شهدت العاصمة
اللبنانية بيروت، ومنطقة البقاع، الأحد، أول اقتراع في البلاد منذ ست سنوات، بالتصويت في انتخابات بلدية اختيارية، ينتظر أن تمتد لمناطق لبنانية أخرى، خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
وتأتي هذه الانتخابات بعد ستة أعوام من آخر عملية اقتراع شارك فيها اللبنانيون، وفي ظل شغور موقع رئاسة الجمهورية منذ عامين.
ويتنافس في العاصمة بيروت 114 مرشحا على 24 مقعدا، ويتوقع أن تكون المعركة الأبرز بين لائحة السلطة التي اجتمعت فيها الأحزاب التقليدية، ولائحة مكونة من ناشطين معارضين للسلطة.
من جهته، قال وزير الداخلية نهاد المشنوق، بعد إقفال صناديق الاقتراع، مساء الأحد إن "اللبنانيين أثبتوا اليوم أنهم يستحقون الحرية والديمقراطية، وأنهم جاهزون للاستحقاقات المقبلة".
وكانت آخر انتخابات نيابية في لبنان جرت في السابع من حزيران/ يونيو عام 2009. وفي أيار/ مايو 2013، مدد مجلس النواب ولايته إلى تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، ثم مددها مجددا حتى 20 حزيران/ يونيو 2017، نظرا لعدم استقرار الأوضاع الأمنية في البلاد، وفق ما أعلنته الكتل النيابية المؤيدة لتأجيل الانتخابات التشريعية.
استقرار سياسي
ويرى خبراء وقانونيون أن إجراء
الانتخابات البلدية دليل على أن السياسيين يطلقون "ذرائع أمنية واهية" لتأجيل الانتخابات النيابية والرئاسية.
ويرتبط الوضع السياسي اللبناني بشكل وثيق بالوضع في المنطقة، خصوصا بالصراع الإقليمي الأوسع بين الخصمين اللدودين السعودية وإيران، ومشاركة جماعة حزب الله اللبنانية الموالية لطهران في القتال إلى جانب رئيس النظام السوري بشار الأسد، في الأزمة السورية المستمرة منذ خمس سنوات.
وأثار الصراع الإقليمي مخاوف من زعزعة استقرار لبنان السياسي والاقتصادي، عبر تفاقم التوترات بين السنة والشيعة.
ويسيطر على لبنان إلى جانب الاضطرابات الإقليمية، شلل كامل على سلطات الدولة ومؤسساتها، وبدأ يمتد مؤخرا إلى اقتصادها، وسط خلافات عميقة بين أحزابها السياسية المدعومة من الدول الإقليمية المتنازعة.
وقال وزير الداخلية إن "الانتخابات الأولى التي يجب أن تجرى في لبنان لاكتمال النصاب السياسي للنظام اللبناني هي رئاسة الجمهورية، بعدها تتم الانتخابات النيابية، وأي كلام آخر هو كلام لفتح مشكلة، وليس لتحقيق نتيجة".
ويصر بعض السياسيين على إجراء انتخابات نيابية بناء على قانون انتخابي جديد قبل انتخاب رئيس جديد للبلاد، وهو المقعد الشاغر منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان في أيار/ مايو عام 2014.
وكشف المشنوق أن "النسب المتدنية هي فقط في بيروت، وليس أكثر من بيروت. وهي أقل بقليل من عشرين في المئة.. في زحلة (شرق البلاد) النسبة حوالي 40 في المئة، وفي القرى هناك نسبة 60. أما في بعلبك فحظيت بنسبة عالية جدا، وفي قرى محافظة البقاع أستطيع أن أؤكد أن نسبة التصويت فيها عالية".
المتنافسون في الانتخابات
وتنافست في بيروت لائحتان كاملتان على 24 مقعدا في المجلس البلدي موزعة مناصفة بين المسيحيين والمسلمين.
وطرحت حركة لبنانية جديدة تسمى "بيروت مدينتي" نفسها منافسا جديا في الفوز في الانتخابات البلدية، مستفيدة من حالة الاستياء من الحكم الفاشل في محاولة غير مسبوقة لإضعاف قبضة الأحزاب الطائفية.
وعملت لائحة "بيروت مدينتي" على جذب الناخبين الغاضبين من تدهور عاصمة كانت تعرف بباريس الشرق، ولكن الآن تهيمن عليها رائحة النفايات إلى جانب مشاكل أخرى.
وواجهت اللائحة التي تضم مجموعة من الأكاديميين والفنانين، من بينهم مخرجة سينمائية شهيرة ومغن معروف ورئيس تعاونية الصيادين، مهمة شاقة في مواجهة تحالف يضم جماعات سنية وشيعية ومسيحية.
وفاة أحد الفائزين
وفي الأثناء، توفي المختار حسن محمد شعيتو، الفائز في إحدى بلدات البقاع اللبنانية، بالانتخابات البلدية وذلك بنوبة قلبية، بعد إعلان فوزه على منافسه، بحسب مصدر طبي.
وقال المصدر إن "المختار شعيتو، توفي بنوبة قلبية، بعد إعلان فوزه على منافسه عبد الكريم حرموش، في بلدة عيناتا البقاعيّة".
عملية الاقتراع
وكانت صناديق الاقتراع فُتحت في محافظة بيروت في السابعة صباحا بالتوقيت المحلي (4:00 بتوقيت غرينتش)، أمام الناخبين الذين بلغ عددهم 467 ألفا و21 ناخبا لانتخاب 24 عضوا في مجلس البلدية من أصل 95 مرشحا بينهم 19 سيدة، إلى جانب انتخاب 108 مخاتير من أصل 211 مرشحا بينهم ثماني سيدات.
وشهدت الكثير من مراكز الاقتراع في محافظة بيروت إقبالا ضعيفا من قبل الناخبين، في حين شهد عدد قليل من المراكز مشادات بين مندوبي المرشحين، عملت القوى الأمنية على تطويقها وحلها على الفور.
وفُتحت صناديق الاقتراع، في محافظة البقاع في السابعة صباحا بالتوقيت المحلي (4:00 بتوقيت غرينتش)، أمام الناخبين الذين بلغ عددهم 610 آلاف و415 ناخبا، قبل أن تغلق مساء.
وفي الساعة ذاتها، فتحت صناديق الاقتراع في محافظة بعلبك الهرمل، أمام الناخبين الذي بلغ عددهم 303 آلاف و102 لاختيار 58 مجلسا بلديا، بعد فوز 16 بلدية بالتزكية، وانتخاب 203 مخاتير بعد فوز 72 مختارا بالتزكية.
وتجرى الانتخابات البلدية والاختيارية في محافظة جبل لبنان الأحد المقبل الموافق 15 أيار/ مايو الجاري، وتجرى في محافظتي لبنان الجنوبي والنبطية الأحد الذي يليه 22 أيار/ مايو الجاري، على أن تختتم العملية في محافظتي لبنان الشمالي (طرابلس) وعكار الأحد الموافق 29 من الشهر الجاري أيضا، ليكون العدد الإجمالي للبلديات المنتخبة في كل لبنان 1027، والمخاتير 2500.
الانتخابات في الصحافة اللبنانية
من جهتها، أشارت صحيفة "النهار" اللبنانية إلى أن المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية والاختيارية ينظر إليها على أنها تشكل مفتاحا لاستحقاقات أخرى مؤجلة أبرزها الانتخابات الرئاسية ثم النيابية، إلا أنها قالت إن هذا التفاؤل يذهب هباء بعدما تبين أن السلطة السياسية مررت استحقاقا ينفس الاحتقان، ويعيد إظهار وجه من وجوه الديموقراطية التي تضمحل شيئا فشيئا..
وعللت "النهار" ذلك بالقول، إن للعوامل العائلية والعشائرية والمصلحية الضيقة أثرها البارز في الاختيار على الصعيد البلدي الذي تتراجع فيه الخيارات السياسية إلى حدها الأدنى.
وقرأت ما يحصل في لبنان من استحقاقات انتخابية من منظر سلبي، موضحة أن الانتخابات الرئاسية صارت مرتبطة بارتباط الأفرقاء بصراعات المنطقة والمحاور وحسابات الدول ومصالحها، ومثلها الانتخابات النيابية التي أراح تأجيلها النواب من الأعباء المعنوية والمادية للاستحقاق في ظل الأزمات المالية والعسكرية التي يعانيها أكثر من طرف.
وقالت إن اللائحتين المتنافستين "البيارتة" و"بيروت مدينتي" في العاصمة اللبنانية، عجزتا عن جذب أعداد إضافية من المقترعين..
وقالت إن "تعداد المقترعين كشف مدى قرف الناس من تلك الحروب العبثية على حد قول مواطنين عبروا عن آرائهم وقرروا عدم المشاركة، في مقابل مشكلة المجنسين المتجددة، التي تطل برأسها عند كل منعطف انتخابي".
وأضافت أن حزب الله اعتمد في "زحلة" توزيع أصواته على اللوائح الثلاث المتنافسة، في سابقة حاول من خلالها إرضاء الجميع دون استعداء أحد، فيما حسمت "حركة أمل" خيارها إلى جانب اللائحة التي يدعمها النائب نقولا فتوش، في انفصال عن الحزب، وهو المشهد الذي سيتكرر في الانتخابات النيابية الفرعية في جزين، حيث يدعم الحزب مرشح "التيار الوطني الحر"، فيما تدعم الحركة المرشح بيار سمير عازار، وفق قولها.
ولفتت إلى تقدم لائحة "البيارتة" في العاصمة بيروت، "ليس بعدد الأصوات، وإنما بحيازتها المقاعد الـ24، استنادا إلى مصادرها، دون أي خرق من اللائحة المنافسة التي نالت تعاطفا جماهيريا لم يتجسد في صناديق الاقتراع".
واعتبرت "وكالة الصحافة الفرنسية" في تقرير لها أن "بيروت مدينتي" تعد نموذجا جديدا من نوعه في لبنان، يتحدى الاصطفافات السياسية والطائفية.
واحتفل أنصار "البيارتة" ليل الأحد في محيط "بيت الوسط"، حيث شاركهم الرئيس سعد الحريري والتقط معهم الصور التذكارية. ونقلت أوساطه استياءه من حجم المشاركة في بيروت.
وذهبت صحيفة "الأخبار" اللبنانية إلى أن "الحريري ربح بلديّة وخسر الناس"، وذلك وفق ما ذكرته في أحد عناوين صفحاتها، وقالت إنه "فوز بطعم الهزيمة".
وأوضحت أن التيار جمع كل حلفائه، وجزءا كبيرا من خصومه، لخوض معركة في العاصمة. لكنهم جميعا لم يتمكنوا من حشد أكثر من 20 في المئة من الأصوات.