كتب محمد السعيد إدريس: يبدو أن النتائج الأولية المعلنة للانتخابات
الإيرانية التي أجريت يوم 26 شباط/ فبراير الماضي (انتخابات مجلس الشورى "البرلمان" ومجلس خبراء القيادة) قد حفزت تيار الإصلاحيين العائد بقوة إلى البرلمان ومجلس خبراء القيادة متحالفا مع تيار المعتدلين (تيار
رفسنجاني- حسن روحاني) على التعجيل بإعلان تمرده على السياسات العامة في الدولة لدرجة الاقتراب من "مناطحة" توجهات المرشد الأعلى نفسه؛ فلم تمض سوى ساعات قليلة على فوزهم المثير في تلك الانتخابات حتى سارعوا إلى شن هجوم كاسح على المحافظين، لدرجة أنهم وصفوا نتيجة الانتخابات التي أنهت سيطرة المحافظين على البرلمان وأبعدت الكثير من رموزهم بأنها "تنظيف البرلمان".
مؤشرات المواجهة تلك ظهرت بقوة قبيل الانتخابات وعلى لسان هاشمي رفسنجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام رئيس إيران الأسبق الذي بادر إلى إعلان ترشيح نفسه لعضوية مجلس خبراء القيادة ومدعما ترشيح حسن الخميني حفيد الإمام الخميني لعضوية المجلس ذاته في رسالة مهمة إلى شخص المرشد المتحفز لمن سوف ينتخبون لعضوية مجلس خبراء القيادة وهو المجلس الذي سيكون معنيا باختيار المرشد الجديد لإيران.
رفسنجاني لم يكتف بذلك، لكنه تعمد أن يشن هجوما مكثفا على عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، وهو ما اعتبره المراقبون "تسخينا مبكرا لمعركة الانتخابات"، وفي مسار خوض هذه المعركة تعمد رفسنجاني فتح ملف أزمة "القوميات" الإيرانية غير الفارسية في تحد آخر لسياسة الدولة، وفي مسعى لاستمالة تلك القوميات لدعم طموحاته غير المعلنة إزاء موقع المرشد الأعلى، وعلى رأس تلك القوميات أبناء "القومية العربية" في إقليم "الأحواز" مطالبا بحل المشكلات التي يعانيها عرب الأحواز، خاصة مشاكل البطالة والتلوث، لكن رفسنجاني تجاوز كل الحدود المتعارف عليها في المنافسات الانتخابية بل والصراعات السياسية داخل إيران، عندما دفع بنفسه في صراع مباشر مع المرشد الأعلى على
خامنئي عبر وسيلتين:
الأولى، فتح ملف "ولاية الفقيه" وتجديد دعوة قديمة تزعمها عام 2009 في بداية أحداث ما عُرف بـ "الثورة الخضراء" التي تفجرت عقب إعلان فوز الرئيس السابق نجاد بولاية رئاسية ثانية ضد منافسه الرئيس مير حسين موسوي رئيس الوزراء السابق، وهي دعوة "الولاية الجماعية". فعندما كشف المرشد الأعلى عن انحيازه لفوز نجاد وتورط في القيام بإعلان هذا الفوز قبل أن تعلنه وتؤكده المؤسسات المعنية بذلك، وهو ما اعتبر خروجا على "حيادية" المرشد الأعلى وانحيازه لشخص أحمدي نجاد، ذهب هاشمي رفسنجاني إلى مدينة "قم" والتقى بزعماء "الحوزة الدينية" وأجرى حوارات معمقة مع كبار "آيات الله" تركزت كلها حول تراجع مكانة "الولي الفقيه" وخطأ الاعتماد على شخص واحد للقيام بهذا الدور، ثم قدم اقتراح "الولاية الجماعية" أي اختيار عدد من كبار قادة الدولة ممن تنطبق عليهم شروط الولاية بالقيام بدور "الولي الفقيه" كقيادة جماعية مأمونة ومؤتمنة على المسؤولية الكبرى الملقاة على عاتقها بحكم نصوص الدستور.
الثانية، عندما دعم ترشيح حفيد الإمام الخميني لعضوية مجلس خبراء القيادة في خطوة تحد إضافية اقترنت بالإعلان عن ترشيحه هو الآخر، وكذلك الرئيس حسن روحاني لعضوية المجلس في إشارة مبكرة إلى أن تيار الاعتدال الذي يمثلونه عازم على العودة إلى مفاصل السلطة في البلاد.
فالانفتاح السياسي والاقتصادي للرئيس روحاني مع الغرب الأوروبي ثم مع الصين وبعدها باكستان دفع المرشد الأعلى للتحذير من مخاطر الانفتاح على الغرب حفاظا على القيم الثورية للجمهورية الإسلامية، وتزعم الدعوة لـ "الاقتصاد المقاوم" باعتبارها "الخيار الآمن" لمواجهة المخاطر الثقافية للانفتاح الاقتصادي على الغرب، لكن ما هو أهم هو دخول المرشد في منازلة ساخنة مع رفسنجاني عبر مسارين؛ الأول، مطالبة مجلس خبراء القيادة في اجتماعه بقادة المجلس وأعضائه باختيار "زعيم ثوري يخلفه" عندما يحين وقت ذلك، في دحض لدعوة "الولاية الجماعية" التي سبق أن تحدث عنها رفسنجاني، الثاني، التصدي العنيف لدعوة رفسنجاني إلى إعطاء أولوية لسياسات "الحوار والتفاوض" في إدارة إيران علاقاتها مع القوى الخارجية. جاء ذلك عبر تغريدة له عبر موقع "تويتر" منذ أسبوعين.
فقد رد خامنئي على ذلك بكلمات قاسية أمام جمع من المتشددين الدينيين قال فيها "إن من يقولون إن المستقبل هو المفاوضات وليس الصواريخ إما جهلاء أو خونة"، مضيفا أن "إذا سعت الجمهـورية الإسلامية للمفاوضات من دون أن تملك قوة دفاعية فإنها ستضطر للرضوخ أمام تهديدات أي دولة ضعيفة".
هذه الاتهامات الصعبة "الجهل" أو "الخيانة" تعكس إلى أي مدى وصلت مخاوف المرشد على مسار الثورة في إيران، ومدى توجسه من نجاحات الإصلاحيين والمعتدلين، وحذره الشديد من دور يخطط له رفسنجاني للوصول إلى منصب المرشد أو بترشيح شخص آخر يكون له القدرة على التأثير فيه والتحكم في توجهاته.
(عن صحيفة الخليج الإماراتية)