كتب المعلق باتريك كوكبيرن في صحيفة "إندبندنت أون صاندي" تقريرا تحت عنوان الهجمات ضد
تنظيم الدولة في
العراق وسوريا تحول مدنهما إلى أنقاض.
ويبدأ الكاتب تقريره باقتباس ما قاله المؤرخ الروماني تاكتيوس عن الزعيم القبلي البريطاني غلاغوكس قبل 2000 عام: "يصنعون صحراء، ويقولون عنه سلاما"، حيث كان يتحدث عن الدمار الذي أحدثه الجيش الروماني ضد المتمردين البريطانيين، وتردد صدى الشجب عبر القرون، وتم تطبيقه على العديد من حملات التهدئة، مستدركا بأن هذا الكلام مناسب لما يجري في العراق اليوم.
ويشير التقرير إلى الحملة التي تقودها القوات العراقية والقوات الخاصة والشرطة الفدرالية والمليشيات الشيعية لاستعادة مدينة
الفلوجة من تنظيم الدولة، الذي يسيطر عليها منذ عام 2014، حيث تحظى هذه القوات بدعم من قوة الطيران الأمريكي المدمرة، التي قامت بـ 8503 غارات جوية فوق العراق و3450 غارة فوق سوريا خلال العامين الماضيين، لافتا إلى أن القوات المعادية لتنظيم الدولة لم تكن قادرة دون هذا الدعم الجوي على تحقيق هذا النجاح الذي حققته في كل من العراق وسوريا.
وتنقل الصحيفة عن محافظ مدينة كركوك الكردي نجم الدين كريم، قوله، "أعتقد أنهم سيستعيدون الفلوجة، وسيتم تدمير المدينة أثناء العملية"، ويضيف: "لو لم يكن لديهم دعم جوي، فإنهم لن يكونوا قادرين أبدا على استعادة المدينة".
ويعلق كوكبيرن قائلا إن السوابق لهذا كله تنذر بالسوء، حيث استعادت القوات العراقية، مدعومة من طيران التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة، في كانون الأول/ ديسمبر 2015، مدينة
الرمادي من تنظيم الدولة، وتم تدمير نسبة 70% من المدينة، ولا يزال غالبية سكانها الـ 400 ألف مشردين.
ويورد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، نقلا عن منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في العراق ليز غراندي، قولها: "الدمار الذي شاهده الفريق في الرمادي هو أسوأ من أي مكان آخر تمت مشاهدته في العراق".
وتذكر الصحيفة أنه بعد سيطرة قوات الحكومة على المدينة، قال مسؤول مجلس الرمادي إبراهيم الأوسي إن "البنية التحتية المائية والكهربائية ومجاري الصرف الصحي والبنى التحتية الأخرى، مثل الجسور ومؤسسات الحكومة والمستشفيات والمدارس، كلها تعرضت لدمار كبير"، حيث إن التدمير شمل حوالي 64 جسرا، مستدركة بأنه رغم أن بعض التدمير تم بسبب تلغيم تنظيم الدولة للمباني، إلا أن غالبه تم بسبب 600 غارة جوية قام بها طيران التحالف.
ويتساءل الكاتب قائلا إن "القادة الأمريكيين يهنئون بعضهم على دقة العمليات الجوية، لكن لماذا كان من الضروري تدمير الرمادي؟".
ويجد كوكبيرن أن الأمر ذاته ينطبق على سوريا، مشيرا إلى زيارته إلى بلدة عين العرب/ كوباني العام الماضي، التي حاول تنظيم الدولة السيطرة عليها، وحاصرها لعدة أشهر، لكنه طرد منها بعد تلقيه 700 غارة جوية قامت بها الطائرات الأمريكية، التي ساعدت المقاتلين الأكراد السوريين داخلها، ويقول: "في كل مكان نظرت إليه كانت هناك أنقاض من الإسمنت المهشم والحديد المقطع، ولم يبق سوى بنايات كانت تحت سيطرة الأكراد".
ويلفت التقرير إلى أن الفلوجة قد تواجه المصير ذاته، حيث إن هناك حوالي 900 مقاتل من تنظيم الدولة جهزوا أنفسهم للقتال، ممن لديهم خبرة في تكبيد أعدائهم خسائر فادحة، من خلال المتفجرات البدائية والمفخخات وقنابل الهاون والقنابل الانتحارية.
وتفيد الصحيفة بأن المفاتلين في مناطق مثل تكريت والرمادي وسنجار، قاموا بالتسلل منها في اللحظة الأخيرة، مستدركة بأنهم قد يقاتلون في الفلوجة للحظة الأخيرة؛ نظرا لقربها من بغداد، ولأنها رمز للمقاومة السنية ضد الاحتلال الأمريكي عام 2004.
ويرى الكاتب أنه "لا يوجد بديل عن استخدام القوة الجوية، إن أريد التخلص من الجهاديين المتعصبين، لكن القوة الجوية، كما هو الحال في سوريا، تم استخدامها بناء على الأولويات السياسية، حيث إنه في حالة الفلوجة وفي الرمادي كذلك، تريد الولايات المتحدة دعم القوات الحكومية والعشائر السنية، لا قوات الحشد الشعبي المدعومة من إيران".
ويعتقد كوكبيرن أن "المشكلة تكمن في محدودية القوات العراقية القادرة على حماية بغداد، وهي مكونة من فرقتين، كل منهما تعداد أفرادها خمسة آلاف جندي، ولهذا السبب يتم الاعتماد على عدد قليل من الجنود الذين دربوا لاستدعاء الطيران الأمريكي في أي لحظة، حيث إنه في الرمادي بلغ عدد القوات التي مشطت المدينة حوالي 790 جنديا".
ويلاحظ التقرير غياب الشجب الدولي في الوقت الذي يتم فيه تدمير المدن السنية، رغم أنه يمكن تطبيق العبارة سيئة السمعة التي أطلقها بن تري في فيتنام قبل 50 عاما، التي تقول: "من الضروري تدمير البلدة لإنقاذها"، على الرمادي.
وترى الصحيفة أن "الحملة الحالية ليست مبررة تحت الذريعة التي تقول إنها مصممة لتقليل الضحايا المدنيين، لكن هناك شعور بأن استخدام أي وسيلة يكون مبررا لقتال تنظيم بربري ووحشي مثل تنظيم الدولة، فالهجوم على الفلوجة جاء بعد سلسلة العمليات الانتحارية التي شنها في بغداد، وقتلت أكثر من 200 شخص، وما سيحدث في الأشهر المقبلة مهم؛ لأنه سيحدد أي عملية ستقوم بها الحكومة مع قوات البيشمركة لاستعادة مدينة الموصل، التي لا يزال فيها حوالي مليوني نسمة، ويرفض تنظيم الدولة السماح لأي شخص بالخروج منها، وسيقاتل دفاعا عنها؛ لأن السيطرة على الموصل ساعدته للإعلان عن (الخلافة)".
وترجح الصحيفة قيام الولايات المتحدة بمحاولة استعادة مدينة الموصل قبل نهاية العام، مشيرة إلى أن كريم يرى أن إدارة أوباما حريصة على "طرد تنظيم الدولة من الموصل قبل نهاية ولايته".
ويعلق التقرير بأن "هذا ليس غريبا؛ لأن صعود تنظيم الدولة كان أسوأ تقدير في ولاية أوباما، التي مضى عليها 8 سنوات، وحتى لو سقطت مدينة الموصل فإن ذلك لن ينهي الحرب؛ لأن الخمسة ملايين سني لم يقدم لهم بديل آخر عن تنظيم الدولة غير الخنوع للشيعة والأكراد".
وتختم "إندبندنت أون صاندي" تقريرها بالقول إنه "في الوقت الذي تؤكد فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها، مثل بريطانيا، ضرورة أن تستوعب حكومة بغداد الجميع، فإنه حتى لو تم استيعابهم، فإن هذا لن يغير من وضعهم؛ لأن الأماكن التي يعيشون فيها مدمرة، وأصبحت أنقاضا".