون هذه الكلمة ولا يريدونها ويعتبرونها قاتلة ومميتة وكاشفة لعيوب المصنع الذي لا ينتج قادة حقيقيين بل قادة وهم و زيف.

اسأل لماذا هزمنا في 1967، لن تجد بعد خمسين عاما إجابة، وتتساءل لماذا تشكل دولة الكيان الصهيوني لجان تحقيق في حروبها على غزة وتدين بعض الجنرالات بينما نحن لا ننتج تقريرا واحدا عن سبب الهزيمة؟

اسأل أي قيادة من قيادات الربيع العربي وقل لها لماذا سرق حلمنا؟ ستكون الاجابة هي المؤامرة، وهذا صحيح، ولكن لماذا نجحت المؤامرة علينا ونحن تحت قيادتكم؟ لماذا لا تكون لدينا نحن مؤامرة بحيث تنتصر مؤامراتنا على مؤامرات العسكر مثلا؟ لماذا يستدرجنا العسكر مرة تلو الأخرى؟ أو بطريقة أخرى لماذا لم نتعلم من مؤامرتهم على الديمقراطية في ثورة 1952؟

لا إجابة، وأعتقد أننا لن نسمع إجابة حقيقية وستزخر كتب التاريخ لاحقا بروايات محصها وفحصها ودققها كتابها بحيث لا تدينهم بأي تقصير ولا تشير نحوهم بأي إدانة؟ ويبقى السؤال إذا كانت هذه القيادات بريئة فمن المخطئ إذن؟ ربما أنا وأنت فلا تتعجب.

أحيانا وحين يفشل القادة وخصوصا القيادات الإسلامية، التي لا تؤمن بالديمقراطية داخل مؤسساتها، في تسويق فكرة المؤامرة، فإنهم يلجأون إلى فكرة أخرى وهي فكرة القدر الذي نؤمن به بخيره وبشره، وساعتها يضعونك في زاوية الإيمان أو الكفر، الحق أو الضلال، ظانين بذلك أن القصة قد حسمت، وأنهم قادرون على إسكات أي صوت سيجرؤ على الكلام أو النقد أو السؤال التاريخي الذي لا يجيبون عليه: لماذا هزمنا.

وفي زحمة التمسح برداء المؤامرة أو التخفي تحت رداء الدين؛ ينسى هؤلاء أن القرآن الكريم نفسه قد أوضح بجلاء ليس له نظير أن السبب هو (قل هو من عند أنفسكم)، والسيرة النبوية مليئة بقصص وعبر وحكايات كان فيها أخذ ورد وسؤال وجواب وعتاب بين الأحباب وبينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لم يغضب النبي صلى الله عليه وسلم حين وصلته شكوى وعتاب الأنصار بعد توزيع الغنائم بعد يوم حنين وتسجل كتب السيرة أن الأنصار "ووجد الأنصار في أنفسهم وجدا عظيما إلى أن قال بعضهم إذا كانت الشدة فنحن ندعى وتعطى الغنائم غيرنا"، ومع ذلك لم يجد القائد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم حرجا من الحديث مع الجنود ومواجهتهم بما قالوا ثم بين وأوضح وجهة نظره في الأمر فما خرجوا إلا وهم راضون.

عمر بن الخطاب رضي الله عنه  أمير المؤمنين لا يستحيي أن يكون شفافا مع من سأله عن ثوبه الذي يفيض قماشه عن بقية أفراد الشعب، واليوم يرفض بعض القادة مجرد السؤال عن شئ يمكن الإجابة عليه وبسهولة، ويعتبر البعض أن مجرد توجيه السؤال تشكيك في شرعية القيادة أو إنقاص من ثقة الجنود بها، فهل شك النبي في ثقة الأنصار؟ وهل شك عمر في ضمير من سأله من الرعية؟

ليس لدينا قادة، وليس لدينا نمط إدارة يعتمد على الشفافية والمحاسبية والثواب والعقاب، بل لدينا إدارة بالدراع وشعارها "تسلق يا عزيزي وتبوأ مقعدك وأحط نفسك بالدراويش تارة وبالمحاسيب تارة أخرى، ومد قدميك في وجه الجميع وردد وسيرددون من خلفك مدد... مدد".