يبدو أن تنظيم داعش وصل خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى أسوأ أيامه في العراق وسورية بعد الخسائر الكبيرة التي مني بها على الأرض، هذا بجانب تخلخله الداخلي نتيجة هرب المئات من أتباعه كل يوم، وهو ما جعل قيادة التنظيم تقدم على حرق براقع بقية الأتباع لمنعهم من الفرار، وعملية الحرق هذه تمت أخيرا عبر تسريب أسماء 22 ألف داعشي لوسائل الإعلام في مسرحية ساذجة من الصعب أن تنطلي على أجهزة الاستخبارات والمحللين المتابعين لممارسات التنظيم منذ نشوئه.
الحكاية بدأت من استديوهات سكاي نيوز البريطانية التي كشف الأربعاء الماضي عن حصولها على قوائم تضم أسماء ومعلومات نحو 22 ألف من مقاتلي داعش في العراق وسوريا، وبينت أنها حصلت على تلك القوائم من أحد المنشقين عن التنظيم بعد أن نجح في سرقتها من رئيس شرطة الأمن الداخلي في التنظيم، وهي بحسب القناة وحدة مهمتها حماية الأسرار الأساسية والمهمة للتنظيم، وقد ظهر المنشق في لقاء مع القناة وهو ملثم ليروي قصة سرقة تلك الوثائق أو بالأصح ليكمل المسرحية التي ابتعثه التنظيم لأداء دور البطولة فيها.
بعد ساعات من بث اللقاء أكدت المخابرات الإسبانية صحة أسماء 150 داعشيا إسبانيا وردت في القوائم المسربة، كما بينت وسائل إعلام ألمانية منها قناتي «إن دي آر» و«دبليو دي آر» أن أسماء ثلاثة من مرتكبي اعتداءات باريس في نوفمبر 2015 موجودة في تلك القوائم وهم سامي عميمور وفؤاد محمد عقاد وعمر مصطفائي، الذين هاجموا مسرح باتاكلان وقتلوا 90 شخصا، ونقلت مصادر مختلفة عن مسؤولين أوروبيين تأكيدات لصحة المعلومات الموجودة في تلك القوائم، وهو الأمر الذي يعني أن الأسماء الواردة فيها والمنتمية لنحو 51 دولة أصبحت في متناول مخابرات هذه الدول، وتم فعليا إغلاق باب الرجعة في وجوه أصحابها، إذ لم يعد أمامهم إلا الموت في سبيل الدفاع عن التنظيم الإرهابي، أو الموت في سجون دولهم وعلى مشانقها إن قرروا الهرب بجلودهم عائدين إليها.
ومع فارق الهدف والمنهج والشخصيات يبدو أن ما فعله خليفة الدواعش وقادة تنظيمه الإرهابي مستلهم من قصة حرق طارق بن زياد للسفن بعد وصوله إلى الأندلس كي لا يفر جنوده من المعركة وهي الحادثة التي خلدتها مقولته الشهيرة «البحر من ورائكم والعدو أمامكم»، لكن المحروق هنا ليس سفنا وإنما «براقع» استخدمها الإرهابيون طوال سنوات لإخفاء هوياتهم الحقيقية والمحافظة على طريق رجعة عند الخسارة.
يقول تنظيم داعش اليوم لأتباعه المنخرطين في القتال «الموت من أمامكم والسجون والمشانق من خلفكم»، وهذا يعني أنه انتهى عسكريا، ولم يعد أمامه سوى تنفيذ عملية انتحار جماعية تخلص العالم من آلاف الإرهابيين المرتزقة دفعة واحدة، والأيام القادمة كفيلة برفع شارة نهاية هذا الفلم الأكثر قبحاً في التاريخ العربي والإسلامي.
عن صحيفة عكاظ السعودية