وصف الإعلامي المقرب من السلطة في
مصر،
عادل حمودة، الوضع في مصر حاليا، بأنه صعب جدا، وحرج، متهما نظام (رئيس الانقلاب) عبد الفتاح السيسسي بالتقصير، وأجهزة الدولة، وأدواتها، وإعلامييها بأنها جزء من مؤامرة على مصر، محذرا من أن مصر تتجه إلى التفكك ما لم تتم المسارعة في علاج تلك الأوضاع.
وقال عادل حمودة في مقال نشره بجريدة "الفجر"، التي يرأس تحريرها، بعددها الورقي الصادر هذا الأسبوع، تحت عنوان "المؤامرة": "في ظل الغيبوبة التي نعيشها، أخشى أن نستيقظ يوما لنفاجأ بضياع الدولة المصرية".
وأضاف حمودة: "المؤامرات تطبخ على نار هادئة.. فما الذي يجعلنا مطمئنين على مصر رغم أنها فقدت صلاحيتها، وتراجعت عن عنادها، واستسلمت لفشلها؟".
وأردف: "ربما ننفذ نحن المؤامرة ـ في صورتها الأخيرة ـ دون أن ندري.. فما يحدث على السطح من صراعات إعلامية وشائعات سياسية واختناقات اقتصادية واهتمامات وهمية قد يكون أولى خطوات التنفيذ.. فانقسامات المواطنين تسبق ـ دائما ـ تقسيمات الوطن".
وتابع: "الدولة بعد ثلاثين سنة من حكم مبارك ضعفت، وفسدت.. انهارت الشرطة.. فتحت السجون.. سيطر اللصوص.. دمرت محاكم.. خربت كنائس.. نهبت محلات.. وحرقت سيارات الجيش في الشوارع.. ونشرت وثائق أمنية شديدة السرية.. عندما تعاني دولة ما من هذه الأعراض فإنها بلا شك تكون قد وصلت إلى مرحلة التحلل والتفكك، وكأنها رماد سيجارة".
واستطرد: "لا جدال أن من السهل تفكيك دولة، ولكن من الصعب إعادتها إلى ما كانت عليه بسهولة.. ولا يكفي أن نرى المظاهر الخارجية للدولة كما نعرفها لنعتقد أنها استردت عافيتها.. ورجعت إلى ما كانت عليه".
وشرح الكاتب الأوضاع الراهنة في مصر فقال: "الشرطة لم تستقر نفسيا.. لا يزال أفرادها يتأرجحون بين جبروت سابق وواقع مختلف يفرض عليهم حسن المعاملة.. الشهداء الذين تقدمهم كل يوم يفسد تضحياتهم عناصر منها بتجاوزات جنائية وقانونية متكررة".
وواصل: "والحكومة التي عليها حل مشكلات مزمنة في كل المجالات لا تجد الكفاءات المناسبة لها.. إن المستشار أحمد الزند - مثلا - بدا نمودجا واعدا لإصلاح مرفق العدالة.. لكنه بدلا من أن يخفف الضغوط على النظام ضاعف منها".
وتابع: "لا أحد ـ مثلا ـ يقيم بدقة أسلوب محافظ البنك المركزي طارق عامر في تعامله مع أزمة الدولار، فنحن أمام أكروبات في سيرك لا نعرف هل تنتهي بالانتحار أم ستجلب التصفيق والإعجاب؟.. وإن كانت النتيجة حتى الآن غير مريحة.. انخفاض حاد في قيمة الجنيه.. والتهاب حاد في الأسعار".
و"غالبا ما يكون اختيار شاغلي المناصب المهمة خاضعا للاعتبارات الشخصية.. بجانب رغبة حادة في البحث عن جيل جديد يدعم النظام إعلاميا دون التأكد من موهبته أو خبرته أو قدرته على تجاوز من سبقوه".
وأكد "أن تضخم الذات أشهر العيوب.. وجنون العظمة يفرض نفسه كل مساء علينا جميعا.. فالدفاع ليس على مبدأ بقدر ما تغذيه متاعب النرجسية بخبر يومي مصنوع من الضوء".
وفي هجوم واضح على المنظمات الحقوقية، قال حمودة: "لا شك.. أن هناك من يستغل الأعراض السلبية لتعافي الدولة في التشهير بها.. والسعي إلى تحطيمها".
وأردف، في دفاع خفي عن نظام
السيسي: "لم تبرأ الدولة في مصر مما أصابها.. ولا تزال في مرحلة نقاهة.. فما تعرضت له في سنوات يصعب علاجه في شهور.. لكننا.. بغرور لا نعرف مبرره نضربها على ضعفها.. ونطالبها الآن بما لا تستطيع.. وبما لا تقدر.. إلا بعد حين".
والنتيجة ـ تابع عادل حمودة ـ "أننا نهدها متصورين أننا ننتقدها.. ونتربص بها كأنها أصبحت في كامل لياقتها.. دون أن نسأل أنفسنا ماذا قدمنا لها سوى السخرية وضربات السواط الحاد والمؤلمة.. وربما.. لا ننتبه إلى أننا بما نفعل نؤدي إلى ضرب الدولة.. وتفكيكها.. وربما هدمها وتقسيمها".
وفي تغذية لمشاعر الخوف على الدولة، وتحذير من معارضة حكم السيسي، قال حمودة: "كل ما هو مطلوب منا أن نسترد الشعور بالخطر على الدولة، وأن يلازمنا هذا الشعور، ونحن نكتب أو نتكلم أو ننتقد أو نختلف.. فلن نتحمل تبعات تكرار تجربة سوريا أو ليبيا أو اليمن في مصر.. وهي ليست تجارب بعيدة علينا".
وقدم حمودة أعراض إخفاق السيسي على أنها إخفاق لمصر، فقال: "المؤامرة قد تأخذ شكلا آخر مختلفا.. إثارة الأزمات الداخلية بعد أن نجحوا في خلق اختناقات اقتصادية.. سياحة ضائعة.. انخفاض في سعر البترول أدى إلى نقص إيرادات القناة وتجميد مساعدات الدول العربية الصديقة.. أزمة في العملات الصعبة تهدد بالتضخم وزيادة دعم الطعام والوقود.. وكلها أعراض تنتهي إلى دولة فاشلة إذا لم تعالج بحكمة وخبرة.. والهدف خروج الشعب من جديد إلى الميادين ليسقط النظام تمهيدا لإسقاط الدولة".
وخلط حمودة بين إسقاط نظام السيسي، وإسقاط الدولة، قائلا: "إن الحديث عن المؤامرة أصبح حديثا ساخرا.. ما أن يتكرر حتى تفاجأ بالقول: أين هي المؤامرة؟.. لقد مر نحو عامين على وجود النظام القائم، ولم يحدث شيء.. وكأن المؤامرة إذا لم تحدث اليوم لن تحدث غدا.. وإذا لم تحدث بعد شهور لن تحدث بعد سنوات".
واختتم عادل حمودة مقاله قائلا: "إن وضعنا صعب جدا.. بل ربما نقول إنه حرج...وفي المقابل نجد النظام مقصرا في الكشف عما لديه من المعلومات تؤكد استمرار الخطر على البلاد.. لا نطالبه بمعلومات تزيد الأمور سوءا.. وإنما بمعلومات تدعم ما يشير إليه من أخطار بجمل إنشائية، توحي أكثر مما تفصح".