ورث القياصرة الروس بيزنطة بعد سقوطها، وبقيت موسكو آنذاك آخر الامبراطوريات الأرثوذكسية، لذا عندما وصل الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين إلى اليونان قبل أسبوع قصد جبل "آثوس" المقدس، وزار كنيسة العذراء وجلس على الكرسي المخصص للأباطرة البيزنطيين؛ ليبعث بإشارة من هناك بأننا ورثة هذا الكرسي.
ينافح الرئيس بوتين بشراسة عن مجد
روسيا، ويرى أن سقوط الاتحاد السوفيتي، الذي كانت موسكو عاصمة له، أكبر كارثة جيوسياسية في القرن الماضي، ويخشى أن تظن القوى الكبرى بموسكو العجز والضعف، لذا لا يسمح أن يتم العبث في الحديقة الخلفية لبلاده، خصوصا عندما يكون الفاعل الحلف الأطلسي "الناتو"، الذي كان الغرض من إنشائه وتشكيله مواجهة السوفييت آنذاك، لذا عندما عقد بوتين مؤتمرا صحفيا في أثناء زيارته لليونان، هدد صراحة بولندا ورومانيا -وهي دول كانت في السابق تدور في فضاء الاتحاد السوفيتي-، وقال إنها ستكون في مرمى الصواريخ الروسية في حال سمحتا بنشر الدرع الصاروخية التي يريد الحلف نصبها هناك على أراضيهما.
هذا التصعيد في اللهجة والفعل الروسي الذي بلغ ذروته وتمخض عن قضم شبه جزيرة القرم التابعة لأوكرانيا، التي ترفض موسكو الحديث حول وضعها باعتباره أمرا مقضيا، ما كان ذلك ليتأتى في هذه اللحظة، لولا المرحلة التي تبدو عليها
أوروبا قارة عجوزا ضعيفة، وتعاني أزمات متلاحقة، وتشكو رخاوة في المواقف على مستوى القرارات الدولية، ومشتتة.. ألم يصف الرئيس الأمريكي باراك أوباما رئيس الوزراء ديفيد كاميرون بأنه شارد الذهن عند التدخل في ليبيا، ولتأتي لاحقا أزمة اليورو وتتبعها أمواج الهجرة والتزاماتها، والانكفاء والتردد الأمريكي، واحتمالية انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كلها عوامل ضعف كانت بمنزلة الفرص التي لاحت لسيد الكرملين، وقرأها كإشارة لهجوم مرتد، بعد أن أوسع الغرب ضرباته تجاه موسكو، حتى ساهم في إضعافها وإسقاط اتحادها السوفيتي.. لقد رأى بوتين تلك الأعمال منذ أن كان عميلا في الاستخبارات الروسية، ورأى في الغرب عدوا لا يؤمن جانبه، لكن يمكن مهادنته، لذا وإنْ قال إنّ التعاون بين بلاده والاتحاد الأوروبي ممكن، لكن لا يلبث أن يخرج عصا الطاقة مهددا بقطع إمداداته إلى أوروبا، إن هي مدت أصابعها حيث يأكل.
(عن صحيفة الرياض)