إذا كان مئات الآلاف من السعوديين والسعوديات رجالا ونساء، شيوخا وشبابا، فرادى وجماعات يحرصون على ارتياد معارض الكتب ومشاهدة مهرجانات الزهور وحضور فعاليات الإجازات وتمتلئ بهم صالات السفر في المطارات مغادرين إلى أرجاء الدنيا أو قادمين منها، إذا كان مئات الآلاف من السعوديين والسعوديات يتجولون في الأسواق ويرتادون المطاعم وينصبون مظلاتهم على شاطئ البحر، إذا كانت هذه الملايين الموزعة بين المعارض والمهرجانات والملتقيات والأسواق والمطاعم وعواصم العالم تمتلئ أنفسهم بهجة بالحياة ومحبة للناس ورغبة في التواصل فمن هم أولئك الذين نراهم يملأون مواقع
التواصل الاجتماعي على الإنترنت موتورين مأزومين متشددين متعصبين لا يتورعون عن توزيع التهم واستخدام أقذع الألفاظ، من هم أولئك الذين ما إن ينتقد هذا الكاتب أو ذاك تصرفا خاطئا لأحد منسوبي الهيئة أو رأيا منحرفا لأحد الدعاة والوعاظ حتى انهالوا عليه شتما وتجريحا ورفضا لما يقوله دون أدنى محاولة للتفكير فيه؟
هناك من يرى أن كثيرا منا نحن السعوديين والسعوديات يعاني من حالة فصام، يمارس حياة طبيعية في واقعه اليومي ولكنه ينقلب على هذه الحياة حين يتعلق الأمر بالرأي، يعيش النقيضين دون أن يفكر في حل هذا التناقض، يعرف أن التشدد والتعنت يحرمه بهجة الحياة لذلك لا يتخذ من هذا التشدد والانغلاق منهجا في حياته ولكنه لا يرى ضيرا أن يكون متشددا حد
التطرف حين يتعلق الأمر برأي حتى لو كان هو في حياته غير ملتزم به.
وهناك من يعيد ما يبدو في مواقع التواصل الاجتماعي من تشدد وبذاءة في القول إلا أنه لا يمثل الرأي العام للسعوديين وإنما يعبر عن رأي فئة قليلة غير أنها فئة منظمة حريصة على استخدام مواقع التواصل لنشر تشددها ومواجهة من ينتقد التطرف، فئة ليست بالأكثر عددا وإنما الأعلى صوتا.
وإذا كان كلا الاحتمالين واردا فإن من المؤكد أن التمسك بالعقلانية ورفض أي تناقض بين سلوكنا وآرائنا هو الكفيل بالحفاظ على ما نتسم به من فرح بالحياة وحرص على التواصل ومحبة للناس ورغبة في الانفتاح وحماية ذلك كله من كل المحاولات المستميتة التي يبذلها المتشددون المتطرفون وتلك التي يحاول أن يظهر عليها أولئك الذين يعيشون واقعا ويتحدثون كذبا وزورا بآراء لا تمت لذلك الواقع بصلة.
(عن صحيفة عكاظ
السعودية ـ 23 آذار/مارس 2016)