خرج علينا قائد الانقلاب السيسي في خطابه الأخير في افتتاح موسم حصاد القمح في واحة الفرافرة، معلنا عن بدء الحصاد للقمح، أفصح السيسي عن المشروعات الكبرى التي ستنقل
مصر إلى مرحلة النجاج المبهر التي تدفع أهل الشر إلى الكيد أكثر، فقد ردد بأن "كل ما تنجحوا أكتر أهل الشر هيدورا على مكايد أكتر". والحقيقة أن السيسي هو كفيل وحده بتدمير نفسه ومن ورائه الجيش وداعموه دون الحاجة إلى أهل الشر.
قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي أوضح أنه مهتم بزراعة القمح، إلا أن هذا كله حبر على ورق، لا قيمة له؛ ففي محافظات مصر يتجمهر الفلاحون وتتكدس شاحناتهم محملة بالقمح لتسليمها للحكومة، والحكومة ترفض أن تستلمها منهم، هل رأيتم أكثر من ذلك تحفيزا للإنتاج؟ الدولة هي الأولى في العالم في استيراد القمح، هل رأيت سياسات السيسي التي فتحت أبواب الاستيراد على مصراعية للقمح وتريد أن تعاقب الفلاح الذى أنتج القمح حتى لا يعاود الكرة مرة أخرى وينتج ثانية. إن الحجة التي تمتنع الحكومة بها عن الاستلام، مردها إلى خلاف بين وزارة الزراعة والتموين في أن الثانية شجعت على الاستيراد، ويقوم التجار بالاحتيال ويخلطون القمح المستورد بالقمح المحلي للاستفادة من دعم القمح المحلي، هل هناك فساد ذمم أكبر من ذلك؟
مشروعات الاستصلاح الزراعي في الأراضي الجديدة التي بشر بها السيسي المصريين بأنه سيستصلح مليون وخمسمائة فدان، وأنه انتهى بالفعل من 400 ألف فدان، ولم ير المصريون مزروعات ولا إنتاج 400 ألف فدان، ولم ير المصريون انخفاضا في أسعار السلع الزراعية كالقمح أو الذرة أو الأرز، أو حتى الخضروات والفاكهة، فأسعار الأرز في تزايد وأسعار الفواكه والخضروات في تزايد هي الأخرى.
والواقع أن منظمة الأغذية والزراعة قد أعلنت أن أسعار السلع الزراعية مازالت تنخفض في العام الثاني على التوالي، وقد انخفضت في أبريل الماضي بنسة 15 % مرة أخرى، أما الأسعار في مصر، فتأخذ في التزايد، وليس لها تفسير إلا بزيادة الطلب وانخفاض العرض، إذا الأرقام التي أعلن عنها السيسي محل شك كبير وهذا هو أحسن الظن، أما بعض الظن وليس كل الظن إثم، فإن السيسي يخادع في بياناته حتى يبين أنه قد توسع في الإنتاج والعرض من السلع والخدمات، ولكن الواقع يكذب ذلك تماما.
أما مشروع الدولة الذي أعلن عنه السيسي مشروع دولة، ولا أعلم كيف لدولة أنْ تدعي أن أحد مشروعاتها الكبرى، مشروع المزارع السمكية، في بلد كل حدودها الشرقية والشمالية شواطئ للبحار، سواء البحر الأبيض المتوسط أو البحر الأحمر، فضلا عن مياة النيل أو بحيرة ناصر. ولم يحدثنا السيسي لماذا لا نمتلك أسطولا بحريا للصيد بدلا من أن نمتلك أسطولا من حاملات الطائرات الفرنسية، التي لم ولن نستخدمها من قبل ولا من بعد، بدلا من القبض على صيادنا كل يوم في دولة من دول الجوار جراء الاعتداء على المياة الإقليمية لهذه الدول، والصيد لم يعد حرفة كما كانت من قبل، أو كما تتم في مصر في الوقت الراهن، فقد أصبح الصيد صناعة فيها التقنيات الحديثة كافة، التي تمكن من الحصول على أكبر عائد من عملية الصيد، وأكبر مثال على ذلك هو مورتينيا ذات الإمكانات الضئيلة، لكنها تعد من أكبر الدول في العالم في تصدير الأسماك، فالسيسي قد أفصح بأن الجيش هو الذي يقوم على المزارع السمكية، وهو بذلك يهدر قوى السوق من طلب وعرض، ويهدر أيضا قيم التنافسية في المجتمع، ويبقى الاحتكار في يد الجيش، مما سيؤدى إلى سوء استخدام الموارد وارتفاع الأسعار، وسوء في الخدمة أو المنتج المقدم، وأكبر مثل على ذلك هو الثروة السمكية الضخمة في بحيرة ناصر؛ فالدولة تفرض أسعارا إجبارية على الصيادين من البحيرة، تحصل على السمك منهم بسعر وتبيعه الحكومة بسعر أعلى كثيرا من السعر المورد، وبذا تعمل الحكومة على تدمير قوى السوق ومن ثم قوى الإنتاج.
أما الطامة الكبرى، فإن السيسي يقول وبالحرف الواحد ودون تجريح بأحد، إن الحكومه وموظفيها فسدة وتحتاج الإجراءات إلى مدة طويلة، وهذا يعني أن السيسي يعتبر أن الجيش هو السند الأول له، حتى يزيد من بقائه في السلطة.
أما المشروع الأخير، فهو مشروعه الخاص بتحلية وتنقية المياة الذي يريد أن يبلغ طاقتها القصوى إلى 3.6 مليار متر مكعب، وهو يعني اعترافا صريحا بأننا أصبحنا أمام شح مائي حقيقي، وأن سد النهضة أصبح حقيقة واقعة لا مراء فيها، وأنه على المصريين الاستعداد لأيام صعبة، فسوف يكون هناك عجز في مياة الشرب والزراعة.
إن السيسي قد باع الوهم للمصريين وسيحصد الناس من وراء مشروعاته علقما مرا لهم ولأولادهم، طالما اتبعوا رجلا بلا حساب وبلا عقاب ولم يتعلموا من رئيس تركوا له الحبل على الغارب 30 عاما، فربما أهل الشر يعيدون الخير إلى هذا البلد المنكوب من كل حدب وصوب.