توجه البابا فرنسيس صباح السبت، إلى جزيرة ليسبوس اليونانية، بوابة دخول المهاجرين إلى أوروبا، في زيارة تستغرق بضع ساعات، لتوجيه رسالة تضامن مع المهاجرين لم تجد إلى الآن آذانا صاغية حتى لدى الكاثوليك.
وأقلعت طائرة البابا صباحا من مطار فيوميتشينو في روما، متوجهة إلى ميتيلين، كبرى مدن الجزيرة اليونانية، حيث استقبله رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس، وبطريرك القسطنطينية برثلماوس ورئيس أساقفة أثينا أيرونيموس.
وقال البابا لوسائل الإعلام خلال الرحلة: "إنها رحلة مختلفة قليلا عن الرحلات الأخرى. إنها رحلة يشوبها الحزن، فنحن سنواجه أسوأ كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية".
وتوجه البابا مع مضيفيه في حافلة صغيرة إلى مركز موريا لتسجيل اللاجئين، المخيم الواقع وسط تلال مزورعة بأشجار الزيتون، ويضم نحو ثلاثة آلاف مهاجر يقيمون في ظروف سيئة، كما ذكرت المنظمات الإنسانية التي تعمل هناك.
والمهاجرون الذين وصلوا إلى هذا المخيم بعد دخول الاتفاق بين تركيا والاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ في 20 آذار/ مارس، سوف يبعدون ما لم يتم قبول طلباتهم للجوء إلى اليونان.
وفي العام الماضي، عبر أكثر من نصف مليون مهاجر جزيرة ليسبوس. وشهدت الجزيرة هذه السنة حتى الآن وصول حوالي 90 ألف شخص يشكل الأطفال أكثر من ثلثهم، كما تقول الأمم المتحدة.
وسيلتقي رجال الدين الثلاثة في المخيم، بعشرات القاصرين الذين وصلوا بدون أن يرافقهم بالغون، ثم يتوجهون إلى حاوية مجهزة، وهي واحدة من الحاويات المعدنية التي تشكل أبرز أماكن الاستضافة في المخيم، لتناول الغداء مع ثمانية مهاجرين وثلاثة مترجمين.
"لستم وحدكم"
ودعا البابا
المهاجرين العالقين، الذين يبلغ عددهم ثلاثة آلاف لاجئ، في مخيم موريا بجزيرة ليسبوس
اليوناني، إلى عدم فقدان "الأمل"، مؤكدا لهم أنهم ليسوا "وحدهم"، وحض العالم على التعامل معهم بطريقة "تليق بالكرامة".
وقال الحبر الأعظم لهؤلاء المهاجرين الذين وصلوا إلى ليسبوس بعد دخول الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا حيز التطبيق والذين قد يتعرضون بالتالي للإبعاد، "أصدقائي الأعزاء، أريد أن اقول لكم إنكم لستم وحدكم... لا تفقدوا الأمل"، مضيفا: "جئت إلى هنا، حتى أكون معكم وأستمع إلى قصصكم، وأطالب العالم بأن يولي هذه الأزمة الإنسانية الخطيرة اهتماما وأتمنى إيجاد حل لها".
وشدد البابا على القول "نأمل في أن يولي العالم اهتماما لهذه الأوضاع المأساوية واليائسة فعلا، وأن يتعامل معها بطريقة تليق بإنسانيتنا المشتركة".
وأوضح البابا أن "الله خلق الجنس البشري حتى يشكل عائلة واحدة. وإذا ما تألم أحد إخوتنا أو إحدى أخواتنا، نتأثر جميعا"، داعيا بقوله: "فليهب جميع إخوتنا وأخواتنا في هذه القارة، على غرار السامري الصالح، للمساعدة بهذه الروح من الإخوة والتضامن والاحترام للكرامة البشرية التي طبعت تاريخها الطويل"، في انتقاد مبطن لعزم السلطات الأوروبية على إعادة هؤلاء المهاجرين إلى تركيا.
ثم دعا
البابا فرنسيس وبطريرك القسطنطينية بارثولوميو ورئيس أساقفة أثينا ايرونيموس، في بيان مشترك، العالم إلى التحلي بـ"الشجاعة" لمواجهة "الأزمة الإنسانية الهائلة" للمهاجرين.
وأضافوا "من ليسبوس، ندعو المجموعة الدولية إلى التعامل بشجاعة مع هذه الأزمة الإنسانية الكثيفة وأسبابها الخفية، عبر مبادرات دبلوماسية وإنسانية وخيرية، من خلال جهود منسقة، في الشرق الأوسط كما في أوروبا".
ومع إقرارهم بـ"الجهود المبذولة حتى الآن لمساعدة اللاجئين والمهاجرين وطالبي
اللجوء"، طالبوا بـ"توافق دولي عاجل أوسع وببرنامج مساعدة للحفاظ على سيادة القانون والدفاع عن الحقوق الإنسانية الأساسية في هذا الوضع غير المحتمل، وحماية الأقليات والتصدي للاتجار بالبشر وللمهربين، وقطع الطرق المحفوفة بالمخاطر كتلك التي تعبر بحر إيجه ومجمل انحاء البحر المتوسط، ولتطوير إجراءات آمنة لإعادة توزيعهم".
وكان المسؤولون الدينيون الثلاثة التقوا مئات المهاجرين وعانقوا أطفالا وتسلموا منهم رسوما واستمعوا إلى شكاواهم.
وسيتناولون الغداء مع مجموعة صغيرة من المهاجرين ثم يتوجهون إلى مطار ميتيلين، كبرى مدن الجزيرة.
إنسانية وليست سياسية
وسينتهي هذا اللقاء المقتضب بصلاة على أرواح ضحايا الهجرة الذين سيلقي كل من المسؤولين الدينيين الثلاثة إكليل ورود في البحر المتوسط من أجلهم.
وقال المتحدث باسم الفاتيكان فيديريكو لومباردي: "إنها زيارة إنسانية ومسكونية وليست سياسية".
وباستثناء طلاء بعض الجدران في مخيم موريا، فإنه لم يتم تغيير أي شيء من أجل الزيارة في ليسبوس. وقال ناطق باسم رئيس البلدية ماريوس أندريوتيس: "قمنا ببعض أعمال التنظيف فقط لتحسين صورة المدينة"، مؤكدا أنهم "يريدون أن يكون كل شيء بسيطا".
وعبر البعض عن الأمل في أن يدين الحبر الأعظم الاتفاق بين تركيا والاتحاد الأوروبي الذي يهدف إلى وقف تدفق اللاجئين على أوروبا، ويعرض الوحدة الأوروبية لتجربة قاسية.
وكان البابا زار بعد أشهر على انتخابه حبرا أعظم، جزيرة لامبيدوسا الإيطالية التي كانت المدخل الرئيس للمهاجرين إلى أوروبا، ليدين "عولمة عدم الاكتراث" بغرقى الزوارق.
ودعا البابا في الخريف، مع بدء تشديد القيود في وسط أوروبا لوقف تدفق اللاجئين، كل أبرشية في القارة إلى استقبال عائلة من المهاجرين، ورفض بشكل قاطع التمييز بين الذين يهربون من العنف والذين يفرون بسبب البؤس.
لكن رسالة البابا تصطدم بحركات معاداة الأجانب المتصاعدة في أوروبا، وبتحفظ عدد من المسيحيين على تدفق المسلمين.