قال مؤشر الديمقراطية (جهة حقوقية مستقلة)، إنه رصد 1126 انتهاكا ضد حرية التعبير في
مصر، خلال الفترة من أول كانون الثاني/ يناير وحتى منتصف أيار/ مايو 2016، أي خلال 135 يوما فقط، بمتوسط 8 انتهاكات يوميا و250 انتهاكا شهريا لكل من غرد خارج أسراب التأييد في مصر، بالإضافة إلى 15 حكما قضائيا بالسجن والغرامة ضد 182 مواطنا بسبب "التعبير عن آرائهم، بشكل يرسم ملامح "دولة الخوف" ويعود بقضية حرية التعبير في مصر لأزمنة مظلمة"، وفق قوله.
وأكد- في بيان له الثلاثاء- أن الأزمات المتتالية لحرية التعبير خلفت 182 سجينا بحكم قضائي خلال فترة الرصد، بالإضافة للعشرات من الشباب والمحامين والنشطاء والأطفال الذين يتم التحقيق معهم أو محاكماتهم على خلفية قضايا متعلقة بحرية الرأي والتعبير، وانعكست تلك الأزمات في 857 حالة اعتقال أو احتجاز لمواطنين وصحفيين ورسامين.
وتابع: "أيضا خلفت أزمات مصر 71 ضحية فصل عن العمل أو الدراسة، وتمثلت إحدى انعكاساتها في 66 حالة حجب للمعلومات، و10 حالات للمنع من السفر أو دخول البلاد، و12 واقعة حظر نشر ووقف نشر مقالات، ووقف بث برامج وقنوات فضائية، لكنها تجلت في الاقتحام الأمني لنقابة الصحفيين".
كيف وصلت الصحافة المصرية لحالة الحداد؟
صنف مؤشر حرية الصحافة العالمي الصادر عن "مراسلون بلا حدود " مصر في المرتبة الـ158 (من أصل 178 دولة)، بشكل مثل – وفقا لمؤشر الديمقراطية - تراجعا واضحا بانحدار قدره 15% عن ترتيب مصر في عهد ما قبل 2011، وحيث تصدرت مصر في آخر مؤشر لحرية الصحافة في عهد "مبارك" الترتيب 127 (من أصل 173 دولة)، ورغم قساوة التصنيف فإنه يعبر عن واقع ما تشهده الصحافة المصرية من انتهاكات.
وقال: "كانت السمة الأولى للعمل الصحفي خلال 2016 هي الملاحقات الأمنية للصحفيين والعاملين في الحقل الإعلامي؛ حيث رصد مؤشر الديمقراطية 68 حالة قبض وإيقاف واحتجاز أمني لصحفيين ومصورين ورسامين كاريكاتير، كلها تحت مسببات وحجج غير قانونية وأفضت جميعها لمنع هؤلاء من أداء مهامهم الصحفية والإعلامية، وتمثل أبرز تلك الوقائع في القبض على 47 صحفيا ومصورا خلال يوم واحد في أحداث 25 نيسان/ أبريل أثناء تأديتهم لأعمالهم، فهناك تعمد لإهانة الجماعة الصحفية".
وأكد المؤشر أنه رصد 8 أحكام قضائية صادرة بحق 14 صحفيا أو عاملين بالحقل الصحفي خلال العام 2016، لافتا إلى اتساع وتيرة الحظر والمنع من النشر خلال العام 2016، حيث صدرت 4 قرارات قضائية بحظر النشر في قضايا "تقرير المركزي للمحاسبات حول الفساد – مشروع محطة الضبعة النووية – قضية التمويل الأجنبي للمنظمات الأهلية – قضية اقتحام نقابة الصحفيين"، مضيفا أن الانتهاكات التي واجهها الصحفيون امتدت لتشمل اقتحام قوات الأمن لبعض المقار الصحفية، فضلا عن 21 حالة اعتداء جسدي ولفظي، وأكثر من 40 حالة فصل واستبعاد من مؤسساتهم الصحفية خلال فترة الرصد.
وقال: "في 2 أيار/ مايو اقتحمت قوات الأمن النقابة لإلقاء القبض على صحفيين معتصمين بداخلها ومطلوبين على خلفية اتهام بالتحريض على التظاهر في 25 نيسان/ أبريل، وهو ما اعتبرته الجماعة الصحفية خرقا دستوريا وقانونيا واتخذت إجراءات احتجاجية تصعيدية في المقابل، لكن السلطة التنفيذية انتهجت سياسة التصعيد المقابل من خلال محاصرة النقابة بكردونات أمنية، فضلا عن قيام مواطنين بسطاء بالتجمع أمام النقابة لاستكمال سياسة الحصار والاعتداءات على الصحفيين المحتجين".
وأشار إلى أن البرلمان المصري انتهج سياسة السلطة التنفيذية نفسها، لكن بشكل أكثر عنفا، حينما طالب بعض أعضائه صراحة بذبح الصحفيين وتخوينهم من جانب آخر من النواب، وأصدر المجلس بيانا يطالب بتراجع الصحفيين عن مطالبهم إعلاء للمصلحة العامة، مؤكدا أن المؤازرة الأخيرة للسلطة التنفيذية جاءت ممثلة في مجموعة من بعض الصحفيين المؤيدين للسلطة، والذين طرحوا مبادرة لحل مجلس النقابة، وطرح بعضهم أنفسهم على استحياء كأعضاء في المجلس الجديد.
واستطرد قائلا: "المؤشر يرى أن القضية لا يجب أن تتوقف عند مرحلة اقتحام النقابة، وأن أخطر ما تحمله طياتها كان في رد فعل الدولة بمؤسساتها على ما حدث، ما عكس الكيفية التي تتعامل بها الدولة ومؤسساتها مع الحريات الصحفية في مصر، كما أنها تفرض أيضا على الجماعة الصحفية مراجعة موقفها للحد الذي أضحى فيه التخلي عن مطالب 4 أيار/ مايو هو البديل الأول المطروح على طاولة التفاوض".
أسلحة الفتك بحرية الإبداع في مصر
وتابع المؤشر: "واجهت حرية الإبداع والتعبير بالرأي عبر الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي هجوما ليس بأقل مما واجهته حرية الصحافة في مصر، حيث رصدنا 23 حالة قبض واحتجاز لمراسلي برامج ومنتجي أعمال مصورة وطلاب تحت دعاوى الإساءة للدولة أو أجهزتها، حيث تم إلقاء القبض على 13 من فريق عمل إنتاج أحد الأفلام الوثائقية بحجة إنتاج مواد تحرض على الشرطة، وتم القبض على شادي حسين (مراسل برنامج) وأحمد مالك (ممثل) على خلفية إنتاج فيديو مسيء للشرطة".
وقال إنه "تم القبض على 3 مواطنين لإدارتهم مواقع تحمل علامة رابعة، وتمثلت آخر الوقائع في القبض على 5 من فريق أطفال شوارع، بتهم الإساءة للدولة والعمل على قلب نظام الحكم على خلفية إنتاجهم فيديوهات ساخرة عن الأوضاع الحالية وبثها عبر مواقع التواصل، وأصدرت النيابة قرارها بحبس المتهمين 15 يوما على ذمة التحقيقات".
ورصد المؤشر 4 أحكام قضائية صدرت بحق 6 مواطنين، كان أبرزها الحكم على 4 طلاب بالسجن 5 سنوات وحكم بالسجن على أستاذهم 3 سنوات على خلفية تصويرهم مقطع فيديو لم يتم نشره، رأى المبلغون والمحكمة أنه يزدري الدين الإسلامي، ورأى الطلاب وذووهم أنه مجرد مسرحية للسخرية من "داعش" وأن الطلاب لم يقوموا ببثه لكن تمت سرقته وتداوله بين بعض المواطنين.
ورصد أيضا 5 وقائع وقف برامج وقنوات، منها 4 حالات وقف برامج (مصر اليوم/ الفراعين – مصر اليوم/القاهرة التابعة للتليفزيون المصري – ممكن/ CBC – ملفات ساخنة/ التلفزيون المصري)، بالإضافة إلى قرار غلق قناة الفراعين، لكن الأكثر "قمعا" – وفقا للمؤشر- هو أن كافة تلك البرامج قد تم وقفها إما لرأي مقدمها أو لرأي ضيوفه.
واستطرد قائلا: "استمرارا لسلسلة مواجهات الرأي المخالف لصوت الدولة قامت الجامعات المصرية بفصل 9 طلاب بشكل نهائي لاتهامهم بإهانة العاملين بالجامعات أو رئيس الجمهورية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبذلك يكون القبض والمحاكمات والفصل والتوقيف هي سمة سياسات الدولة ضد الآراء المعارضة مهما كان أسلوب أو طريقة التعبير عنها، ولتعكس نمطا دكتاتوريا وقمعيا في مواجهة المغردين خارج السرب، تقوده الدولة".
المنع على الجميع والمنح للمؤيدين
وأكد مؤشر الديمقراطية أن قانون التظاهر مثل "أداة أولية لتوقيع أقصى عقوبات وانتهاكات طالت المحتجين مهما كانت مطالبهم أو فئاتهم أو أشكال احتجاجاهم، حيث عمدت السلطة التنفيذية فض 45 مظاهرة ومسيرة احتجاجية من خلال قوات الأمن، فيما ألقي القبض على 766 محتجا خلال 2016، في حين يتعرض أكثر من 310 مواطن للمحاكمات على خلفية اتهامات بالتظاهر أو التحريض عليه، ناهيك عن عشرات الاتهامات المصاحبة للتظاهر مثل العمل على قلب نظام الحكم وغيرها".
وقال إن "لالحدث الأسوأ والمؤشر الأخطر تمثل في الحكم في يوم واحد على 162 متظاهرا/ متهما بالتظاهر خلال يوم 25 نيسان/ أبريل بالسجن من عامين حتى خمس سنوات وغرامة مائة ألف جنيه، بشكل أحدث صدمة لدى الأهالي والمهتمين بحرية التعبير في مصر، واعتبره الكثيرون يوما أسود للعدالة في مصر، فضلا عن عدد من المحتجزين على خلفية الدعوة للتظاهر، منهم الصحفيان عمرو بدر ومحمود السقا، والمحاميان هيثم محمدين ومالك عالي، وتعرض 22 عاملا للفصل والإيقاف عن العمل بسبب التظاهر وتم التحقيق مع عامل وصحفي لنفس السبب".
المنع من السفر والدخول للبلاد لكل الآراء المعارضة
ورصد مؤشر الديمقراطية 10 حالات منع من السفر أو دخول البلاد، وصدرت أغلبها بتنسيق أمني، حيث مُنع الباحث عاطف بطرس من الدخول للبلاد، فيما تم منع كلا من جمال عيد وحسام بهجت من السفر على خلفية اتهامات وجهت إليهم في قضية التمويل الأجنبي، تم منع الباحث السياسي محمد عادل، مؤسس مؤشر الديمقراطية، ومحمد المصري، أحد أعضاء فريق المؤشر، من السفر بتنسيق أمني مصري مغربي دون إبداء أسباب المنع، كما تم منع الشاعر عمر الحاذق والمحامي الحقوقي رضا الدنبوكي والناشطة إيناس المعصراوي من السفر لدواع أمنية.
منظمات المجتمع المدني أحد حلقات التضييق
ونوه المؤشر إلى أنه تم فتح قضيتي رقم 173، 250 التي تتهم عشرات منظمات المجتمع المدني بتلقى تمويلات أجنبية على خلاف القانون، والتحقيق مع مزن حسن وفريق عمل مؤسسة نظرة، وحسام بهجت، المدير السابق للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وجمال عيد، مدير الشبكة العربية، بالإضافة لكون القضية تضم العديد من المنظمات الحقوقية التي لم يتم التحقيق معها بعد، كما يتم التحقيق مع المحامي الحقوقي نجاد البرعي على خلفية اتهامه بإدارة منظمة تعطل مؤسسات الدولة عن أداء مهامها بعدما قدم مشروعا لمناهضة التعذيب لرئيس الجمهورية.
وأشار إلى محاولات غلق مركز النديم، ومنع النشطاء الحقوقيين من السفر، ورفض وزارة التضامن للكثير من المشروعات للمنظمات الحقوقية، وتضييق الخناق على المنظمات الدولية مثل فريدريش ايبرت وغيرها؛ مؤكدا أن تلك الممارسات تعكس سياسة ممتدة منذ القدم في محاربة والتضييق على منظمات المجتمع المدني وخاصة العاملة في مجال حقوق الإنسان، ناهيك عن الحملات المستمرة لتشويه تلك المنظمات من خلال ما يطلق عليه الإعلام الموالي للدولة المصرية، بشكل عكس "تضييقا فجا وواضحا على الحق في التنظيم والتجمع السلمي وعلى عمل المنظمات الأهلية وما تقدمه من خدمات ضرورية في ظل الانتهاكات المتوالية التي تشهدها الحقوق والحريات في مصر".
وشدّد على أن عام 2016 شهد "كافة ملامح التضييق والقمع والانتهاكات ضد كافة المخالفين لرأي الدولة من الذين قرروا عدم الانصياع للرأي الواحد والتغريد خارج السرب، لكن ما تنتهجه إدارة الدولة المصرية من انتهاكات وتضييقات على حرية التعبير لن يثمر إلا عن مزيد من القمع والتطرف والضعف للدولة، ولن تستطيع الإدارة مهما بلغت من مراحل التضييق والقمع أن تحجب رأيا أو تقتل فكرة، خاصة في ألفية أهم أحداثها كانت برامج تبادل المعلومات والثورات ضد الدكتاتورية، وأن محاولة بناء دولة الخوف سيكون سببا أساسيا في المزيد من إضعاف الدولة وانتهاكات حقوق المواطن".
الخطايا العشر لدولة السيسي
وأكد أن "الخطايا العشر للإدارة المصرية في التعامل مع حرية التعبير تتمثل في الملاحقات الأمنية والقضائية المستمرة لكافة الأصوات المعارضة أو المخالفة لرأي مؤسسات الدولة، والتوسع الكبير في التضييق على حرية الرأي والتعبير تحت حجج الأمن القومي والأخلاق العامة وازدراء الأديان، وانتشار ظاهرة حجب المعلومات وخاصة من قبل مؤسسات الدولة، والتشريعات سيئة السمعة التي يحاكم بها المواطنون والمعنيون بحرية التعبير وعلى رأسها قانون التظاهر والمادتين 98، 178 من قانون العقوبات".
ومن ضمن تلك الخطايا: "التضييق المستمر على وسائل الإعلام الاجتماعي وأدوات الاتصال بالإنترنت بشكل جعل من عشرات المواطنين سجناء ومتهمين ومفصولين بسبب آرائهم على صفحات التواصل الاجتماعي، بالإضافة لمشروعات القوانين الخاصة بالرقابة على الإنترنت والتي يناقشها البرلمان الحالي، وغياب الأمان الوظيفي للعاملين بالحقل الإعلامي أو للموظفين والعمال المعرضين للفصل والتنكيل في أعمالهم بسبب آرائهم".
وآخر تلك الخطايا برأي مؤشر الديمقراطية: "انتشار مبدأ (التمييز في الحصول على الحق) بشكل جعل من المؤيدين للدولة أو مؤسساتها مكفولين بالحماية وعدم التعرض لأية ملاحقات على عكس كافة الأصوات المعارضة التي يعصف بكافة حقوقها في التعبير، والمحاولات المستمرة من الدولة في التدخل والسيطرة على الإعلام المحلي، والضغوط والتدخلات التجارية التي تعصف بالحريات الإعلامية في مصر".
مواجهة الخروقات
وطالب المؤشر كل المهتمين بحرية التعبير من المواطنين والمؤسسات بمواجهة تلك "الخروقات العشرة التي تعصف بحرية الرأي والتعبير في مصر، وأن يعمل الجميع من منظور ما كفلته المواثيق الدولية التي صادقت عليها الدولة المصرية وكذلك ما كفله الدستور المصري من
حقوق وحريات نظمت الرأي والتعبير وكفلته دون الدخول في معارك جانبية لن تجدي سوى في خلق المزيد من الأزمات".
واختتم بقوله: "الإدارة الحالية للدولة يجب عليها أن تتيقن بأن كافة الممارسات التي تحاول من خلالها السيطرة على حرية التعبير تصب في الأساس في خلق المزيد من الاحتقان الناتج عن الانتهاكات، وبالتالي التمهيد للمزيد من العنف والهدم لا البناء، وأنه على الدولة أن توجه كافة جهود وتكلفة خنق حرية التعبير لمسار آخر يستهدف بناء مسارات للحوار والتفاوض والتعبير عن الرأي بشكل يعلي من المشاركة المجتمعية ويبني دولة قادرة على الاستفادة من طاقاتها الإبداعية عوضا عن خنق تلك الطاقات الذي يمثل خنقا للدولة بأسرها، وعليها أن تدرك أن التزاماتها الدستورية أمام مواطنيها والتزاماتها الدولية تفرض عليها احترام حقوق مواطنيها في حرية التعبير عن آرائهم وأفكارهم".