نشر موقع دورية "فورين أفيرز" تقريرا لكل من ويليام ماكانتس وكريستوفر ميزرول من معهد "بروكينغز"، حول علاقة هجمات
بروكسل الأخيرة بالهجمات التي وقعت في باريس.
ويقول الكاتبان إن "الهجمات
الإرهابية على باريس أولا، والآن على بروكسل، تكشف عن الحقيقة التي لا تريح، وهي أن الجهاديين يشكلون تهديدا على بقية أوروبا، فعدد القتلى كبير، والمؤامرات التي تم إحباطها تظل أكبر، ويمكن تفسير الأمر من خلال شبكات
تنظيم الدولة في أوروبا، أو الفشل في مراقبة السلطات الفرنسية والبلجيكية لها".
وتستدرك المجلة بأنه مع أن التفسيرين لهما منافعهما، إلا أن دراسة الكاتبين تظهر بعدا آخر وله علاقة، كما يقولان، بالثقافة الفرنسية، حيث أنه في الخريف الماضي بدأ الباحثان بمشروع لدراسة "
التشدد السني" في العالم، وكان الهدف هو دراسة عمليات العنف من خلال أخذ عينة من المقاتلين الأجانب الذين جاءوا من بلد معين، وكذلك الهجمات التي نفذت داخل بلدهم، ومن ثم البحث من خلال المقارنة بين عدد الأفراد والهجمات عن ملامح التشدد السني ومظاهر التطرف.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن الدراسة بنت أرقامها عن المقاتلين الأجانب على تلك التي أعدها المركز الدولي لدراسة التشدد والعنف السياسي، أما الهجمات، فقد اعتمد الباحثان على قاعدة بيانات جامعة ميرلاند.
ويقول الباحثان: "ما عثرنا عليه فاجأنا، فقد بدا واضحا أن المؤشر الجيد للتطرف ليس غنى البلد، ولا معدلات التعلم بين أبنائها، ولا سهولة التواصل المتاحة للمواطنين عبر الإنترنت، ويدلا من ذلك، فإن المؤشر هو فيما إذا كانوا ينتمون إلى الثقافة الفرنسية (فرانكفون) أم لا؟ وفيما إذا كانوا يحملون الجنسية الفرنسية الآن، أو أنهم قد حملوها في الماضي؟، والغريب أن أكبر أربع أو خمس دول من ناحية التشدد بمن فيها
فرنسا وبلجيكا هي دول فرانكفونية".
ويضيف الكاتبان أنه "مع ذلك، فقد يرفض العارفون بنزعات التطرف، ويقولون إن بريطانيا، التي تتحدث بالإنجليزية، شاركت بأعداد من المتطوعين أكثر من بلجيكا التي تتحدث بالفرنسية، بالإضافة إلى أن المقاتلين من السعوديين يصل عددهم إلى الآلاف، لكن الأرقام تظل مضللة، ولو أنك نظرت للمقاتلين الأجانب من خلال نسبتهم بالمقارنة مع مجمل عدد السكان المسلمين لحصلت على صورة مختلفة، فعدد المقاتلين من بلجيكا هو الأعلى بالمقارنة مع عدد السكان، سواء في بريطانيا أو السعودية".
وتتساءل المجلة: "فما علاقة لغة الحب (الفرنسية) بالعنف الإسلامي؟"، وترى أن "اللغة هي وكيل لأمر آخر متعلق بالثقافة الفرنسية وموقفها من العلمانية، حيث أن السياسة الفرنسية تجاه هذا أكثر تطرفا من البريطانية، ففرنسا وبلجيكا هما الدولتان الوحيدتان في أوروبا اللتان تمنعان النقاب في المدارس العامة، وهما الدولتان الوحيدتان في أوروبا اللتان لن تحصلا على معدلات عالية في الديمقراطية، وهناك أمر آخر متعلق بالتفاعل بين عدد من المتغيرات، ويعتمد الأمر على الطريقة التي تنظر فيها لكل متغير، وإن كان مؤشرا أكثر للتطرف، (فالأثر الفرانكفوني) واضح في الدول المتطورة أكثر: دول تتحدث بالفرنسية، وببنى تحتية عالية، وتعليم ونظام صحي متقدم، وهذا كله لا يتعلق بتاريخ فرنسا الاستعماري، لكنه يتعلق بما يحدث بالنظام الاقتصادي والسياسي الفرنسي في كل مكان".
ويلفت التقرير إلى أن "هناك مظاهر قلق متعلقة بتوزيع الثروة، حيث أن معدلات البطالة والتجمع في المناطق المدينية مهم في فهم معدلات التطرف، فعلى المستوى الدولي، وعندما تكون نسبة ما بين 1 إلى 30% من شباب البلد دون عمل، فإن هناك علاقة قوية بين البطالة عند الشباب وزيادة معدلات التطرف السني، وعندما تكون نسبة من يعيشون في الأحياء الفقيرة في المدن كبيرة، فإن هناك زيادة في الميل نحو التطرف".
ويجد الكاتبان أن "هذه النتائج مهمة في الدول
الفرانكفونية، وبدا هذا واضحا في حي مولنبيك في العاصمة بروكسل، حيث تزداد نسبة السكان والعيش في حي فقير ونسب البطالة، وبالتالي الميل نحو التطرف، والأمر ذاته يقال عن الأحياء الهامشية في فرنسا أو (بانيلو) وفي بنقردان في تونس، وكل منطقة من هذه المناطق قدمت أعدادا من المقاتلين الأجانب وكلها أحياء فقيرة تنتشر فيها البطالة".
وتنوه المجلة إلى أنه "في ظل البطالة وعدم توفر فرص العمل، فإنه عادة ما ينزع الشباب نحو الأعمال السيئة، كما أن العيش في المدن الكبيرة يعطيهم فرصة لتبني القضايا الراديكالية، وعندما تكون هذه المدن فرانكفونية علمانية، فإن النزوع نحو التشدد الإسلامي يكون أكثر جاذبية".
ويفيد التقرير بأن هذه الفرضية بحاجة إلى النظر والدراسة والمقارنة بحالات أخرى، حيث أن الباحثين وجدا علاقة بين التطرف والنزاعات الأهلية السابقة، لكنها ليست بقوة الفرضية التي تربط الثقافة الفرنسية بالعنف.
ويحذر الكاتبان من أن نتائج الدراسة لا تشير بأي حال إلى تحميل الدول الناطقة بالفرنسية مسؤولية الهجمات، مستدركين بأن هناك حاجة للبحث عن دوافع العمليات في ظل ضخامة ما حدث.
وتختم "فورين أفيرز" تقريرها بالإشارة إلى أنه لا يوجد دولة تستحق أن تتعرض للعمليات الإرهابية، أو أن يقتل أبناؤها.