صيحات المتعجرف المتعصّب "دونالد ترامب" ليست غريبة فهو يصرخ لاستنهاض قوى التطرّف لتقرّر معه مصير الولايات المتحدة. وهذا ليس جديدا، فمنذ نهاية الحرب الغربيّة الثانية سنة 1945 والمتطرّفون لم يكونوا بعيدا عن دوائر القرار حتى في أكثر الدول الغربيّة ليبراليّة. المعروف أن المتشدّدين وما يسمى "اليمين" تيارات تستقوي في أوقات التهديد العسكري (الروسي) وفي لحظات التهديد الأمني (الإرهاب، الهجرة، اللجوء)، وفي أوقات الانهيارات الاقتصاديّة. ولذلك فقد أعطى بدء انهيار بعض الشركات والمؤسسات الماليّة العالميّة نهاية عام 2008 مؤشرا لبداية حقبة "تطرّف" جديدة ليس في الولايات المتحدة وحدها، بل في معظم أوروبا بالتزامن مع استمرار انهيار المزيد من المصارف والشركات العالميّة. في تلك المرحلة ووسط الهلع والضجة، وجدت رموز الحركات والأحزاب المعتدلة أن لم يعد معها الكثير من الأوراق لإطلاق الوعود في ظل الجفاف المالي والتشاؤم الذي أصاب العالم وقتها.
وهكذا رأينا من نتائج هذه التراكمات فوز حزب المحافظين البريطاني عام 2015 واكتساحه لحزب العمال بعد غياب دام قرابة ربع قرن عن إدارة السياسة البريطانيّة. وفي الفترة ذاتها، نجد اكتمال وصول ما يزيد عن 20 حزبا يمينيا إلى الحكم في دول غربيّة. ومن الناحية التشريعيّة (المجالس) تحديدا نجد أن الأحزاب اليمينيّة تسيطر على قرار السلطة التشريعيّة في أكثر من 30 بلدا غربيا. وما حدث في الشهر الفائت (مايو 2016) من الفوارق القليلة في نتائج الانتخابات الرئاسيّة النمساويّة، التي أدت إلى فوز المرشح المستقل "فان دير بالن" على منافسه (اليميني) "نوربرت هوفر"، مرشح حزب الحريّة القومي بلفت الانتباه مرة أخرى إلى اقتراب هيمنة الأحزاب اليمينيّة المتطرّفة على مؤسسات الحكم في أوروبا في المستقبل القريب.
نعم حتى في النمسا بلد الموسيقى والتنوير لم يصدق كثيرون أن خطاب "نوربرت هوفر" العنصري سيجذب النمساويين، إلى درجة أن المرشح المستقل فاز فقط بفارق 31 ألف صوت من أصوات النمساويين. وعلى الرغم من خسارة المتطرّفين للرئاسة النمساويّة، إلا أن حزب الحريّة النمساوي اليميني يحتل 38 مقعدا في البرلمان.
وفي فرنسا بلد الفنون والحريات تجد الجبهة الوطنيّة (وهي الحزب اليميني الأكثر عداء للمهاجرين والمسلمين) القبول والدعم، وهي تمثل الفرنسيين في البرلمان الأوروبي بنسبة 25 من المقاعد. وعلى المستوى ذاته، نجد أن حزب من أجل الحريّة الهولندي الذي تأسس حديثا (2006)، يمتلك 24 مقعدا في البرلمان الهولندي. وهو الحال ذاته في السويد؛ إذ انتزع حزب الديمقراطيين اليميني 20 مقعدا في البرلمان، يضاف لذلك 16 مقعدا من نصيب الحزب الديمقراطي المسيحي. وفي فنلندا البعيدة عن مؤامرات لندن ومغامرات واشنطن تمكن حزب الفنلنديين الحقيقيين (تأسس عام 1995) من الحصول على 39 مقعدا في البرلمان. أما حال عملاق أوروبا الجديدة "ألمانيا" فها هو حزب "البديل من أجل ألمانيا" الذي تأسس بداية عام 2013 ينتزع مقاعد في ثلاث ولايات في ألمانيا، وفي البرلمان الأوروبي أيضا. ومع أن الحزب ظهر كرد فعل على سياسة اليورو، إلا أن انتشار أفكاره بين الألمان وصعوده السريع يعني أن للمستقبل السياسي لأوروبا لليمين (در).
والسؤال هل تطرّف (الجماعات) في الشرق الأوسط هو إفراز مجتمعي شعبي مقابل تطرّف الغرب، أم إن الغرب يعد المتطرّفين في المنطقة لتبرير المواجهة؟