علق الكاتب جوناثان فريدلاند على التعديل الوزاري، الذي أجراه رئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو، واستقالة وزير الدفاع موشيه
يعلون، قائلا إنه يكشف عن المعركة الداخلية في معسكر اليمين، وتحدث عن أثرهما في العملية السلمية مع
الفلسطينيين، وموقف الإدارة الأمريكية من ذلك في أشهرها الأخيرة.
ويصف فريدلاند في تقريره، الذي نشرته صحيفة "الغارديان"، التعديل الوزاري بحلقة من حلقات "السبرانو" الأمريكية عن العصابات، حيث يقول: "لو قام (السبرانوز) بتعديل وزاري لحصل الآتي، وزير الدفاع الإسرائيلي خارج الوزارة، ورحل دون تبادل مهذب للرسائل، كما هي عادة الحكومة البريطانية، بل لأنه لم يعد يثق بنتنياهو، الذي عين بديلا عنه".
ويشير التقرير إلى أن "يعلون قال إنه اختلف مع رئيس الوزراء في قضايا (أخلاقية ومهنية)، ملمحا إلى أن المعارك بينهما تدور حول (التطرف والعنف والعنصرية الواضحة في المجتمع الإسرائيلي، حيث يقف (بيبي) على الجانب الخطأ، وسيحل محل يعلون رجل وصف بشكل دائم بـ(البلطجي)، رغم أنه عمل مرة وزيرا للخارجية، إنه أفيغدور ليبرمان، المستوطن في الضفة الغربية، الذي لم يتخل عن ماضيه، بصفته حارسا أمام نادي ليلي من مولدوفا، ولولا لهجته لما فرقته عن توني وأولاد ولاية نيوجرسي في حلقات (هارتبيت)".
وتقول الصحيفة إنه في العادة تكون عملية التعديل الوزاري "شأنا داخليا"، ويمكن تجاهلها بسلام، مستدركة بأن التحرك الأخير "سيؤثر على ما يطلق عليه باعتزاز عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، (ففي هذه الأيام لا سلام ولا حتى عملية سلمية)، كما أن التعديل يشير كثيرا إلى المعركة الجارية من أجل روح إسرائيل".
ويقول الكاتب إن "يعلون ليس رجل سلام، فهو مؤمن بشكل كامل بأجندة الليكود، ويدعم المستوطنين، لكنه جندي سابق يلتزم بأخلاقيات الجيش، الذي يعتقد أن القوة يجب ضبطها بالنظام والقانون، وهذا التأكيد على الأخلاق وضع يعلون الأسبوع الماضي في مواجهة مع نتنياهو، وليس لمرة واحدة، بل مرتين".
ويضيف فريدلاند أن "المواجهة الأولى حصلت عندما قام جندي إسرائيلي بإطلاق النار على فلسطيني هاجم مجموعة من الجنود بسكين، وقتل الفلسطيني وهو ملقى على الأرض ينزف، ولم يكن يشكل تهديدا لأحد، وقاد يعلون مجموعة من القيادات العسكرية في شجب الجندي، الذي لم يلتزم بالانضباط، ولتصرفه بطريقة انتقامية، وفعل (بيبي) الأمر ذاته في البداية، لكنه غير موقفه للدفاع عن الجندي، بل اتصل مع والد القاتل أيضا، حيث عبر عن تعاطفه مع العائلة، وهو ما اعتبره يعلون أمرا مريعا".
ويتابع الكاتب بأنه "بعد أسبوعين، تحدث نائب رئيس هيئة الأركان يائير غولان في يوم ذكرى الهولوكوست، وعبر عن أسفه نتيجة التشابه المثير للقلق بين (التعصب) و(إشاعة الخوف) الواضح في إسرائيل المعاصرة وألمانيا في ثلاثينيات القرن الماضي، وتعرض غولان للنقد والشجب الواسع، وشارك نتنياهو بالشجب، ورغم عدم اتفاق يعلون مع غولان، إلا أنه دافع عن حق الجنرال بقول ما يريده في ظل الديمقراطية، التي تتمثل في التعبير عن هواجس ضميره".
ويمضي فريدلاند قائلا إنه "في توقيت رائع سيواجه هذا الموضوع فريق (كسر الصمت)، وهم مجموعة من الجنود السابقين الذين يجمعون شهادات من الجنود الإسرائيليين، الذين يتحدثون عن واقع الاحتلال في الضفة الغربية، ودون ذكر أسمائهم، وسيواجه الجنود يوم غد دعوى قضائية رفعتها الحكومة تطالبهم بالكشف عن هوية الجنود، حيث تقول مجموعة (كسر الصمت) إن الدعوى محاولة من الحكومة لإسكاتهم، حيث إنه لن يكون أي جندي مستعدا للحديث إليهم دون ستار السرية".
ويجد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أن "المعركة الجارية حيوية بالنسبة لإسرائيل، فهي ليست بين يسار ويمين، لكنها انقسام داخل معسكر اليمين حول حكم القانون، حيث تظهر رسالة الاستقالة التي قدمها يعلون أن المعركة لم تنته، فقد أقسم بالعودة إلى السياسة والترشح لرئاسة الوزراء يوما ما، ودافع يعلون عن المحكمة العليا، التي تعد محلا للنقد الدائم من المتطرفيين اليمنيين، كما أن منح وظيفة يعلون لليبرمان، الذي دعا أثناء حرب غزة إلى مقاطعة المحلات العربية، ودعا إسرائيل إلى معاقبة مصر بتدمير السد العالي، يظهر المكان الذي اختار نتنياهو الوقوف فيه ضمن هذا الانقسام".
وتعلق الصحيفة بأن "المراقبين من الخارج للخلافات الإسرائيلية مهتمون بالأثر الذي سيتركه على النزاع الإسرائيلي مع الفلسطينيين، فإنها بالنظرة الأولى وربما النظرة الثانية والثالثة هي أخبار سيئة".
ويذكّر الكاتب بالوضع قبل أيام، حيث كان نتنياهو يقترب من عقد صفقة مع زعيم حزب العمل إسحق هيرتزوغ، لتشكيل حكومة وحدة وطنية، تستجيب للمطالب المصرية بتحقيق الوحدة شرطا للسلام الدافئ، الذي تحدث عنه عبد الفتاح السيسي في خطاب ألقاه في جنوب مصر، مشيرا إلى أن "الخاطبة"، التي تقف وراء هذه الخطوة، ولم تكن سوى رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، الذي ظل منذ استقالته من منصبه بصفته مبعوثا للرباعية الدولية، على اتصال بالمنطقة، وقام بجولات مكوكية بين نتنياهو وهيرتزوع والسيسي.
ويلفت التقرير إلى أن المحاولات فشلت؛ لأن هيرتزوغ لم يكن قادرا على توفير العدد الكافي من نواب العمل لتشكيل الائتلاف مع نتنياهو، ولهذا تحول الائتلاف نحو اليمين المتطرف، بدلا من اليسار.
وتعلق الصحيفة بأن "العزاء يأتي من ملاحظة أن نتنياهو لو قام بتحرك، فإنه لن يجد معارضة من اليمين، حيث استنتج المفاوضون الفلسطينيون المجربون، ومنذ وقت طويل، أن التوصل لصفقة لن يتم إلا مع اليمين، حيث إن اليسار، وإن كانت نواياه حسنة، إلا أنه يواجه دائما معارضة محلية، كما يشعر المتفائلون بأن ليبرمان، وإن بدا معاديا للأجانب وقاسيا، إلا أنه براغماتي، وعلى خلاف الأيديولوجي نفتالي بينت، فإنه يدعم حل الدولتين".
ويفيد التقرير بأن "التركيز سيكون على الأشهر الثلاثة التي بين الانتخابات الرئاسية في 8 تشرين الثاني/ نوفمبر و20 كانون الثاني/ يناير 2017، حيث إنه في هذه الفترة يكون الرئيس متحررا من كل شيء، ولا يواجه استحقاقات انتخابية، وكان رونالد ريغان منح اعترافا بمنظمة التحرير الفلسطينية في هذه الفترة، وهو تحرك ربما كان مكلفا لخليفته جورج بوش الأب، والحديث الجاري الآن في البيت الأبيض هو ما هي طبيعة الهدية التي سيتركها
أوباما (كما يأملون) لكلينتون؟".
وتبين الصحيفة أنها "قد تكون خطابا كبيرا أو قرارا في مجلس الأمن يشجب الاستيطان الإسرائيلي، أو قد تكون قرارا جديا عن مجلس الأمن، مدعوما من قوى العالم كلها، يؤكد حدود حل الدولتين، ويقوم بتعديل القرار الصادر عام 1947، الذي دعا إلى دولتين يهودية إلى جانب فلسطينية، باستنثاء أن هاتين الدولتين ستقومان على حدود عام 1967، ويتم تبادل أراضي من الطرفين، وتكون القدس عاصمة مشتركة".
ويكشف الكاتب أن "الأمريكيين يعملون بهدوء، ويتحدثون مع حلفائهم الأوروبيين، حول صيغة القرار بطريقة لن يجد فيها اليهود الأمريكيون مانعا من دعمه، وقد يحاول نتنياهو جهده للتعبئة ضد هذه الجهود، لكنه حاول فعل هذا لمنع الاتفاق النووي مع إيران وفشل".
ويقول فريدلاند: "لو تم تمرير القرار فإنه سيضع الشروط لجهود السلام في المستقبل، وسيكون من الصعب إلغاؤه؛ لأنه لن يمثل إلا إرادة المجتمع الدولي".
ويخلص الكاتب إلى القول: "وقد لا يحدث، إلا أن أسوأ سيناريو في هذا النزاع هو الأرجح، لكن أحداث هذا الأسبوع أظهرت أن نتنياهو ليس السيد الذي يسيطر على الأحداث، وليس أعداؤه كلهم موجودين في الخارج".