رصدت مواقع موالية للنظام السوري ارتفاعا في قرارات
الحجر على أشخاص بسبب
عدم الأهلية، حيث وصل العدد إلى نحو 10 آلاف شخص خلال السنوات الثلاث الماضية، في دمشق وحدها.
لكن اللافت أن الأرقام زادت بنحو سبعة آلاف شخص خلال عام واحد، حيث كانت تشير الإحصائيات حتى بداية عام 2015 إلى ثلاثة آلاف حالة فقط، الأمر الذي يثير الكثير من التساؤلات، على اعتبار أن القانون يتيح لأبناء المصابين بالجنون أو أقربائهم، أو حتى الحكومة، الاستيلاء على أموالهم في حال صدور قرار من المحكمة يؤكد حالة عدم الأهلية أو
الجنون.
ويقول أحمد عيسى، وهو اسم مستعار لناشط سوري في دمشق، إن "العدد المعلن للمرضى من قبل النظام أقل بكثير من الواقع، لكن لا يمكننا التأكد من العدد الحقيقي للأرقام بسبب منع النظام لأي منظمة مستقله من إجراء الإحصائيات، أو حتى دراسة الأسباب لزيادة أعداد المصابين بالأمراض العقلية في دمشق، أو في أي منطقة أخرى بسوريا تحت سيطرة النظام".
وأكد عيسى، في حديث مع "
عربي21"، أن "مئات الحالات التي تُقرها محاكم النظام، يتم فيها حجز أموال المرضى بعد الحجر عليهم، بسبب إصابتهم بمرض الجنون"، مُرجعا سبب ذلك لـ"الضغوط من قبل عائلات الضباط النافذين في النظام على عائلات المرضى"، بحسب قوله.
وأضاف: "البعض ممن أصيب أو ممن ادّعي أنه أصيب بالجنون، يمتلك عشرات الملايين من الدولارات، تم الحجز على أمواله بعد الضغط على أقربائه للتنازل عنها لصالح الدولة، وهي طريقة للنصب تقوم بها محاكم النظام، حيث يتم تحويل الأموال لضباط النظام وعائلاتهم بطريقة يبدو فيها الكثير من الاحتيال"، وفق تعبيره.
من جهته، ذكر "م.س"، وهو محام يعمل داخل دمشق، أن "القانون أتاح لأقرباء المصاب بمرض عقلي أن يتم نقل ممتلكاته إليهم، لكن الغريب أن يتم التنازل عن الممتلكات لصالح الدولة"، مؤكدا أنه شاهد عدة حالات تم فيها التنازل من قبل أهل المحجور عليه، وعبر الضغط، خاصة أن القانون الذي وصفه بـ"المجحف" بحق المريض، يعطي أحقيه للتحكم في ممتلكات المصاب بالجنون لصالح أقاربه.
وقال: "قانونيا، وللتأكد من أن شخصا مريض عقليا، وأنه أصبح ضروريا الحجر عليه، فإن الأمر يتطلب استدعاء طبيب مختص بالأمراض العصبية لفحصه، وبعدها يعرض على طبيب مختص بالأمراض النفسية، إضافة إلى وجود قاض شرعي يوجه للمريض بعض الأسئلة، وبناء على التقرير الطبي للاختصاصيين العصبي والنفسي، مع مقارنته بأجوبته عن الأسئلة، يقرر القاضي الشرعي الحجر على الشخص من عدمه".
ويستدرك "م.س" متسائلا: "لكن هل يتم ذلك حاليا؟ هذا ما لم نستطع التأكد منه بسبب غياب المنظمات المستقلة التي تُمنع من الدخول للمشافي المختصة وأماكن الحجر".
ويعلق الطبيب "ج.ح"، وهو طبيب في أحد مشافي دمشق للأمراض العقلية، بالقول: "زادت حالات الإصابة بالجنون في دمشق خلال عام 2015 بنسبة قاربت الـ230 في المئة، وبحسب تشخيصي لبعض المرضى، فهم في غالبيتهم مصابون بالمرض في درجات متأخرة"، وفق قوله.
وقال الطبيب "ج.ح"، في حديث لـ"
عربي21": "لاحظت على بعض المرضى وجود بعض آثار التعذيب، إلا أنها في غالبيتها قديمة، ولا أستطيع أن أبحث عن سبب ذلك حتى أتمكن من الاعتماد عليه من الناحية الطبية لعلاج المرضى، ويعود السبب إلى أن مجرد السؤال عن هذا الأمر قد يكون سببا لاعتقالي من قبل النظام"، كما قال.
وحول ما إذا كان يتم التأكد من المريض من خلال طبيبين، عصبي ونفسي، ووجود قاض شرعي، فقد اكتفى "ج.ح" بالإجابة بأنه "ليس بالضرورة أن يحدث هذا حاليا"، مؤكدا أن القانون يتطلب وجود طبيب امراض عصبية يؤكد الحالة للمريض بحضور القاضي الشرعي. وقال إن "الوضع المضطرب في
سوريا له تأثيره على بعض الإجراءات القانونية، حتى في المشافي".
وفي ما يخص المرضى وحالاتهم، فقد أكد الطبيب (ج.ح) أن "عددا لا بأس به من المرضى بإمكانهم أن يعودوا لحالاتهم الطبيعية بعد تلقي العلاج، لكن لا يمكنني الجزم بالأعداد، فقد يكونون نحو 20% ليس أكثر".
وأغلب حالات
الأمراض العقلية في دمشق وضواحيها، وحتى محافظات سورية أخرى، تتم معالجتها في المناطق التي تقع تحت سيطرة النظام السوري في دمشق، وهو ما يعطي رقما غير دقيق عن أعداد الأشخاص المصابين، فضلا عن التشكيك بالأرقام التي يصدرها النظام السوري، لا سيما أنه يمنع المنظمات الإنسانية المستقلة من إجراء دراسات حول الأعداد، والأسباب التي أدت إلى الارتفاع الكبير بمعدل الإصابة بالجنون خلال عام واحد.
يشار إلى أنه يوجد بدمشق مشفيان مختصان بالأمراض العقلية، هما: مشفى ابن سينا، ومشفى ابن النفيس. والأخير يحتوي على مهاجع لحجر المرضى المصابين بالجنون، والمعروف بـ"العصفورية".