ذكرت صحيفة "الغارديان" أن منظمات حقوق إنسان دولية دعمت موقف مديرة المخابرات البريطانية الداخلية السابقة "إم آي -5" إليزا مانينعهام- بولر، الغاضب تجاه دور المخابرات الخارجية "إم آي-6" في عمليات النقل الإجباري للمشتبه بهم في عمليات إرهاب.
ويشير التقرير إلى أن منظمة الدفاع عن السجناء في الخارج "ريبريف" دعمت موقف مانينعهام- بولر المعارض لدور المخابرات البريطانية في تسليم المعارض عبد الحكيم
بلحاج إلى نظام العقيد معمر القذافي.
وتكشف الصحيفة عن أن تورط "إم آي-6" أدى إلى خلاف حاد مع "إم آي-5"، حيث عبرت مانينغهام- بولر عن غضبها عندما اكتشفت تورط الاستخبارات بتسليم متهمين إلى أنظمة ديكتاتورية، حيث تعرض المتهمون لاحقا للتعذيب، لافتة إلى أن المديرة السابقة ردت بطرد عدد من الموظفين التابعين للوكالة الشقيقة، ومنعتهم من العمل في مقر "إم آي-5" على ضفة التايمز.
ويورد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أن مانينغهام- بولر كتبت محتجة لرئيس الوزراء في حينه توني بلير، وقالت إن تصرفات "إم آي-6" تهدد عمليات جمع المعلومات الأمنية، وقد تسهم في الكشف عن عملاء وكالتها الذين يعملون مع مخبرين، مشيرا إلى أن الرسالة أدت إلى فقدان الثقة بين الوكالتين، بسبب تورط حكومة بلير في قضايا تسليم المتهمين إلى دول تمارس التعذيب.
وتبين الصحيفة أنه تم الكشف عن الرسالة من خلال قيام محققين بالتحقيق فيما إذا كان على المخابرات البريطانية مواجهة المحاكمة؛ لدورها في تسليم عبد الحكيم بلحاج، مشيرة إلى أنه تم القبض على بلحاج، الذي كان من معارضي ونقاد نظام القذافي في آذار/ مارس 2004، بعملية مشتركة بين المخابرات البريطانية والأمريكية في العاصمة التايلاندية بانكوك، وتم تسليمه للمخابرات المركزية الأمريكية "سي آي إيه"، التي اتهمها بلحاج بتعذيبه وحقنته بما يعرف بـ"مصل قول الحقيقة" قبل تسفيره وعائلته إلى العاصمة طرابلس للتحقيق معه.
ويلفت التقرير إلى أنه بحسب الوثائق التي تم العثور عليها في طرابلس، فإن "إم آي-6" قدمت قبل خمسة أيام من ترحيله إلى نظام القذافي الأسماء الفرنسية والمغربية المستعارة التي يستخدمها بلحاج، بالإضافة إلى تقديمها المعلومات الاستخباراتية لـ"سي آي إيه"، التي مكنتها من اختطاف بلحاج.
وتورد الصحيفة نقلا عن المعارض السابق قوله في تصريحات لـ"الغارديان" إن المحققين البريطانيين كانوا أول من حقق معه في طرابلس، حيث عبر "عن دهشته لتورط
بريطانيا في أكثر المراحل المؤلمة في حياته"، ويضيف: "لم يسمح لي بالاستحمام لمدة ثلاث سنوات، ولم أر الشمس لعام كامل، وعلقوني في الجدار، وتركوني في زنزانة معزولا، وتعرضت للتعذيب".
وينوه التقرير إلى أنه تم الكشف عن دور المخابرات البريطانية بعد الإطاحة بنظام القذافي، حيث تم العثور على الوثائق في مكتب تعرض للنهب، كان يعمل فيه مدير مخابرات القذافي موسى كوسا.
وبحسب الصحيفة، فإن إحدى الوثائق تعود إلى 18 آذار/ مارس 2004، وهي عبارة عن ملاحظة كتبها الضابط في "إم آي-6" سير مارك ألين ومدير قسم مكافحة الإرهاب في الاستخبارات البريطانية، وقال فيها لموسى كوسا: "أهنئك بوصول أبو عبد الله صادق (عبد الحكيم بلحاج)، وهذا أقل ما يمكننا فعله لك ولليبيا، ولإظهار العلاقات الجيدة التي بنيناها خلال السنوات الماضية، وأشعر بالسعادة والامتنان الكبير للمساعدة التي قدمتها للضابط الذي أرسلناه الأسبوع الماضي"، وأضاف أن "معلومات بلحاج عن الوضع في هذا البلد مهمة جدا، وما يثير الدهشة أن الأمريكيين طلبوا الحصول على معلومات من بلجاج، وليست لدي نية لعمل هذا، حيث إن مصدر المعلومات عن بلحاج بريطاني، وأعرف أنني لم أدفع ثمن الطائرة التجارية، لكنني أشعر أن من حقي التعامل معك مباشرة، وأنا ممتن للمساعدة التي تقدمها لنا"، وكانت شرطة إسكتلنديارد قد أكملت تحقيقاتها حول مزاعم التورط في ترحيل بلحاج، وستصدر نتائج التحقيق في وقت قريب.
وينقل التقرير عن مصادر في مقر الحكومة قولها إن الشرطة ومحامي الادعاء يقومون بمراجعة الأدلة منذ أشهر، ويقولون إن عملهم تمت عرقلته؛ لأن الشهود الرئيسيين لا يتذكرون، أو لا يستطيعون تحديد من أمر بمشاركة بريطانيا في عمليات الترحيل القسري، ومن كان يعرف عنه، أو تفاصيل اختطاف بلحاج، حيث قال مصدر: "هذه منطقة صعبة بالنسبة للشرطة ومحامي الادعاء"، وأضاف أن المشكلة هي أن الشرطة لا يمكنها توجيه اتهامات لسياسات الحكومة.
وتجد الصحيفة أن الرسالة التي أرسلتها مانينغهام- بولر تعكس الانقسام الحاد داخل منظمات الأمن البريطانية، فيما يتعلق بأنجع الطرق لجمع المعلومات، وذلك في مرحلة ما بعد الهجمات على أمريكا عام 2001، مستدركة بأنه رغم النقد الذي تعرضت له "إم آي-5"، فيما يتعلق بالأساليب التي استخدمتها، إلا أن الرسالة عبرت عن ريبة الأجهزة الأمنية من ترحيل المشتبه بهم وتعذيبهم.
ويورد التقرير نقلا عن مصادر قولها إن مسؤولة "إم آي-5" في حينه صبت جام غضبها على "إم آي-6"، التي كان يترأسها في حينه سير ريتشارد ديرلاف؛ بسبب ما تعرض له بلحاج من تعذيب، حيث قال مصدر: "عندما اكتشفت إليزا مانينغهام- بولر ما حدث كانت غاضبة جدا، ولم أشاهد رسالة كهذه، فقد حدث صدع خطير بين (إم آي-5) و(إم آي-6)، ورغم أنها قالت إن التعامل مع القذافي من أجل إقناعه بالتخلي عن برامجه البيولوجية والكيماوية (ليس خطأ من ناحية المبدأ)، إلا أن هناك (أسئلة تحتاج إلى إجابات حول العلاقة التي تطورت لاحقا)".
وتنوه الصحيفة إلى أن ملفات التحقيق لدى مكتب الادعاء العام تصف بلحاج وزوجته فاطمة بوشار وابنائهما وسامي الساعدي وعائلته، الذين اختطفوا من الشرق الأقصى، ونقلوا إلى زنازين القذافي، حيث دفعت الحكومة البريطانية مبلغ 2.2 مليون جنيه إسترليني تعويضات للساعدي، إلا أن بلحاج رفض أخذ تعويضات حتى يتلقى اعتذارا من الحكومة البريطانية.
ويفيد التقرير بأن جاك سترو، الذي كان وزيرا للخارجية ومسؤولا عن "إم آي-6" مع سير ألين، لم يعترف بارتكاب أخطاء، مشيرا إلى أن سترو نفى عام 2005 أمام النواب عندما بدأت الأدلة تظهر حول السجون السرية وبرامج "سي آي إيه" المعلومات، وقال: "ببساطة لا أساس لهذه المزاعم، وأن بريطانيا متورطة في عمليات نقل قسري، انتهى".
وتقول الصحيفة إنه عندما ثبت وجود ترحيل قسري للسجناء، زعم جاك سترو قائلا: "لا يمكن لأي وزير خارجية معرفة تفاصيل ما تقوم به الأجهزة الأمنية في أي وقت"، لافتة إلى أن الشرطة قابلت سترو، بصفته شاهدا محتملا.
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى قول مسؤول إن "إم آي-6" كانت تنفذ تعليمات من الوزراء، وقال بلير إنه "لا يتذكر أي شيء عن ترحيل بلحاج"، لافتة إلى أن ديرلاف ناقض كلا من بلير وسترو، حيث قال: "من الواضح أنه قرار سياسي، للتعاون في مجال مكافحة الإرهاب بعد نزع أسلحة
ليبيا، فكل العلاقة كانت عن الحسابات الجادة عن ميزان مصالحنا القومية".