"عداد الكهرباء في منزلي معطل، لكن المصيبة أن الخلل الذي أصابه جعله يسجل كميات أكبر من التيار الكهربائي من تلك التي يستهلكها منزلي، علما أن وجود التيار نادر في حياتنا هذه الأيام، ما اضطرني لمراجعة شركة كهرباء حلب؛ لطلب إصلاح العداد أو تبديله، ولا بد كالعادة من الإكرامية قبل أن يبدأ الموظف بأي إجراء".
هكذا يبدأ سمير، المواطن الحلبي القابع تحت الحصار والفقر والقمع في مناطق النظام بمدينة حلب، قصته لـ"عربي21".
ويضيف شارحا: "لا يرد الموظف عليك بكلمة واحدة غير طردك؛ بحجة أنه مشغول، عليك أن تدفع له أولا 1000 أو 2000 ليرة سورية، وهذا ما قمت به في الحقيقة، فأنا أعرف ترتيب الأمور كلها في بلدي، إلا أنه انتفض في وجهي، وأخبرني أنه يريد خمسة دولارات، ولا يريد العملة السورية"، وفق قوله.
وبحسب سمير، فإنه من الممكن أن يرفض طلب الموظف، وألّا يدفع له ما يريد، لكن ماذا سيحدث في هذه الحالة؟ يقول الرجل: "سيخترع عشرات الإجراءات الجديدة التي لا حاجة لها، كما سيقوم بطلب أوراق أخرى مني غير التي أحملها معي، ويخبرني أنني يجب أن أعود غدا، وحين أعود سيؤجلني ليوم آخر وهكذا، وبالنتيجة سأدفع أضعاف ما طلبه؛ بسبب العراقيل التي سيضعها أمام معاملتي البسيطة".
مواطن حلبي آخر شرح لـ"عربي21" ما تعرض له من ابتزاز في دائرة السجل المدني، إذ يتحدث أبو خالد عن استقبال موظف الأحوال المدنية له، قائلا: "ذهبت إلى دائرة السجل المدني؛ التي تسمى النفوس هنا في حلب؛ لاستخراج بعض الأوراق التي أحتاجها، وبعد أن سلمت بطاقتي الشخصية ودفتر العائلة للموظف، بدأ بطرح الأسئلة علي، شو بتشتغل انت؟ إن شاء الله أمورك ميسرة؟ وين ساكن؟ والله معناها أوضاعك منيحة؟ ليختم بالسؤال الأخير: بشو بدك تكرمنا؟!".
يكمل أبو خالد: "سؤاله الأخير هو طلب واضح للرشوة". فموظف السجل المدني أخذ مبلغ سبعة آلاف ليرة من أبي خالد لقاء تسليمه ما طلب خلال نصف ساعة فقط، ورغم أنه قبل العملة السورية، إلا أنه أخذها من الرجل بامتعاض، وقال له: "هااااات، يالله ما بدي أعذبك تروح تصرف إذا ما معك دولار"، وتمتم بعبارات حول المبلغ الذي حصل عليه، شارحا أنه لا يعادل شيئا هذه الأيام، لكنه يحب "الدراويش" ولا يريد أن يثقل عليهم، كما يقول.
من جانبه، يعلق حسان الذي يقيم في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بريف حلب الشمالي، قائلا: "الحال نفسه تعيشه في مناطق المعارضة، فأنت تدفع
الرشوة في كثير من الأماكن هنا، وبالدولار أيضا، وما يحدث عند معبر باب السلامة منذ سنوات خير مثال على ذلك"، بحسب قوله.