يمر البرلمان
العراقي الآن بمرحلة اهتزاز وانهيار. ففي منتصف الشهر الحالي، حدثت ضجة برلمانية كبيرة تمثلت في اجتماع أكثر من مائة نائب، واتفاقهم على إقالة هيئة رئاسة البرلمان المتمثلة في رئيس المجلس سليم الجبوري ونائبيه. ومنذ تلك اللحظة، دخلت العملية السياسية -بشقيها البرلماني والتنفيذي- في نفق جديد لم يكن في حسابات أي متابع للشأن السياسي العراقي المتقلب.
حجج الذين أقالوا الجبوري ونائبيه أنهم لم يقدموا "الكابينة" الحكومية الجديدة التي قدمها رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي للبرلمانيين، وأن الجبوري اجتهد وأجل جلسة التصويت. وهناك من يقول إن الجبوري وقع على وثيقة شرف مع زعماء الكتل من دون الرجوع للمجلس. والواقع أن هذا العذر لا يمكن أن يكون كافياً لهذه الضجة التي خلطت الأوراق المخلوطة أصلاً، والنظام الداخلي للبرلمان لا يسعف المعتصمين في إقامة الحجة لخطوتهم غير البريئة.
حجة البرلمانيين المعتصمين تذكرنا بقصة جحا الذي قيل إنه أُرسل معه 100 خروف ليوصلها إلى أحد التجار، وفي الطريق ذبح خروفاً وأكل منه. وحينما وصل إلى التاجر قيل له إن هناك خروفاً ناقصاً، وهذه 99 خروفاً، فقال لا بل هي 100 خروف. وحينما عجزوا عن إقناعه جاؤوا بمائة رجل، وكل شخص أعطوه خروفاً وبقي الشخص الأخير من دون خروف، حينها قال جحا: هو لا يمتلك الشجاعة لامتلاك خروف مثل أصحابه!
مجمل حكاية البرلمانيين المعتصمين أنهم أرادوا حجة -تماماً مثل حجا- لاستخدامها ضد الجبوري، ووجدوا هذه الحكاية لتغيير مسار المشكلة في العراق. ذلك أن أساس الموضوع أن هناك مطالب جماهيرية بضرورة إجراء إصلاحات في مجمل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، وهذا من اختصاص الجهة التنفيذية، المتمثلة برئيس الحكومة حيدر العبادي، وفي لحظة تغيرت البوصلة وصارت الكرة في ملعب الجبوري بدلاً من ملعب العبادي.
المعضلة الآن -كما يقول بعض القانونيين- هي هل أن البرلمان الذي ربما سيعقد يوم الثلاثاء المقبل، سيصوت على إقالة سليم الجبوري، أم سيصوت على إلغاء القرار السابق الخاص بالإقالة؟ ذلك أن تصويت البرلمان على الإقالة يعني أن الجبوري ما يزال رئيساً للبرلمان باعتبار أن القرار السابق غير دستوري، أما إذا كان تصويت البرلمان على إلغاء قرار الإقالة الصادر سابقاً فإن ذلك يعني أن الإقالة دستورية وقانونية.
وعليه، أظن أن من يمتلك الحق القانوني عليه أن يذهب للمحكمة الاتحادية، لأن النواب المعتصمين يدعون أنهم أكثر من 170 نائباً، بينما يقول مكتب الجبوري إنهم أقل من 130 نائباً. والأولى سلوك السبل القانونية، وعدم افتعال الأزمات والوقوف على خشبة المسرح البرلماني لإظهار القدرات الخطابية.
هذا التكتيك غير البريء سيساهم في تعقيد المشهد العراقي المركب أصلاً، لأن افتعال الأزمات مع الجهة التشريعية يعني إجهاضا لدور أهم حلقة من حلقات إقرار الإصلاحات، وهو البرلمان، الذي يرفض أو يوافق على "الكابينة" الوزارية الجديدة، المتفق على تقديمها من قبل العبادي. وعليه، فإن البرلمانيين المعتصمين ساهموا في تعقيد المشكلة وإنقاذ العبادي من مأزق حكومة التكنوقراط التي ينادون بها.
وهذا يثير الكثير من الشكوك والكثير من علامات الاستفهام والتعجب حول النوايا الحقيقية لهؤلاء البرلمانيين؛ هل الأمر خطوة لإنقاذ العبادي، وبالنتيجة التحالف الوطني الشيعي من مأزق تقديم وزراء تكنوقراط مستقلين؟! أم هو محاولة لتأخير ثورة شعبية محتملة ضد فشل غالبية المساهمين في اللعبة السياسية وبالذات من التحالف الوطني؟ أم هو اتفاق بين حزب الدعوة وأطراف غير ظاهرة لخلط الأوراق والسيطرة على الحكم بعد إعلان حالة الطوارئ في البلاد؟
هذه الاحتمالات وغيرها تدفعنا إلى التشكيك بنوايا غالبية المعتصمين، لأنهم لو كانوا حريصين على وحدة البلاد لصبروا وأتموا جلسة البرلمان التي دعا إليها الرئيس فؤاد معصوم، ولم تدم أكثر من ثلاث دقائق. ثم لماذا قدموا عدنان الجنابي رئيس البرلمان البديل، وكان باستطاعتهم خلال الجلسة ذاتها الدعوة لانتخاب مجلس رئاسة جديد؟ هل يمكنهم تفسير صعود الجنابي لمنصة الرئاسة وإنهاء الجلسة بدقائق، أم أن هناك أمراً ما خلف الكواليس؟!
(عن صحيفة الغد الأردنية – 26 نيسان/ أبريل 2016)