كتبت أنجليك كريسافيس تقريرا في صحيفة "الغارديان" عن سبب فشل فيها الأمن البلجيكي بالتعرف على هوية منفذي هجمات يوم الثلاثاء، في العاصمة
بروكسل.
وتقول الكاتبة: "لم يتحدث الرجال الأربعة، الذين كانوا يقيمون في الشقة العلوية من بناية في حي سكاربيك، الواقع شمال شرق بروكسل إلى أحد، فقد كانت البناية المكونة من خمسة طوابق، والواقعة في زاوية شارع هادئ في حالة متداعية، وبحاجة إلى الإصلاح".
وتضيف كريسافيس أن "البناية سكن فيها، كما يقول السكان المحليون، أشخاص، بناء على عقود إيجار قصيرة الأمد، ويظهر جدول أسماء السكان عند جرس في البناية أن ساكنيها يتغيرون بشكل مستمر، وامتلأ صندوق البريد بالرسائل المهمة وغير المهمة وكاتالوغات المتاجر، وفي المدخل الرئيس بدا مصباح ضوء مكسورا، وهناك نقاط من الدهان على البلاط، وآثار عن عمليات إصلاح تجري في الطابق الأول".
وتنقل الصحيفة عن عامل دهان قوله: "لقد تحدثت إليهم مرة، وكان بينهم شقيقان"، في إشارة إلى سكان الشقة في الطابق الخامس، ويضيف الكولومبي جيرو فالديرنا: "شاهدت أحدهما في المصعد، ولم أتحدث معه، وكان بلحية، أما الآخرون فلم أرهم أبدا"، مشيرة إلى أنه لم يكن باب شقة فالديرنا يبعد عن المخبأ سوى أمتار، وكان وصل إلى بلجيكا مع زوجته وابنتيه قبل شهر، حيث لم يلحظ أي شيء غريب في الشقة المقابلة، إلا عندما جاءت الشرطة ليلة الثلاثاء وصرخت على سكان البناية كلهم بأن يخرجوا ويرفعوا أيديهم.
ويشير التقرير إلى أنه في صباح يوم الثلاتاء قام ثلاثة أشخاص في الشقة العلوية بطلب سيارة أجرة لتوصلهم إلى مطار "زافنتيم"، وعندما جاء السائق كانوا غاضبين؛ لأن السيارة لم تكن تتسع للحقائب الخمس التي يحملونها، ولهذا تركوا واحدة في الشقة، وعندما وصلوا إلى المطار رفضوا السماح للسائق بأن يساعدهم في حمل الحقائب، الأمر الذي وجده غريبا، وبعد ذلك بدقائق، قام إبراهيم
البكراوي (29 عاما) بتفجير نفسه في قاعة المطار إلى جانب شخص آخر كان بجانبه فجر نفسه أيضا، وكان هناك ثالث يظهر في الصورة يرتدي نظارة ترك الحقيبة وهرب قبل أن تنفجر، وفجرها فريق تفكيك العبوات الناسفة التابع للشرطة لاحقا، دون أن تؤدي إلى سقوط ضحايا، ولا يزال الثالث هاربا.
وتلفت الكاتبة إلى أنه بعد ساعة من تفجير المطار، قام الشقيق الأصغر للبكراوي خالد (27 عاما) بتفجير نفسه في محطة مترو في بروكسل، مشيرة إلى أن الحادثين أديا إلى مقتل 31 شخصا وجرح 270 آخرين.
وتذكر الصحيفة أنه عندما اتصل سائق السيارة لاحقا بالشرطة، وضعت مناطق واسعة من سكاربيك تحت سيطرة فرق الشرطة الخاصة المسلحة، التي قامت بمداهمة الشقة في 4 ماكس روز ستريت، ونظرا لخوفة الشرطة من وجود مسلحين في المكان، فقد طلبت من السكان مغادرة المكان حتى لا يكونوا عرضة لإطلاق النار.
ويكشف التقرير عن أن الشقة كانت فارغة، مستدركا بأن الشرطة اكتشفت مصنعا بدائيا لصناعة المتفجرات، وعثرت على 15 كيلو غراما من المتفجرات و150 ليترا من الأسيتون و30 ليترا من المياه المؤكسجنة والصواعق وحقائب مليئة بالمفكات والمسامير، ومواد أخرى، مثل صناديق بلاستيكية، واعتقلت الشرطة شخصا من المنطقة، ولم تفصح عن هويته.
وتبين كريسافيس أن الشرطة عثرت على جهاز حاسوب شخصيا في سلة نفايات، واحتوى على وصية البكراوي الأكبر، الذي قال إنه "على عجلة من أمره"، و"لا يعرف ماذا يفعل"، وإنه ملاحق و"لا يوجد مكان آمن"، وإنه خاف أن "ينتهي في زنزانة مثله"، حيث فسرت على أنها إشارة إلى
صلاح عبد السلام، وهو أحد المشتبه بهم بعمليات
باريس، الذي اعتقل يوم الجمعة.
وتجد الصحيفة أن قصة الأخوين البكراوي ودورهما اللوجيستي في عمليات باريس، التي قتل فيها 130 شخصا، تشير إلى أن هجمات باريس وبروكسل خططت لهما الخلية ذاتها، وهي مكونة غالبا من شبان ولدوا ونشأوا في بروكسل، وعرفوا بعضهم البعض لسنوات، وفي بعض الأحيان جاءت المعرفة من خلال ترابط عائلات المنفذين فيما بينهم.
ويردف التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن الشقيقين البكراوي جاءا بعد إبراهيم وصلاح عبدالسلام، اللذين شاركا في عملية باريس، وهناك محمد عبريني، الذي يعتقد أن له شقيقا آخر قتل في سوريا مع الجماعة ذاتها.
وتستدرك الكاتبة قائلة إن "التفاصيل المتوفرة عن الأخوين البكراوي مختلفة نوعا ما، حيث رحلت السلطات التركية الشقيق الأكبر إبراهيم في حزيران/ يونيو العام الماضي، وحذرت السلطات البلجيكية منه، ولا يعرف إن كان الشقيق الآخر وصل إلى سوريا أم لا، وما هو معروف أن الأخوين البكراوي لهما تاريخ في المشكلات مع الشرطة والجريمة وقضيا فترة في السجن قبل أن ينخرطا مع الجهاديين، ومثل أحمدو كوليبالي، الذي هاجم متجرا يهوديا في باريس، أظهر الأخوان البكراوي ميلا للانتحار في ملاحقة للشرطة لهما، عندما قاما بعملية سرقة في شبابهما، ومثل كوليبالي، فإنهما لم ينخرطا في التنظيمات الجهادية إلا بعد دخولهما السجن".
وتنوه الصحيفة إلى أنه حكم على إبراهيم البكراوي بالسجن مدة تسع سنوات في عام 2011، بعدما حاول سرقة فرع لـ"ويسترن يونيون" للتحويلات المالية في بروكسل، مشيرة إلى أنه أثناء العملية خرج أحد الموظفين وهو يصرخ، وعندما لاحقت الشرطة اللصوص، أطلق البكراوي النار على الشرطة من سلاح ثقيل، وجرح أحد عناصر الشرطة قبل أن يختبئ في شقة، وعثرت الشرطة لاحقا على عينة من حمضه النووي على كلاشينكوف كان مرميا في شقة أرضية، وفي عام 2012 دخل خالد البكراوي السجن في قضية سرقة سيارة، وأفرج عنه عام 2014، لكن الشرطة تلاحقه منذ منتصف 2015؛ بسبب خرقه شروط العفو عنه، ولا يعرف كيف ومتى أصبح الشقيقان متشددين.
ويفيد التقرير بأن ملاحظة كتبها إبراهيم البكراوي على حاسوبه الخاص تكشف أنه وشقيقه ملاحقان منذ أسبوع بعد مداهمة الشرطة لشقة كانا يختبئان فيها في حي فوريست الهادئ في جنوب غرب بروكسل، حيث استأجر الأخوان الشقة لتكون مكانا ليختبئ فيه المخططون لعمليات باريس، لافتا إلى أن واحد منهم الجزائري محمد بلقايد، الذي قتل عندما كان يجهز كلاشينكوفه، وعثرت الشرطة على علم لتنظيم الدولة وأسلحة ثقيلة في الشقة.
وتورد كريسافيس أنه يعتقد أن خالد هو الذي استأجر شقة أخرى في بلدة تشارلريو في جنوب بلجيكا، حيث التقى رئيس مجموعة باريس عبد الحميد أبا عود ببقية المشاركين في العمليات، ومن الشقة بدأوا هذه الرحلة الأخيرة إلى باريس، مشيرة إلى أن الأخوين البكراوي ساهما من خلال علاقتهما بالعصابات بتوفير الأسلحة.
وتبين الصحيفة أنه بعد الكشف عن مصنع السلاح المؤقت في البناية، تحول حي سكاربيك إلى مركز تحقيق في هجمات بروكسل، حيث يقول جزار لا يبعد سوى أمتار من البناية: "هذه منطقة هادئة، ولهذا السبب اختاروها للاختباء"، لافتة إلى أن عددا كبيرا من المشتبه بهم في عمليات باريس مروا على حي سكاربيك، وقبل شهرين استأجر المشتبه بهم شقة أخرى في الحي باسم مستعار عام 2015، ووجدت الشرطة فيها متفجرات ورسم لشخص يرتدي حزاما ناسفا، وعثرت الشرطة على بصمات عبد السلام، بالإضافة إلى الحمض النووي لبلال الحذفي، الذي فجر نفسه عند ستاد فرنسا، ويعتقد المحققون أن صلاح عبد السلام ظل مختبئا في سكاربيك طوال الأربعة أشهر الماضية، بعدما فر من باريس.
وبحسب التقرير، فإن المتهم الرئيسي الآخر في هجمات بروكسل، فهو نجم
العشراوي (24 عاما)، الذي نشأ في سكاربيك بعدما وصلت عائلته من المغرب، حيث كان طفلا، لافتا إلى أن هناك تقارير تشير إلى أن العشراوي، الذي ظهر في الصورة، ربما لا يزال هاربا أو فجر نفسه، لكنه كان خبير المتفجرات والمسؤول عن الشؤون اللوجيستية، وهناك من يرى أنه صنع قنبلة أستيون بيروكسايد أو "تي إي تي بي" لمفجري باريس.
وتورد الكاتبة أن وكالة أنباء "أسوشيتد برس" نقلت عن مسؤول أمني فرنسي قوله إن الحمض النووي للعشراوي وجد على الأحزمة الناسفة في باريس، وفي الشقة في بروكسل، التي صنعت فيها الأحزمة على ما يعتقد، مشيرة إلى أنه تم إيقاف العشراوي مع عبد السلام في أيلول/ سبتمبر، عندما كان يقود سيارة مرسيدس على الحدود النمساوية الهنغارية، لكن الشرطة أفرجت عنه.
وتذكر الصحيفة أن عبد السلام وجد مكانا للاختباء في مولنبيك في شقة ليست بعيدة عن مكان سكن عائلته، حيث أن المصنع المؤقت لم يكن يبعد إلا مسافة قليلة من المدرسة التي درس فيها العشراوي.
وينقل التقرير عن مديرة المدرسة فيرونيكا بيلجيريني، قولها إن العشراوي بقي في المدرسة من سن 12 إلى 18 عاما، وكان سجله المدرسي عاديا، وإنه "لم يعد أي سنة دراسية، ولا يظهر سجله ما يثير القلق"، مشيرا إلى أن شقيقه كان بطلا في التايكواندو، وقبل هجمات بروكسل كانت الشرطة تبحث عن العشراوي كونه مشتبها به مرتبطا بعبد السلام.
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أن العشراوي معروف لدى الشرطة، ويعتقد أنه سافر إلى سوريا عام 2013، وكان عنصرا مهما في تجنيد الشبان البلجيكيين للحرب في سوريا، وصدر في عام 2014 أمر دولي بإلقاء القبض عليه، مشيرة إلى أن الشرطة تبحث منذ كانون الأول/ ديسمبر عن سفيان الكيال، وهو اسم مستعار تخفى وراءه العشراوي.