أقول لك يا د. يوسف زيدان إنني قصدت مخلصاً في مقالي السابق بـ"المصرى اليوم" بتاريخ 25 فبراير تحت عنوان (د. زيدان أتبيع لنا حجج مردخاي لتنكر حقوقنا بالقدس) أن أفتح بابا كريما أمامك كباحث متميز لتنهض من كبوتك ولترجع إلى الحق ولتدرك حقيقة عروبة القدس وكون
المسجد الأقصى بها رمزا تاريخيا لعروبتها ولكى تكف عن ترديد مزاعم د. مردخاي كيدار، أستاذ الدراسات العربية والإسلامية بجامعة بار إيلان
الإسرائيلية. وهى المزاعم التي يرددها منذ سنوات والتي يحاول بها إنكار حقوقنا في القدس وادعاء أنها ملك لليهود، بما في ذلك المسجد الأقصى. غير أنى لم ألحظ من جانبك استجابة لدعوتي لك بالتراجع تتفق مع ما قلته سيادتك لخيرى رمضان أثناء حواركما على شاشة "ب. ب. س" والذى تبنيت فيه كلام مردخاي من أن المسجد الأقصى المقصود في سورة الإسراء ليس في القدس ولكنه بين مكة والطائف. لقد قلت سيادتك لخيرى رمضان أنك مستعد لتغيير وجهة نظرك إذا ما جاءتك براهين تثبت خطأ كلامك الذى أخفيت عن المستمعين والمشاهدين أنه منقول عن مردخاي بل قدمته على أنه من بنات أفكارك.
عزيزي د. زيدان، بعد أن قرأت مقالك المنشور بـ"المصرى اليوم" يوم الأربعاء الموافق 2 مارس الحالي تحت عنوان (أسئلة الإسراء السبعة) تأكدت أنك تعاند وأنك مصمم على نفى عروبة القدس بأي طريقة وإعطاء المسجد الأقصى منحة من سيادتك للصهاينة الغاصبين. ذلك أنك عندما وجدت أنى كشفت الأصل الإسرائيلي للفكرة التي قلتها لخيرى رمضان من أن الأقصى ليس بالقدس بل بين مكة والطائف، قررت أن تتنصل منها واتجهت اتجاها جديدا لتبيع المسجد الأقصى للصهاينة مجانا بطريقة أبشع وهى طريقة نفى معجزة الإسراء عن محمد- عليه الصلاة والسلام- ونسبتها إلى موسى وهو ادعاء لم يقل به أي صهيوني متهوس. لقد بدأ الأمر في مقالك المذكور وكأنك تقول لنا (طيب بالعند فيكم بقه) بما أنكم كشفتم أنى نقلت فكرة عدم وجود الأقصى بالقدس عن مردخاي فإنني سأقول لكم ما هو أشد وأنكى وسأنفى لكم معجزة الإسراء نفسها عن نبيكم وأمنحها لموسى بنى إسرائيل. في مقالك المذكور طرحت يا د. يوسف بالنص سؤالا يقول من هو الذى سرى وكيف كان مسراه؟
وبعد جولة من التأويل المختل والمعتل لسورة الإسراء انتهيت يا د. زيدان إلى القول التالي بالنص (أليس الأقرب للفهم أن يكون الذى سرى هو موسى).. عزيزي د. زيدان إنني أرثى لحالتك الفكرية المتخبطة مرة بين نفى وجود الأقصى في القدس مع خيرى رمضان ومرة بنفي معجزة الإسراء عن نبي الإسلام في مقالك. ولكى أكون منصفا معك أعترف بأن هدفك متسق في الحالتين وواضح لك وهو التنازل عن القدس والأقصى للإسرائيليين بأي طريقة. يؤسفني يا د. يوسف زيدان- رغم تقديري لقدراتك الفكرية في مجالات أخرى- أن أقول لك إن تصميمك على التفريط في حقوقنا بالقدس يفوق الأضرار الوطنية والقومية التي تسبب فيها توفيق عكاشة.
لذلك كله فإنني في هذا المقال أفترض لآخر مرة حسن النية عندك وأقوم بمحاولة علمية أخيرة لإقناعك بخطأ ما تتبناه من أقوال مردخاي ومن محاولة نفى حقوقنا بالقدس بطرق مختلفة وأقدم لك ولمردخاي معا الدرس التالي في تاريخ مدينة القدس قبل ظهور الديانات السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام، بل قبل خروج بنى إسرائيل من مصر ودخولهم لمسرح فلسطين. إن العنصر الأول في موجز الدرس يثبت أن القدس كانت مدينة ومملكة عربية المنشأ والسكان والملاك الأصليين وكانت مملوكة لقبيلة يبوس العربية الكنعانية التي خرجت من الجزيرة العربية وهاجرت إلى فلسطين وأنشأت القدس منذ أكثر من أربعة آلاف سنة أي قبل ظهور قبائل أو أسباط بنى إسرائيل (أي يعقوب) على وجه الحياة بمئات السنين. إن العنصر الثاني في موجز الدرس التاريخي يا د. زيدان ويا د. مردخاي كيدار يفيد أيضا بأن القدس العربية اليبوسية كانت محمية مصرية تابعة للتاج المصري وذلك قبل خمسمائة سنة من ظهور ونجاح داوود في غزو المدينة بالسيف في القرن العاشر قبل الميلاد. إنني أقدم لك يا د. يوسف زيدان ولمردخاي كيدار هذا الدرس مؤيدا بمستندات تاريخية من الآثار المصرية القديمة التي تم اكتشافها بقرية تل العمارنة بمحافظة أسيوط في بدايات القرن العشرين والمعروفة لدى علماء الآثار بلوحات تل العمارنة وهى عبارة عن مكاتبات ورسائل تعبر عن الولاء لملوك مصر وطلب الحماية والمدد العسكري منهم من جانب ملوك القدس العرب اليبوسيين، خلال القرنين الخامس عشر والرابع عشر قبل الميلاد وأكرر مرة أخرى لكى تفهم يا مردخاي، أي قبل ظهور موسى والديانة اليهودية وقبل خروج بنى إسرائيل من عبوديتهم في مصر بثلاثة قرون، حيث ترجح الدراسات التاريخية أنهم خرجوا في القرن الثاني عشر قبل الميلاد بقيادة موسى ليتوهوا في سيناء.
دعونا نتعرف الآن على ادعاءات د. مردخاي كيدار أن العرب والمسلمين ليس لهم حقوق تاريخية في القدس والمسجد الأقصى وأن المدينة ملك تاريخي للصهيونية ودولة إسرائيل. يخاطب الدكتور مردخاي كيدار العرب والمسلمين الغاضبين من المحاولات الإسرائيلية لتهويد المدينة وطرد أصحابها العرب وهدم المسجد الأقصى فيقول على شاشة القناة السابعة للتليفزيون الإسرائيلي باللغة العبرية: لقد كنا موجودين بالقدس منذ ثلاثة آلاف سنة عندما كان أجدادكم أيها العرب والمسلمون في شبه الجزيرة العربية يعبدون اللات والعزى. ويستطرد قائلا إن لديكم مكانا في مكة فاذهبوا إليه، فالمسجد الأقصى المقصود في سورة الإسراء ليس بالقدس ولكن بين مكة والطائف وسيعود الإسلام إلى الصحراء. ثم يفسر مردخاي غضب العرب والمسلمين قائلا: لقد نزلت على العرب والمسلمين ثلاثة أحداث كبرى، الأول تمثل في إقامة دولة إسرائيل عام 1948 والثاني سيطرة إسرائيل على القدس والحرم القدسي عام 1967 أما الحدث الثالث المنطقي الذى يتوقعونه وهو الحدث القادم فيتمثل في بناء الهيكل أي المعبد اليهودي في الحرم القدسي.
هنا نبين للدكتور مردخاي كيدار ود. يوسف زيدان ما يلى:
1- إن حق الملكية التاريخي الأصلي للقدس السابق على الثلاثة آلاف عام التي يتباهى بها مردخاي هو لنا كعرب باعتبارنا ورثة العرب اليبوسيين الذين أنشأوا القدس وظلوا يعيشون فيها منفردين منذ أكثر من أربعة آلاف عام في القرن العشرين قبل الميلاد ولمدة تزيد على ألف سنة قبل نجاح داوود في احتلالها في القرن العاشر قبل الميلاد. كما أنهم لم يغادروها وظلوا صامدين يعيشون فيها بعد احتلال داوود لها بجوار الغزاة المحتلين من بنى إسرائيل كما تشهد أسفار العهد القديم وهو ما سيرد بعد سطور. كذلك ظل العرب اليبوسيون يعيشون بها مع الرومان بعد أن قام الإمبراطور الروماني إيليوس هادريان عام 136 ميلادية بتحويل القدس إلى مدينة رومانية وحرم على اليهود السكنى بها وأطلق على القدس اسم إيليا كابيتولينا نسبة إلى اسم الإمبراطور في الكلمة الأولى إيليا ونسبة إلى كابيتول في الكلمة الثانية وهو اسم معبد الإله الروماني جوبيتر. وهو الاسم الذى ظلت المدينة تحمله إلى أن فتحتها جيوش عمر بن الخطاب سنة 637 ميلادية بقيادة خالد بن الوليد ليطلق عليها المسلمون اسم القدس واسم بيت المقدس. هنا امتزج العرب اليبوسيون أصحاب المدينة الأصليين مع العرب القادمين مع الإسلام.
2- من المهم هنا أن أشرح لدكتور مردخاي كيدار جانباً لا يراه- وإذا رآه فإنه سينكره بسبب أهدافه الصهيونية -وأرجو ألا يسير معه د. زيدان. أقول لك يا مردخاي إن العرب اليبوسيين أصحاب القدس الأصليين ما زلوا موجودين بها إلى يومنا هذا وهم يمثلون النواة الأساسية للشعب العربي الفلسطيني الذى تعرض للتشريد عام 1948على أيديكم أيها الصهاينة. إسألني كيف هذا يا د. كيدار فأقول لك.. لقد تمسك العرب اليبوسيون بأرضهم على امتداد التاريخ واندمجوا فيهم عن طريق الجيرة والنسب والزيجات المختلطة وحدات من كل الأقوام الذين دخلوا فلسطين إما بالهجرة أو بالغزو مثل بنى إسرائيل والآشوريين والبابليين والفرس ثم اليونانيين فالرومان فالعرب الشماليين الذين جاءوا مع الإسلام ثم الصليبيين الذين جاءوا من أوروبا ثم المصريين والأكراد الذين حرروا القدس من الصليبيين مع صلاح الدين ثم المماليك فالعثمانيين ثم الأرمن الذين هربوا من البطش التركي خلال الحرب العالمية الأولى.
(عن صحيفة المصري اليوم)