أكد معهد واشنطن -في تقرير مطول صادر عنه- أن الضربات الجوية الأمريكية في
اليمن، أسفرت خلال الأسبوعين الماضيين عن مقتل عشرة من عناصر تنظيم
القاعدة، الأمر الذي ساهم في تكثيف الجهود التي يبذلها التحالف الخليجي ضد هذه الجماعة.
وأشار المعهد إلى أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، في الواقع، يشكل تهديدا متواصلا منذ أوائل العقد الماضي، باستغلاله الانهيارات الدورية التي يتعرض لها الوجود العسكري النظامي في جنوب وشرق البلاد.
ونوه إلى أن التنظيم حقق نصرا غير مسبوق خلال الحرب الأهلية المستمرة، التي اندلعت العام الماضي، باستحواذه على كميات كبيرة من العتاد العسكري، وفرض سيطرته على أراض واقعة بين مدينتَي "عدن" و"المكلا" الجنوبيتين، كما استغل موارد حقول النفط والموانئ الجنوبية.
وقال التقرير إن التحالف الخليجي، الذي تقوده كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والذي يحارب إلى جانب الحكومة، عمد في المقابل إلى إعادة توجيه نسبة مهمة من جهوده العسكرية نحو المعقل الناشئ للتنظيم في الجنوب، خاصة أن محادثات السلام المطوّلة أدّت إلى عرقلة الحملة الهادفة إلى استعادة العاصمة من قوات الثوار الأخرى.
وأكد أن القوات الخليجية إلى جانب الضربات الأمريكية تمكنت مؤخرا من دحر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في عدة مدن وموانئ ومنشآت للطاقة في الجنوب.
توسُّع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب خلال الحروب في اليمن
وقال المعهد في تقريره إن الأزمة الحالية ليست المرة الأولى التي يؤدي فيها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب دورا رئيسيا في السعي إلى هزيمة الجيش اليمني. ففي صيف عام 2011، توسّعت الجماعة حين انقسمت القوات الحكومية خلال انتفاضات "الربيع العربي" ضد الرئيس اليمني آنذاك علي عبدالله صالح. فقد كان "اللواء 25 ميكانيكي" بكامله في مدينة "زنجبار" الجنوبية، وكان محاطا من قبل مقاتلي التنظيم، وبقي محاصرا حتى شهر أيلول/ سبتمبر من ذلك العام، حين أنقذه هجوم شنّته ألوية متعددة وأسقطت فيه الطائرات الأمريكية المواد اللازمة لإعادة التموين، في معركة دامت ثلاثة أسابيع وأودت بحياة 230 جنديا يمنيا.
وأكد التقرير أن الموقف نفسه تكرر إنما على نطاق أوسع في آذار/ مارس ونيسان/ أبريل 2015، حينما انهارت القوات الحكومية في وجه تقدم المتمردين الحوثيين وقوات الجيش الموالية لصالح. فما كان من خلايا تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وغيرها من القوات المحلية إلا أن استغلت الوضع واندفعت خارج مناطق دعمها في محافظة شبوة الجبلية الجنوبية لتكسب عددا من الأراضي.
وتابع التقرير قراءته للاستراتيجيات التي اتبعتها القاعدة لكسب الناس والأرض بالقول: أولا، تحالفت مع المليشيات القبلية المنضوية تحت لوائها للهجوم على قاعدة "اللواء 19 مشاة" في "شبوة" وقاعدة "اللواء 39 مدرّع" في محافظة "أبين" وقاعدة "اللواء 23 ميكانيكي" في حضرموت في الشرق. ونجحت بذلك بالاستحواذ على دبابات من طراز "ت-55" ومدفعيات "هاوترز م-46" وراجمات صواريخ كاتيوشا.
أما الأمر الثاني -بحسب التقرير- فقد أقدم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وتحالف من القبائل السلفية المحلية العاملة تحت راية "مجلس حضرموت الوطني"، على الاستحواذ رسميا على عاصمة محافظة "المكلا"، التي تعتبر مرفأ هاما وخامس أكبر مدينة في اليمن.
ونوه إلى أنه وبالإضافة إلى نهب الفرع المحلي للبنك المركزي، قام مقاتلو التنظيم بإطلاق سراح ما يزيد عن 270 معتقلا، من ضمنهم خالد باطرفي الذي تزعّم "إمارة" التنظيم عام 2012 في "أبين".
وأكد أن التنظيم عمل بعد ذلك على تعزيز موقعه عبر اجتياح عدة مواقع رئيسية تقع على مسافة خمسين كيلومترا من المدينة، وهي: قاعدة "اللواء 27 مشاة ميكانيكي"، و"قاعدة الريان الجوية" التي تعتبر مقر المنطقة العسكرية الثانية و"اللواء 190 دفاع جوي" (مما أوصل التنظيم إلى صواريخ عاملة أرض جو متوسطة الارتفاع من نوع "أس-75 دفينا")، وميناء "الضبة" النفطي في "الشحر" الذي يعدّ أهم ميناء تصدير في اليمن مرتبط بحقل "المسيلة" النفطي. وسرعان ما سلّمت قوى الجيش حقل "المسيلة" نفسه إلى المليشيات المتحالفة مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. وفي غضون ذلك، سقطت محطة "بلحاف" للغاز المسال في يد المليشيات القبلية المحلية، علما أن بعضها متحالف مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
تحدي الحكومة
وتابع التقرير بالقول إنه تحرك تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بسرعة لإقامة مناطق عمل جديدة له حول "عدن"، التي تعدّ ثاني أكبر مدينة في اليمن ومقر حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي التي أعيدت إلى الحكم. ففي آذار/ مارس 2015، وقع هجوم قام به الحوثيون ومناصرو الرئيس السابق على عبد الله صالح على المدينة، أدّى إلى إجلاء الموقع الأمريكي القريب لمكافحة الإرهاب وموقع إدارة الطائرات دون طيار في قاعدة "العند" الجوية، واستغل التنظيم الفراغ الناتج عن الاعتداء خلال الأشهر اللاحقة.
ومنذ منتصف آب/ أغسطس، يعمل مقاتلو التنظيم علنا في مناطق "التواهي" و"كريتر" و"خور مكسر" و"المنصورة" في محافظة "عدن"، كما أنهم وسّعوا رقعة انتشارهم في "البريقة" ("عدن الصغرى")؛ حيث تتواجد مصفاة التكرير ومحطة النفط الرئيسية في المدينة، واقتحموا تجارة التهريب المربحة. وفي تشرين الأول/ أكتوبر، رفع التنظيم رايته علانية فوق مخفر الشرطة في "التواهي"، في الوقت الذي وزّعت عناصره المنشورات على المتاجر المحلية و"جامعة عدن"، مطالبين بالفصل بين الجنسين. وعلاوة على ذلك، حاولوا اجتياح "المنطقة العسكرية الرابعة" في "عدن" والقصر الرئاسي في "التواهي" خلال آب/ أغسطس.
وأشار التقرير إلى أن أفرادا من "المحافظة" المحلية لتنظيم الدولة الإسلامية أقدموا على أعمال مماثلة في "عدن"، إنما على نطاق أصغر، وبطريقة فردية، (ويتجاهل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب أو يتساهل إلى حدّ كبير مع الحضور الضئيل نسبيا لمنافسه في اليمن، حتى وإن لم يخلُ ذلك من بعض الاستثناءات). فقد نفّذوا إلى جانب "دوريات فرض الأخلاق"، أربع عمليات انتحارية بالسيارات المفخخة في تشرين الأول/ أكتوبر استهدفت "فندق القصر" في "عدن"، وهو مجمّع محصّن يقع فيه المقر المحلي للتحالف الخليجي ومقر حكومة الرئيس هادي. وقد ذهب ضحية هذه الهجمات خمسة عشر جنديا من قوات التحالف.
وأكد أنه بحلول نهاية العام، كان تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بدأ حملة توسع جديدة، حيث مضى قدما نحو توطيد سيطرته على الممر الساحلي بين "عدن" و"المكلا". ففي الثاني من كانون الأول/ ديسمبر، انتقلت المليشيا القبلية "أبناء أبين" التابعة له إلى "زنجبار" و"جعار" الواقعتين على بعد خمسين كيلومترا شرق "عدن"، وأقامت حواجز تفتيش على الطريق السريع بين "عدن" و"أبين". ثم في العاشر من شباط/ فبراير، استولى التنظيم على "الحوطة" عاصمة محافظة "لحج"، وتسبب بتفريق المليشيات الموالية للحكومة، وتدمير مقر الشرطة المحلي. ونتيجة لذلك، أصبحت "عدن" محاصرة من الشمال والشرق، الأمر الذي هدد خطوط التواصل والإمدادات اللوجستية للتحالف بين المدينة و"قاعدة العند الجوية"، التي أعيد الآن فتحها.
ردود التحالف
وقال تقرير المعهد إن الاستعدادات للحملة الراهنة ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، بدأت في موعد مبكر هو نيسان/ أبريل 2015، مع بدء مفاوضات هادئة بين التحالف الخليجي والقبائل الكبرى في جنوب وشرق اليمن. وبحلول شباط/ فبراير 2016، كان التحالف قد انخرط في مساع عسكرية كبيرة لإقصاء التنظيم عن "المكلا" والممر الساحلي بين "لحج وأبين".
وقال إن وحدات من الإمارات العربية المتحدة استندت في هذه الحملة إلى الدروس المتعددة، التي تعلّمتها خلال انتشارها في الصومال وأفغانستان وليبيا، وفي "عدن"، حيث شكّل التحالف ست وحدات تتألف كلّ منها من 100 مقاتل من المقاومة المحلية، تساندها القوات الخاصة الإماراتية، فيما عملت وكالات الاستخبارات الخليجية مع السكان المحليين، لوضع لائحة بأسماء الأعضاء المستهدفين من تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وتنظيم الدولة الإسلامية.
وفي أوائل آذار/ مارس، استهدفت الضربات الجوية للتحالف قيادة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في "البريقة" وفي الأحياء الشمالية على غرار "صلاح الدين" و"الشيخ عثمان" و"المنصورة". أما في 14 آذار/ مارس، فسقطت طائرة إماراتية من نوع "ميراج 2000" في "البريقة" خلال تنفيذ غارة منخفضة فوق "عدن"، وقد أفادت بعض التقارير بأنها أُسقطت من قبل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب باستعماله "نظم الدفاع الجوي المحمولة على الكتف" من نوع "9 ك32 ستريلا".
وفي 20 آذار/ مارس، قام 600 عنصر يمني في آليات "النمر" التكتيكية المزوّدة من الإمارات بشنّ عمليات برية ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وتمكّنوا بدعم من مروحيات "الأباتشي" الإماراتية من إخلاء منطقة "المنصورة" وإخراج مقاتلي التنظيم من معقلهم في سجن "المنصورة" المركزي، ما أسفر عن مقتل ما يقدر بنحو 120 عنصرا منهم.
واستدرك التقرير بالقول: أما إلى الشرق، فخاض التحالف عملية مماثلة في "المكلا"، إنما على نطاق أكبر بكثير. فقد بدأ منذ عام يشكل بروية قوة قوامها عشرة آلاف عنصر لاستعادة المدينة، من ضمنهم نحو 4500 جندي يمني من "المنطقة العسكرية الثانية"، ونحو 1500 مقاتل قبلي من "اتحاد قبائل حضرموت"، إضافة إلى 4000 عنصر من الثوار المعادين لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب من "المكلا" نفسها.
وكما حدث في "عدن"، ساعدت هذه القوات التحالف في النهاية على وضع لائحة استهداف مفصّلة لمواقع عمليات التنظيم، التي تم استهدافها بعد ذلك بالضربات الجوية ونيران المدفعية البحرية، ابتداء من 18 نيسان/ أبريل 2016.
وفي 20 نيسان/ أبريل، قام جنود "المنطقة العسكرية الأولى"، بدعم من مروحيات الأباتشي الإماراتية، باستعادة المنشآت التابعة لشركة "المسيلة لاستكشاف وإنتاج البترول" ("بترومسيلة") على بعد 190 كلم شمال "المكلا".
ثم في 23 نيسان/ أبريل، شنّ التحالف عمليات برية لاستعادة المدينة نفسها ومينائها وقواعدها العسكرية القريبة. وفي غضون يومين من القتال العنيف، حاول تنظيم القاعدة في جزيرة العرب التصدي لقوات "المنطقة العسكرية الثانية" و"اتحاد قبائل حضرموت" لمنعها من التقدم جنوبا إلى "المكلا"، مستخدما في ذلك المواقع الدفاعية على ثلاث طرق على بعد نحو 50 كلم شمالا. بيد أن هذه العوائق مُنيت بالهزيمة، وأتيح بذلك لقوات الإغاثة الوصول إلى المقاومة المناهضة للتنظيم داخل المدينة في 25 نيسان/ أبريل، في حين نفّذت البحرية الإماراتية إنزالات مساعِدة على طول الساحل إلى جهة الشرق. وقد سقط في هذه العمليات ما يقدَّر بنحو 450 مقاتلا من عناصر التنظيم.
وأكد أنه قد جرى تعزيز الحملات المنفّذة في "المكلا" و"عدن" بجهود متابعة؛ لمنع إعادة تسلل التنظيم إليهما. وامتدّت عمليات الملاحقة إلى شرق "عدن" وغرب "المكلا"؛ لرفع يد التنظيم عن المدن والطرق الساحلية، بينما تم تكليف قوات المقاومة الداخلية بمهام الشرطة المحلية برواتب مدفوعة من قبل التحالف في الوقت الراهن.
بالإضافة إلى ذلك، وحتى قبل تحرير بعض الأحياء، استطلعت قوات التحالف سرّا الخدمات الأساسية التي تحتاج إليها المجتمعات المحلية، وبذلك مكّنتها من توزيع الطعام على الفور من المخازن وإرسال فرق إعادة الإعمار، بعد خروج تنظيم القاعدة في جزيرة العرب؛ لاستبدال أو تحسين الخدمات التي كان يوفرها التنظيم وحلفاؤه القبليون.
التداعيات على سياسة الولايات المتحدة
وقال التقرير إنه في أواخر العام المنصرم، كان من المفترض أن يقوم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بالسيطرة على ثاني وخامس أكبر مدينتين في اليمن، إلى جانب أكبر مرفأين يمنيين في المحيط الهندي ومنشآت رئيسية للطاقة. إلا أن التحالف الخليجي استبق هذه الكارثة عبر تعزيزات متبصرة وصبورة، أعقبتها عمليات عسكرية حاسمة ومتقنة.
ومنذ شباط/ فبراير، تزْعم قوات التحالف والقوات اليمنية أنها قتلت 450 عنصرا تابعا للتنظيم في "المكلا"، و120 في "عدن"، و220 في عمليات أخرى. وإذا تمكّنت هذه القوات من الحفاظ على هذا القدر من الضغط، تستطيع تحجيم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب من [إقامة] شبه حكومة على غرار تنظيم الدولة الإسلامية، وإبقائه تنظيما إرهابيا بالغ الخطورة يستدعي مراقبة مستمرة.
وأشار إلى أنه على الرغم من جميع القدرات التي يتمتع بها التحالف الخليجي، إلا أنه ربما لا يستطيع الحفاظ على المستوى الحالي من الالتزام إلى ما لا نهاية، في حين سيزداد تعقيد المهمة العسكرية المتمثلة بالضغط على تنظيم القاعدة في جزيرة العرب إذا ما تفرّق التنظيم إلى معاقله الجبلية. وكانت الولايات المتحدة قد أقرت بشنّ أربع ضربات جوية ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب منذ 23 نيسان/ أبريل، وهي تبقى الطرف الوحيد القادر على تعقّب مخيمات التنظيم الريفية واستهدافها بفعالية. كما أن الحملة ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ستستفيد أكثر إذا تم المضي قدما بمحادثات السلام المتوقفة مع الحوثيين، بما أن إنهاء الصراع يصب في مصلحة جميع الأطراف باستثناء تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.