نشرت صحيفة "كريستيان سيانس مونيتور" تقريرا للكاتب سكوت باترسون، حول الخدمات التي تقدمها
تركيا للاجئين السوريين،خاصة الذين ينتقلون إلى المدن.
ويقول باترسون إن "اللاجئين السوريين يجدون المساعدة في هذه المدينة الضخمة (اسطنبول)، التي تكاد تفيض بسكانها، في مراكز للخدمة في الوقت الذي تسعى فيه أوروبا لوقف تدفق اللاجئين إليها".
ويشير التقرير إلى أن تركيا أبقت على سياسة الأبواب المفتوحة خلال الخمس سنوات من الحرب الأهلية السورية، لافتا إلى أنها تستضيف 2.7 مليون لاجئ سوري إلى الآن، حيث قام عدد من المؤسسات غير الحكومية بالتقدم للمساعدة في الوقت الذي زاد فيه التدفق.
وتذكر الصحيفة أن السوريين شكلوا النسبة العظمى من المليون لاجئ الذين وصلوا إلى أوروبا العام الماضي عن طريق البحر، مغامرين بحياتهم في رحلات بحرية خطيرة من تركيا إلى الجزر اليونانية، مستدركة بأن كثيرا منهم فضل انتظار انتهاء الحرب، أو إعادة بناء حياة جديدة في تركيا بالقرب من بلادهم.
ويلفت الكاتب إلى أن حياة السوريين الذين يصلون إلى اسطنبول، وعلى مدى سنوات الحرب، تغيرت، مشيرا إلى أن البيروقراطية التركية حاولت التعامل مع الواقع الذي يفرضه وصول أعداد كبيرة من السكان الجدد.
ويجد التقرير أن "حدة هذا التحدي للبيروقراطية التركية تشتد عندما تبدأ تركيا والاتحاد الأوروبي بتطبيق اتفاقية توصل إليها الطرفان في آذار/ مارس، الذي يقتضي بموجبه أن توقف تركيا تدفق اللاجئين إلى أوروبا مقابل 3.35 مليارات يورو مساعدات، ومع أن هناك قانونا تركيا جديدا ينص على حق اللاجئين السوريين بالعلاح المجاني والتعليم، إلا أن الحصول على العلاج أو التعليم يشكل معاناة يومية لحوالي 450 ألف لاجئ سوري سجلوا رسميا في اسطنبول، حيث ستوضع هذه القضايا تحت المجهر خلال أول مؤتمر قمة إنساني للأمم المتحدة، الذي تستضيفه اسطنبول هذا الأسبوع".
وتنقل الصحيفة عن مديرة مكتب اسطنبول لـ "اتحاد التضامن مع اللاجئين والمهاجرين"، الذي تمول الأمم المتحدة عمله مع السوريين، جيزام ديميرسي الكاده، قولها: "يأتي معظم السوريين إلى اسطنبول للعمل، أو إن كانت لديهم مشكلة أمنية، حيث إن اسطنبول كبيرة، ويسهل الاختباء فيها"، وتضيف أنه "عندما بدأ
اللاجئون السوريون بالوصول قبل سنوات، فإنهم كانوا يظنون أن هجرتهم ستكون قصيرة، لكن الآن بدأ الأمل بالعودة يتلاشى يوما بعد يوم".
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن هذا يعني أن المؤسسات غير الحكومية تقوم بتعديل خدماتها للتأكد من أن السوريين، وبالذات النساء، لديهم الأدوات التي تسمح لهم بالعيش، من شراء الأغذية إلى معرفة حقوقهم في القانون التركي.
وينوه باترسون إلى أن مكتب اتحاد التضامن مع اللاجئين والمهاجرين يقع في منطقة تارلاباشي، التي كان يفضلها الأكراد والمهاجرون لعقود، مشيرا إلى أنه يقوم بتقديم دورات اللغة التركية، والعناية بالأطفال، كما أنه قدم ما يزيد على 80 ألف حصة استشارات نفسية، و36 ألف خدمة صحية أساسية، ويكشف عن أن الاتحاد سيقوم بفتح مكتب ثالث له في اسطنبول؛ للتعامل مع قضايا حماية الأطفال.
وتبين الصحيفة أن تنامي الحاجة يعكس تجربة الكاده، حيث إنها عندما بدأت مع اتحاد التضامن مع اللاجئين والمهاجرين عام 2010، كانت تعمل هي ومترجمة في المكتب، وكان هناك 18 ألف طالب لجوء، قليل منهم سوريون، وتقول: "الآن لدينا 18 ألف لاجئ في واحدة من مناطق اسطنبول فقط".
ويشير التقرير إلى أنه "في الجهة الأخرى من اسطنبول، في منطقة إسينلر المحافظة، التي تكتظ بمصانع النسيج والملابس، ولذلك يسهل البحث عن عمل فيها، تقوم مؤسسة تطوير الموارد البشرية بتقديم 30 ورشة عمل مختلفة في الأسبوع، ويوجد فيها ملابس متبرع بها ومحام وطبيب نفساني للاستشارة".
ويورد الكاتب نقلا عن سما ميرف عز، التي تعمل مع مؤسسة تطوير الموارد البشرية مسؤولة اتصال، قولها: "بهدف تمكين اللاجئين وتطوير قدراتهم، فإنه يجب تعليمهم مهارات اللغة والحاسوب وغيرها من المهارات"، وتضيف أن اللاجئين السوريين عندما يصلون يكونون متعبين وخائفين، ولا يريدون الخروج من بيوتهم"، مستدركة بأن ما تقدمه المؤسسة يجعلهم يخرجون من ذلك الجو.
وتتابع عز للصحيفة بأن "اللاجئين السوريين يتلقون في مراكزهم ما يحتاجونه من مهارات للعيش في تركيا، المركز غير باد للعيان، حيث إن بابه أبيض وعليه لائحة صغيرة".
وبحسب الصحيفة، فإن مؤسسة تطوير الموارد البشرية نشأت في كانون الثاني/ يناير 2015، بتمويل من المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة، وتوسعت قاعدة بياناتها إلى 7 آلاف ملف، كل واحد منها يضم عائلة مؤلفة من خمسة أشخاص أو أكثر، وهناك حوالي ألف شخص جديد كل أسبوع.
ويستدرك التقرير بأن الإسكان يبقى مشكلة في اسطنبول، حيث غلاء الإيجارات، ويعاني بعض السوريين تمييزا ضدهم من أصحاب العقارات الأتراك، لافتا إلى أنه ليس هناك سوى ست صيدليات في اسطنبول تصرف الأدوية المجانية.
وتقول عز: "لدى السوريين بعض الحقوق على الورق، لكن في الواقع لا يتم تطبيقها بشكل صحيح"، وتضيف أنها رافقت السوريين للمستشفيات العام الماضي، وكانت تحمل نسخة من القانون الذي ينص على حقهم في العلاج، لكن المسؤولين كانوا يخبرونها بأنهم لم يتلقوا تعليمات رسمية بذلك، مشيرة إلى أن هناك مكتبا الآن في المستشفيات يستقبل السوريين.
ويذكر باترسون أن اللاجئين متعاونون، حيث إنه في إحدى الحالات التقت امرأتان سوريتان في المركز، وتعرفتا ووجدتا أنهما تسكنان في البناية ذاتها، فانتقلتا للعيش معا، بحيث تبقى إحداهن مع الأطفال، بينما تخرج الأخرى للعمل، وتعلق عز قائلة: "هذا أمر صغير، لكنه مهم"، مشيرة إلى أن مركزهم ساعد نساء أخريات كن يعانين من الاكتئاب، ويخشين من الخروج، لكنهن سجلن في دورة في المركز مدتها ستة أسابيع كي يلتقين بالسوريين.
وتستدرك الصحيفة بأنه "بالرغم من أن القانون التركي تطور لتغطية حقوق اللاجئين السوريين، الذين يستطيعون الحصول على الدعم الصحي والسكني والتعليمي، لكن في الحقيقة فإن هذا الانفتاح ليس مقبولا في كل مكان، حتى في الوقت الذي تتزايد فيه المشاعر ضد اللاجئين، ومع اقتراب تطبيق صفقة اللاجئين بين تركيا والاتحاد الأوروبي".
وينقل التقرير عن أحد عمال الإغاثة، الذي طلب عدم ذكر اسمه، قوله: "سياسة الباب المفتوح كانت خطوة جيدة، لكن تركيا في الواقع ليس لديها الطاقة لاستضافتهم كلهم، ولم تكن جيدة معهم"، وانتقد الصفقة التركية مع
الاتحاد الأوروبي، مثل عدد آخر من مؤسسات حقوق الإنسان والأمم المتحدة، التي انتقدت الصفقة؛ لأن بنودها تعد انتهاكا لحقوق اللاجئين في الإجراءات القانونية.
ويورد الكاتب أن آلاف اللاجئين في الجانب السوري علقوا في الأسابيع الأخيرة على الحدود، حيث يمنعهم الجيش التركي من الدخول من المعبر الحدودي، بحسب ما قالته مؤسسات الإغاثة، في الوقت الذي يهاجم فيه تنظيم الدولة مخيماتهم.
وتختم "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرها بالإشارة إلى قول عامل الإغاثة: "يجب استخدام الـ3 مليارات يورو للبناء، لاستقبال المزيد من اللاجئين، إلا أن أغلبية هذه الميزانية ستنفق على منع اللاجئين من الهجرة إلى أوروبا، أي على مراكز الاعتقال والشرطة، لكن إن كنت تريد التعاون مع اللاجئين فإنك تحتاج إلى التعليم والمستشفيات".