علقت صحيفة "الغارديان في افتتاحيتها على استضافة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد
كاميرون قمة دولية لمكافحة
الفساد، التي تهدف إلى تكثيف الجهود العالمية لمحاربة الفساد في شتى مناحي الحياة.
وتقول الصحيفة: "لنتحدث بصراحة، ستعقد قمة يوم الثلاثاء في مدينة معروفة دوليا (لدى صندوق النقد الدولي وغيره)، بأنها أحد
الملاذات الضريبية، وسيستضيف القمة سياسي اعترف الشهر الماضي بأنه مستفيد من الاستثمارات في الخارج، وتمويل حزبه يأتي من شركات تستخدم الملاذات الضريبية على نطاق واسع، وليس ذلك فقط، بل إنه تدخل لمساعدة المتهربين من دفع الضرائب، نعم، يستضيف ديفيد كاميرون مؤتمرا حول الفساد".
وتضيف الافتتاحية: "رئيس الوزراء ليس فاسدا على المستوى الشخصي، لكنه متهم بنفاق يفوق الخيال، وكذلك بريطانيا والدول الغربية، التي طلبت ولعقود طويلة من الدول الفقيرة والفاشلة أن تحل مشكلات الأموال المشكوك في مصادرها، في الوقت الذي كانت تستقبل منها تلك الأموال، من خلال بنوكها ومتاجرها الفاخرة ومكاتب العقارات والملاذات الضريبية التابعة لها، دون سؤال ولا حتى إثارة شكوك".
وتشير الصحيفة إلى أنه "عندما اصطادت الكاميرا التلفزيونية كاميرون وهو يتحدث للملكة، قائلا إن (الدول الفاسدة لأبعد حدود) هي التي ستحضر القمة في لانكاستر هاوس، كان يجب عليه أن يذكر بأن أفغانستان لا تزال دولة فاشلة بعد أكثر من 13 سنة من التدخل البريطاني، وكان عليه أيضا أن يقول إن الرئيس النيجيري محمد بحيري سيأتي إلى لندن للضغط عليها لحل مشكلة الملاذات الضريبية، وفي الواقع كان بإمكان كاميرون أن يقتبس من رسالة أرسلت له قبل أسبوعين من ناشطين في نيجيريا".
وتورد الافتتاحية، التي ترجمتها "
عربي21"، عن الرسالة قولها: "بدأنا حملة على مستوى البلاد لمكافحة الفساد، لكن، وبكل أسف، ستذهب هذه الجهود سدى إذا كانت بلدان مثل بلدكم ترحب بالفاسدين ليخبئوا أموال الفساد في العقارات الراقية والمتاجر الضخمة ووكالات السيارات والمدارس الخاصة وأي مكان آخر يستقبل أموالهم دون سؤال، ودور سوق لندن العقارية في إخفاء الأموال المسروقة تم كشفه بوثائق المحاكم والتقارير والأفلام
الوثائقية وغيرها".
وتبين الصحيفة أن رئيس مجلس الشيوخ النيجيري بكولا سراكي، الذي يواجه تهما الآن بأنه لم يعلن عن ممتلكاته، بمتلك عقارات في منطقة بلغرافيا الراقية في لندن باسمه، مستدركة بأن وثائق بنما المسربة الشهر الماضي أظهرت أن العقار المجأور، الذي يبلغ ثمنه 5.7 مليون تمتلكه شركات مسجلة في جزر السيشيل وجزر فيرجين البريطانية، وتمتلك أسهم تلك الشركات زوجة سراكي ومعاونه الخاص.
وتلفت الافتتاحية إلى أن "بيتا يبلغ ثمنه 1.65 مليون جنيه إسترليني في كنزنغتون في لندن يظهر بأنه مسجل لشركة مسجلة في جزر فيرجين البريطانية، ومالك الأسهم الوحيد فيها هو المدير السابق لسلطة تسجيل السيارات في مقاطعة لاجوس فولورنشو كوكر، وهو الآن يعمل مستشارا لحاكمها، وقد لا يكون أحد من هؤلاء الأشخاص قد ارتكب أي مخالفة، لكن تهمة الناشطين للندن بأنها أصبحت تحت الحكومات المختلفة، من أيام ثاتشر إلى بلير إلى كاميرون، مركزا للمال الفاسد في العالم".
وتذكر الصحيفة أنه بحسب منظمة أوكسفام، فإن ثلث تريليونات الدولارات المختبئة في الملاذات الضريبية هي في ملاذات ضريبية مرتبطة بالمملكة المتحدة، مشيرة إلى أن هذه الملاذات تعتمد على بريطانيا لأمنها وحمايتها.
وتنوه الافتتاحية إلى أن ورقة الجنيه في جيرسي تحمل صورة الملكة والنشيد الوطني في جزر كايمان، وهو نشيد بريطانيا ذاته (God Save the Queen)، مستدركة بأن "الحكومة تتصرف وكأن تلك البلدان مستقلة، مع أن لندن سبق وأن فرضت عليها إلغاء عقوبة الإعدام وعدم تجريم المثلية الجنسية، لكنها لن تفعل ذلك فيما يتعلق بالتمويل المشتبه به، والنتيجة أن بريطانيا ستضع محل الاستخدام سجلا عاما يظهر فيها ملاك الشركات التي تعمل هناك، أما مناطق نفوذها الخارجية فلن تفعل، حيث إن جزر كايمان وغيرها تدعي بأنها لا تحتاج لمثل هذا السجل؛ لأن ما تقوم به هو عمليات تجارية قانونية تماما، فإن كان الأمر كذلك، فما هو الداعي للسرية إذن؟".
وتعلق الصحيفة بأن "هذه المراوغة تناسب كلا من البورصة والملاذات، وستبقى شركات المحاسبة ومحامو الضرائب ومديرو الاستثمارات في لندن يكسبون الأموال الطائلة على شكل رسوم، باستخدام فروع شركاتهم في الخارج لخدمة زبائنهم الساعين إلى نسب متدنية من الضرائب والسرية، وحتى عندما يكون بإمكان بريطانيا الادعاء بأن خدماتها المالية المحلية هي أنظف ما يمكن أن تكون عليه، وقليل من الناس سيسمي هذا فسادا أو نفاقا، ما دام يرتدي بزة مرتبة ويتحدث بأسلوب جيد".
وتختم "الغارديان" افتتاحيتها بالقول إنه "كما هو الحال في رواية أوسكار وايلد (ذي امبورتانس أوف بيينغ إيرنست) تقول سيسيلي لغويندولين: (ليس هذا وقت لبس قناع الأخلاق الرقيق، فعندما أرى مجرفة سأسميها مجرفة- كناية عن تسمية الأشياء بأسمائها) تأتي الإجابة: (أنا سعيدة بالقول إنني لم أر جرافة في حياتي، واضح أن دوائرنا الاجتماعية مختلفة جدا".