نشرت صحيفة "جيوبوليتيكا" الروسية تقريرا؛ حول الأحداث الأخيرة في بحر
البلطيق، التي قد تؤدي إلى مأساة عالمية، وإلى المزيد من التصعيد والتوتر بين موسكو وواشنطن.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "
عربي21"، إن حوادث الطائرات فوق البحر، والتحليق فوق السفن الحربية، هي جزء لا يتجزأ من حرب باردة ظهرت ملامحها بشكل كبير في السنوات الأخيرة.
وقالت الصحيفة نقلا عن متحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية إنّ "ما يحدث في المنطقة يعتبر أمرا خطيرا وغير مهني"، واعتبر أن "الاعتراض الجوي قد يسبب أضرارا جسيمة لأفراد الطاقم، ويمكن لتصرفات الطيارين أن تسبب توترا غير ضروري بين البلدين".
وفي المقابل، نقلت الصحيفة عن المسؤول في وزارة الدفاع الروسية، الجنرال إيجور كوناشنكوف، أن "طائرات التجسس الأمريكية تحاول بانتظام التسلل إلى الحدود الروسية"، وأنّ موسكو بدأت تعتاد على الإساءة من طرف وزارة الدفاع الأمريكية، وعلى مزاعمها بأن مناورات العسكريين الروس غير مهنية.
وذكرت القيادة الأمريكية في المحيط الهادي أن طائرات مقاتلة روسية من نوع "سو-27"، اعترضت طائرات الاستطلاع الأمريكية من نوع "آر سي 135" على بعد 15 مترا قرب جزيرة كامتشاتكا، وقد رأى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أن هذا الأمر "خطير واستفزازي". أما كوناشنكوف فقد اعتبر أنه "تدريب روتيني فوق المياه الدولية لبحر البلطيق".
وقالت الصحيفة نقلا عن رئيس هيئة الأركان الأمريكية، الجنرال جوزيف دانفورد، أن "تحليق الطائرات الروسية فوق السفن الأمريكية قد يؤدي، عاجلا أم آجلا، إلى صدامات غير مقصودة".
ورأت الصحيفة أن أسباب تفاقم الوضع الحالي تعود إلى عدم التزام الولايات المتحدة بعدم نشر قوات عسكرية كبيرة في أوروبا الشرقية، في الوقت الذي لم تتسامح فيه
روسيا مع أي عمليات تهدد مناطق نفوذها، لأنها تدرك أن ما يحدث مجرد لعبة أعصاب تقوم بها الولايات المتحدة وحلفاؤها.
ورأت الصحيفة أن هناك إمكانية لأن تقوم روسيا بدفع الولايات المتحدة للتراجع، كما حصل في عام 2008، حين وجهت موسكو ردا صارما ضد القوات الأمريكية، إثر نشر واشنطن درعا صاروخيا في أوسيتيا الجنوبية.
وقالت الصحيفة إن الولايات المتحدة تلجأ عادة إلى المفاوضات في كل مناسبة يبدو فيها الأمر متجها للتصعيد مع روسيا، بهدف تحقيق انتصارات دبلوماسية تغطي على هزائمها الميدانية.
وذكرت الصحيفة الروسية أنّ تعدد الحوادث الجوية يمكن أن يتحول إلى صدام عنيف. وإذا بلغت المواجهة هذه المرحلة، فإنّ ذلك سيؤدي إلى سقوط ضحايا حقيقيين، وستكون كل الاتفاقيات القائمة بين روسيا والولايات المتحدة دون فائدة، مما قد يؤدي إلى أزمة دبلوماسية خطيرة.
وذكرت الصحيفة أن مثل هذا السيناريو يقلق الأمريكيين بقدر ما يقلق الروس، لأنه سيتسبب في انهيار النظام العالمي، وبالتالي ستفقد الولايات المتحدة دورها القيادي. ومن المرجح في هذه الحالة، أن تبحث واشنطن عن لاعب إقليمي ليخوض الحرب نيابة عنها ضد روسيا.
وأضافت الصحيفة أن العلاقات بين الولايات المتحدة وأوكرانيا شهدت تغيرات عدة، لذلك دفع هذا الفتور بواشنطن للبحث عن حليف آخر يتمتع بقدرات عسكرية أكبر، مثل تركيا.
وأضافت الصحيفة أن روسيا كانت تسعى منذ سنة 1991 إلى إيجاد حل لهذا الصراع الإقليمي، إلا أن الأمريكيين لم يوافقوا حتى الآن على تقديم أي شكل من أشكال التنازل، ولذلك فإن التطورات الحالية هي نتيجة لسياسة خارجية غير متناسقة بين البلدين.
وأضافت الصحيفة أن دول
الناتو تعتزم قريبا إرسال نحو أربعة آلاف جندي إلى بولندا ودول البلطيق، لتأمين الحدود الشرقية للحلف. ومن المتوقع أن توفر الولايات المتحدة كتيبتين، بالإضافة إلى المملكة المتحدة وألمانيا.
وتثبت هذه التطورات أن المواجهة في منطقة البلطيق تتجه نحو التصعيد. ولذلك، فإن كثافة العمليات الجوية التي تقوم بها الطائرات العسكرية التابعة للولايات المتحدة بالقرب من الحدود الروسية ستزداد، وستتضاعف معها إمكانية التصادم مع الطائرات الروسية، كما تقول الصحيفة.
واعتبرت الصحيفة أن مثل هذه الحوادث الخطيرة كانت أكثر عنفا خلال تجربة الحرب الباردة، ففي أيار/ مايو عام 1968، حيث كانت الطائرات الروسية تحلق فوق حاملة الطائرات الأمريكية "إسيكس" على ارتفاع منخفض، وقتلت ثمانية أشخاص من فوج الاستطلاع في أسطول الشمال في بحر النرويج.
أما الولايات المتحدة فقد وجهت في نيسان/ أبريل من عام 1983، غارات وهمية من حاملة الطائرات في منطقة الجزيرة الخضراء، اخترقت المجال الجوي السوفييتي بعمق 30 كيلومترا. ولكن نظام الدفاع الجوي السوفيتي رصد الاختراق الأمريكي، دون اعتراضه لمنع تفاقم الوضع.
وأثبتت الحوادث الماضية بين روسيا والغرب أن موسكو تبدو أقل تسامحا في التعامل مع هذه الحوادث، إلا أن التفاوض مع الدول الغربية أصبح مهمة أكثر صعوبة مما كانت عليه قبل عشرات السنين.
وفي الختام، قالت الصحيفة إن المستوى الحالي للمواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا من الممكن أن يستمر عاما آخر أو عامين على الأقل، ويمكن لهذا
التوتر أن يشهد نقلة نوعية قد تؤدي إلى عواقب وخيمة في ظل الظروف الراهنة.