يفترش
طلاب أردنيون الأرض لليوم العاشر على التوالي، وينامون أمام رئاسة
الجامعة الأردنية (أكبر الجامعات الأردنية) في
اعتصام مفتوح؛ احتجاجا على قرار للجامعة برفع رسوم التسجيل في النظام (الموازي) والدراسات العليا.
ويرفع المعتصمون شعار "التعليم للفقراء أيضا" و"جامعات مش شركات"؛ انتقادا لسياسات القبول في الجامعات الأردنية، التي توسعت في برنامج الموازي الذي يتيح للطالب ذي المعدل المتدني دخول الجامعة مقابل أن يدفع سعرا مضاعفا لرسوم الساعات.
ودفعت سياسات القبول الجامعي في الأردن ناشطين لإطلاق حملة للدفاع عن حقوق الطلبة، أطلقوا عليها اسم "ذبحتونا"، للتصدي لما أسمته "برجوازية التعليم".
ترى الحملة التي نفذت عشرات الفعاليات منذ انطلاقها عام 2007 أن "إدارات الجامعات الرسمية تمارس سياسة جباية تهدف إلى تحويل الجامعات إلى شركات استثمارية، من خلال القبولات الكبيرة على البرنامج الموازي والدولي والتي وصلت في بعض التخصصات إلى 90% ".
تقليص الدعم الحكومي للجامعات
وبدأت الجامعات الأردنية الرسمية تعيش أزمة مالية عقب تقليص الدعم الحكومي لها منذ عام 1997، ما دفعها للبحث عن وسائل لتحصيل الأموال من خلال التوسع في قبول الطلبة بناء على برنامج الموازي والدولي.
وأظهرت دراسات وأرقام تراجع الدعم الحكومي للجامعات الرسمية الأردنية على مدار الأعوام الماضية، ويبين وزير التعليم العالي السابق والخبير الأكاديمي د.وليد المعاني في كتاب له تحت عنوان "الدعم الحكومي للجامعات الأردنية" تراجع الدعم بشكل كبير جدا، ابتداء منذ عام 1962 وحتى الوقت الحالي.
يقول المعاني لصحيفة "
عربي21" إن "البرنامج الموازي يحقق للجامعات الرسمية ما نسبته 55% من مجموع الأموال المتأتية من الرسوم، ما دفع الجامعات للتوسع بالقبول بناء على الموازي كلما أرادت الحصول على دخل أكثر، ليرتفع عدد الطلبة المقبولين حسب هذا النظام إلى 60 ألفا من أصل 226 ألفا في الجامعات الرسمية".
وحسب المعاني، فقد ألحقت سياسة التوسع بنظام الموازي ضررا في العملية التعليمية، لما شكله ارتفاع أعداد الطلبة من ضغط على المرافق والقاعات والاستعانة بمحاضرين غير متفرغين، ما تسبب بانخفاض جودة المخرجات".
ويطرح مثالا لأعداد المقبولين في كلية الطب بالجامعة الأردنية، حيث كانت تستقبل سابقا 40 طالبا، الآن مع نظام الموازي تستقبل 600 بالقاعات ذاتها، ما انعكس على مستوى التدريس والخريج".
وتظهر الأرقام الرسمية أن مجموع إيرادات الجامعات الرسمية الأردنية من رسوم الطلبة وإيرادات الاستثمار تساوي 300 مليون دينار تقريبا، أما مجموع نفقات الجامعات الرسمية من رسوم الطلبة فتساوي 407 مليون دينار سنويا، أي أن الجامعات الرسمية مجتمعة تحتاج لـ(100) مليون دينار كدعم سنوي لسد العجز في ميزانيتها.
يقول منسق حملة ذبحتونا فاخر دعاس لصحيفة "
عربي21" إن "توسع الجامعات بالقبول على نظام الموازي وسعيها لرفع الرسوم يأتي بعد رفع الدعم الحكومي عن الجامعات الرسمية، التي باتت لا تتلقى دعم مطلقا عدا جامعات محددة، حيث كانت الجامعات مجتمعة تحصل تقريبا 75 مليون دينار سنويا حين كان عددها 4 جامعات، أما الآن لدينا 10 جامعات يرتادها ما يقارب 300 ألف طالب تحصل على دعم 50 مليون فقط".
وتسببت سياسة التوسع بالقبول على النظام الموازي بتراجع أعداد المقبولين بنظام التنافس، ما أثقل كاهل الأسر الأردنية التي باعت مدخراتها من أجل تأمين تعليم جامعي لأبنائها.
وترى "ذبحتونا" أن مبلغ 20 دينارا فما فوق للساعة هو تخصص برسوم مرتفعة، انطلاقا من أن متوسط راتب المواطن الأردني هو ( 415 دينار شهريا).
وزير التعليم العالي الأردني السابق وجيه عويس أكد أن العمل في برنامج الموازي بدأ منذ عام 1996، بعد أن قلص الدعم الحكومي للجامعات التي لم تحصل حينها على 50% من حاجتها من الأموال".
وأضاف عويس لـ"
عربي21": "دمجت الحكومة الأردنية عام 1997 صندوقا مخصصا لجمع الضرائب باسم الجامعات في موازنة الدولة العامة، ولم تعد الجامعات من حينها تحصل على ما تطلبه من أموال؛ لذا قامت هذه الجامعات بالتوسع في البرنامج الموازي، ما أدى زيادة عدد الطلاب بالصف، وأصبح مستوى التعليم متدنيا".
ويؤكد عويس أن "نسبة الفقراء المسجلين في البرنامج الموازي أعلى بكثير من الأغنياء، ولم تعد حكرا على الأغنياء؛ لأن الفقراء باتوا يبيعون أراضيهم لتدريس أبنائهم".
أرقام صادمة
وأظهرت بيانات حملة "ذبحتونا" أن الجامعة الأردنية قامت "برفع فلكي وتاريخي لرسوم الدارسات العليا والموازي لكافة التخصصات تجاوز الـ200% في بعضها"، معتبرين ذلك "الرفع الأكبر في تاريخ العملية التعليمية".
كما قامت جامعة مؤتة برفع رسوم الدراسات العليا، دون إفصاح أو إعلان عن ذلك، فيما قامت جامعة البلقاء التطبيقية برفع رسوم الدبلوم بنسبة 200%. وسجل الفصل الدراسي الثاني للعام الدراسي 2015 - 2014 ظاهرة وقف القبول في التخصصات للقبول الموحد، والسماح به للبرنامج الموازي.
ورصدت حملة ذبحتونا وقف القبول في (32) تخصصا في الجامعة الأردنية و(35) تخصصا في جامعة اليرموك على برنامج القبول التنافس، وفتح هذه التخصصات للبرنامج الموازي.
يقول الوزير المعاني إن "قيمة ما يصل للجامعات الرسمية الأردنية العشرة 50 مليون دينار من أصل 75 مليون، يذهب معظمها خصومات لدعم صندوق الطالب الجامعي وتسديد المديونية، حيث تلقت الجامعات السنة الماضية مبلغ 35 مليون دينار أردني، في وقت يوفر فيه الموازي أموالا تصل قريب 200 مليون دينار".
وأمام هذه الأرقام، يحاول الطلبة المعتصمون كبح جماح رفع الرسوم في الجامعة الأردنية "الأم"؛ تخوفا من أن تلحقها باقي الجامعات.
يقول الطالب يزن الهيجاوي، أحد الطلبة المعتصمين، لصحيفة "
عربي21"، إن "مطلبنا الوحيد هو إلغاء قرار رفع رسوم البرنامج الموازي وبرنامج الدراسات العليا، الذي تم رفعه قبل سنتين، وتطبيقه من وقتها".
ويدخل اعتصامنا المفتوح يومه العاشر بعد أكثر من 30 فعالية احتجاجية خلال السنتين الماضيتين، التي لم نجد خلالها تجاوبا من إدارة الجامعة الأردنية".
ويؤكد الهيجاوي أن "حق التعليم يجب أن يكون أيضا للفقراء، حيث يحرمهم نهج الخصخصة التي تسير به الجامعة الأردنية من هذا الحق، والتخوف من أن تلتحق باقي الجامعات الأخرى بهذا النهج، ما يعني أن التعليم سيكون للمقتدرين ماليا، الأمر الذي سيخلق طبقية وارتفاع العنف المجتمعي".
ويتفق منسق حملة ذبحتونا فاخر دعاس مع الطلبة بأن التعليم في الأردن أصبح "طبقيا" بقوله: "نتجه في الأردن أكثر نحو الطبقية بالتعليم، وتحديدا في التخصصات أو في أسماء الجامعات، فالتخصصات كالهندسة والطب والصيدلة تخصصات للطبقة المتوسطة والغنية، أما تخصصات الإدارة واللغات التربية والآداب هي تخصصات للطبقة الفقيرة، أيضا على مستوى الجامعات فجامعات كالأردنية والتكنولوجيا هي جامعات الطبقات المتوسطة والغنية، أما الطفيلة والحسين والبلقاء التطبيقية فهي للفقراء ".
الجامعة تشكل لجنة والطلبة مستمرون بالاعتصام
وتحت الضغط الطلابي، شكل مجلس أمناء الجامعة الأردنية لجنة مهمتها تقديم تقرير للمجلس ومجلس التعليم العالي لمعاملة الطلبة المتميزين والمتفوقين في البرنامج الموازي معاملة الطلبة المقبولين تنافسيا في الرسوم الجامعية.
وتتولى اللجنة أيضا -وفقا لرئيس الجامعة الدكتور اخليف الطراونة- دراسة أسعار الساعات المعتمدة لبرامج الدراسات العليا، بحيث يتم دراسة كل تخصص أكاديمي كل على حده.
وقال الطراونة في بيان صحفي إن اللجنة شكلها المجلس خلال اجتماعه بحضور (6) من الطلبة المشاركين في الاعتصام المفتوح.
واتهم رئيس الجامعة ما أسماه "ألوانا سياسية تتدخل في شؤون الطلبة، وأن قنوات فضائية ومواقع إلكترونية تتبع لاتجاهات سـياسية معينة أخذت بتلفيق الأقاويل والأحاديث بأن الجامعة استدعت قوات الدرك لفض الاعتصام بالقوة".
ونفى الطراونة أن يكون رئيس الجامعة قد نسب بزيادة الرسوم الجامعية، لافتا إلى أن "مجلس الأمناء اتخذ قرارا برفع الرسوم الجامعية لبرنامج الموازي وبرامج الدراسات العليا بدءا من العام الجامعي 2014/2015، بعد أن اطلع على تكلفة تعليم الطالب الجامعي وأزمة الجامعة المالية في العام 2013".
إلا أن منسق حملة ذبحتونا يُحمل الجامعة الأردنية مسؤولية الأزمة المالية بعد دخولها بـ"استثمارات فاشلة أدت إلى خسائر كبيرة كفرع الجامعة الأردنية في العقبة، والخسارة في البورصة، والديون المترتبة على مستشفى الجامعة، وقرار زيادة رواتب الإداريين المتقاعدين بأثر رجعي الذي كبد الجامعة 11 مليون دينار".
بينما يدعوا الوزيران السابقان للتعليم العالي وجيه عويس ووليد المعاني الحكومة الأردنية لخفض أعداد المقبولين في الجامعات لمعدل 170 ألفا، مع تقديم دعم حكومي لهذه الجامعات، عوضا عن برنامج الموازي الذي أثر سلبا على مخرجات التعليم وسوق العمل.
ويبلغ عدد الجامعات الأردنية 28 جامعة، منها 10 جامعات حكومية، و18 جامعة خاصة، وبلغ عدد كليات المجتمع الحكومية المتوسطة 29 كلية والخاصة21 كليه، ويبلغ عدد الطلبة التعليم العالي في الأردن قرابة 325 ألف طالب في هذه الكليات والجامعات.