شكلت التفجيرات التي أصابت العاصمة البلجيكية يوم الثلاثاء، تطورا خطيرا في عمل المجموعات الإرهابية في أوروبا، فمنفذو هذه التفجيرات نجحوا في الوصول إلى قلب المطار وإحدى محطات المترو، رغم كل الترتيبات الأمنية والمعلومات المسبقة الي كانت متوفرة عن احتمال حصول مثل هذه الهجمات الإرهابية.
كما أن حجم عدد الضحايا واستهداف التفجيرات لوسائل ومحطات النقل الأساسية في المدن الأوروبية، يؤكد خطورة ما جرى وما يمكن أن يجري في الأيام المقبلة في ظل وجود معطيات من مصادر متعددة عن احتمال حصول تفجيرات وعمليات أخرى في مدن أخرى، سواء في
بلجيكا أم دول أوروبية أم دول عربية وإسلامية أخرى كما حصل في تركيا وأبيدجان مؤخرا.
وقد سارعت العديد من الجهات والهيئات والمؤسسات والشخصيات الإسلامية في أنحاء العالم لإدانة مثل هذه التفجيرات والإعلان عن التضامن مع الشعب البجليكي ودولة بلجيكا، وهذه الإدانة والاستنكار أصبحت لازمة مكررة عند كل تفجير أو عملية إرهابية، وغابت مؤخرا الكلمات والمصطلحات التي تبرر مثل هذه التفجيرات والأعمال الإرهابية والتي كانت تترافق مع كل بيان إدانة.
لكن هل تكفي إدانة عمليات الإرهاب وهذه التفجيرات فقط؟ أم إن هناك مسؤوليات جديدة علينا كمسلمين يجب القيام بها في مواجهة هذه العمليات الإرهابية التي لا تطال فئة معينة من المواطنين بل هي تستهدف كل الأبرياء وسيكون لها انعكاسات خطيرة على مستقبل الإسلام والمسلمين في أوروبا والعالم أجمع؟
والجواب الواضح والصريح: أن الإدانة لم تعد تكفي لمواجهة هذه العمليات الإجرامية الصريحة والواضحة والتي تخدم أعداء الإسلام والمسلمين وتقدم أسوأ صورة عن الإسلام في هذه المرحلة، كما أن الحديث عن الأسباب التي تؤدي لانتشار الإرهاب والجماعات الإرهابية لم يعد مقنعا بغض النظر عن الحاجة لدراسة كل الأسباب والظروف التي أوصلتنا إلى مثل هذه الحالة الخطيرة.
والمهم اليوم أن ننخرط جميعا، وأركز هنا على مسؤولية المسلمين وكل الهيئات والشخصيات والمرجعيات الإسلامية، لأن ما يجري يتم باسم الإسلام والمسلمين، في عملية سياسية وإعلامية وميدانية واجتماعية وثقافية في مواجهة هذا الإرهاب المدان والخطير.
فلم يعد صحيحا أو مقبولا السكوت عن هؤلاء المجرمين أو تأمين أية بيئة تساعدهم على التحرك ومن هنا أهمية دور العلماء والهيئات المعنية بالقيام بعملية توعية وجهد كبير من أجل نشر الثقافة والوعي الفقهي والديني المضاد لثقافة الإرهاب والقتل.
كما أن النزول إلى الشارع والمشاركة بفعالية في كل الفعاليات الجماهيرية والسياسية لإدانة مثل هذه العمليات الإرهابية، أصبح ضرورة قصوى كي نقدم صورة مختلفة عن الإسلام والمسلمين، لأن هؤلاء الإرهابيين يشوهون صورة الإسلام والمسلمين ويقدمون أبشع الصور عن ديننا الحنيف والذي يهدف لنشر الرحمة والأمان والعدل ولا يقبل بالقتل والعنف وخصوصا قتل المدنيين بغض النظر عن دينهم أو عرقهم أو جنسيتهم.
نحن اليوم أمام تحديات كبرى، وأوروبا وغيرها من الدول التي كانت ملجأ للمسلمين والعرب طيلة عشرات السنين تشهد بسبب هذه العمليات الإرهابية موجة جديدة من العنصرية واتجاهات من الكراهية ضد العرب والمسلمين وكل من هو من أصول عربية أو اسلامية أو مشرقية، وسيصبح كل مسلم أو من هو من أصول عربية وإسلامية متهما أو معرضا للاتهام والخوف والعيش بقلق ورعب، فهل هذا ما يريده هؤلاء المجرمون والقتلة.
الإدانة لهذه العمليات الإجرامية مطلوبة وضرورية ولكنها لم تعد تكفي للمواجهة، ومن هنا أهمية أن تقوم كل المرجعيات والهيئات والحركات والشخصيات الإسلامية بجهد غير عادي للمساهمة والانخراط في الحرب ضد هذا الإرهاب.