مازالت "
عملية إربد" وقضاء السلطات الأردنية على "خلية إرهابية" في شمال المملكة الأسبوع الماضي، يثير تساؤلات لدى الشارع الأردني لم تجد أجوبتها حتى الآن.
"كيف أصبح بائع حلويات متجول وحلاق وتاجر أثاث"، أعضاء في خلية إرهابية؟ وأين تلقت الخلية التي قاومت الأمن 12 ساعة التدريبات، ومن المدرب والعقل المدبر والمُجند؟ من أين جاءت هذه الخلية بكل هذه الأسلحة والمتفجرات ونقلتها إلى منطقة سكنية وتجارية نشطة دون رصد ذلك؟"، هذه الأسئلة تطرح في مدينة إربد شمال المملكة من أمام المنزل المحترق الذي تحصنت به الخلية من عصر يوم الثلاثاء حتى بزوغ فجر الأربعاء.
تحول المنزل الواقع في منطقة فقيرة إلى "محج" للفضوليين الباحثين عن أجوبة لأسئلة، أو بحثا عن خيوط مفقودة في الرواية الرسمية "المقتضبة"، التي لم تكشف عن تفاصيل العملية التي نتج عنها مقتل رجل أمن أردني وإصابة أربعة ومقتل سبعة من أفراد الخلية.
جاءت الرواية الرسمية الأردنية متأخرة ومشوشة بعد أربع ساعات من العملية، وصف فيها مصدر أمني الخلية بـ"الخارجين عن القانون"، ليعود رئيس الحكومة الأردني عبد الله النسور ليصفهم بـ"الجماعة المتطرفة"، أما الرواية الأخيرة التي حملت اسم المخابرات العامة -في سابقة هي الأولى من نوعها- فتقول إن "الخلية مرتبطة بتنظيم داعش، وكانوا "يخططون للاعتداء على أهداف مدنية وعسكرية في المملكة ويرتدون أحزمة ناسفة".
خلية من أشخاص مغمورين في التيار السلفي الجهادي
ورغم تسجيل محافظات أردنية النصيب الأكبر من عدد السلفيين الجهاديين كمدينة معان والزرقاء، إلا أنه -مع ذلك- يبقى لمدينة إربد (ثاني كبرى مدن الأردن سكانا) بصمات في التيار السلفي الجهادي، حيث برزت من المدينة قيادات سلفية جهادية شغلت مناصب قيادية في
تنظيم الدولة، وعلى رأسهم عمر مهدي زيدان، الشرعي في التنظيم، وسابقا شقيقه محمود مهدي زيدان، المسؤول الشرعي السابق في حركة طالبان، ومنظر التيار السلفي الجهادي أبو محمد الطحاوي، المسجون حاليا في سجن الموقر، ويعدّ مناصرا للتنظيم.
إلا أن خلفية أعضاء "خلية إربد" تؤكد أنهم "مغمورون"، لم يكن أحد يتوقع أن يتحولوا إلى " قنابل موقوتة".
صحيفة "
عربي21" التقت مقربين من ثلاثة أعضاء من الخلية، أحدهم يدعى ربيع جهاد، ويسكن في منطقة فقيرة في مدينة إربد، بدأ ربيع حياته مصفف شعر بدخل محدود جدا، ولم يكن ذا ميول دينية -كما يقول مقربون منه- إلا أن بوادر "النعمة" بدأت تظهر عليه بعد أن سافر إلى أوروبا وعاد ليتاجر في الأثاث وقد بدأت عليه علامات "التدين".
الثلاثيني ربيع أب ولديه طفلان وابنة، عاد من أوروبا تخوفا من "أن تنشأ ابنته نشأة غربية". كما يقول مقربون.
العضو الثاني في الخلية محمد فيصل، وهو بائع حلويات معروف لدى أهل المنطقة التي وقعت فيها العملية، "لم يتوقع شهود العيان الذين عايشوا الحدث أن يكون بائع حلويات الهرائس ذا ميول متطرفة".
أما الشخص الثالث ويدعى جميل كتكت، ويرجح أن يكون قائد الخلية؛ كونه صاحب باع في التيار السلفي الجهادي الأردني واعتقل مرارا، ينشر جميل صورة له على حسابه على "فيسبوك" و"تويتر" بخلفية لعلم "داعش" ويلمس المتصفح لحساباته مبايعته للتنظيم.
وسبق لمحكمة أمن الدولة الأردنية محاكمة كتكت في قضية محاولة مساعدة عضو كتائب التوحيد عزمي الجيوسي على الفرار من سجن سواقة سنة 2004، واتهمته حينها "بحيازة سلاح أوتوماتيكي دون ترخيص قانوني؛ بقصد استعماله على وجه غير مشروع، بالاشتراك والشروع بالفرار من مكان التوقيف لشخص موقوف بجناية عقوبتها الإعدام"، ليفرج عنه بعد عامين.
وكان شقيق جميل، ويدعى كمال، نفذ عملية انتحارية في درعا ضمن صفوف جبهة النصرة عام 2013، قتل خلالها عددا من جنود الجيش السوري النظامي.
بداية خيوط العملية
حسب مصادر لصحيفة "
عربي21"، فكفكة خلية إربد جاء بعد مداهمتين قادتا إلى المجموعة التي تحصنت في المنزل المتشابك المداخل في إربد، بدأت القصة من بلاغ لمواطن في منطقة الأغوار الشمالية عن وجود حركة مشبوهة لأشخاص يتدربون على السلاح؛ لتقوم الأجهزة الأمنية بضبط المجموعة، التي قادت التحقيقات معها لموقع آخر في قرية أردنية في الشمال تدعى "كفر جايز"؛ حيث داهم الأمن منزلا لأحد أعضاء الخلية.
بعد أسبوعين من مداهمة "كفر جايز"، تم حصر المجموعة في مدينة إربد، وطوقت الأجهزة الأمنية مربعا سكنيا كبيرا في المدينة عصر يوم الثلاثاء الماضي، لتشهد المنطقة ثلاث نقاط اشتباك، تحصن بعدها أعضاء الخلية في المنزل الواقع بشارع حكما وسط السوق التجاري؛ لينشب الاشتباك الكبير الذي دام ساعات طويلة".
وأعلنت الحكومة الأردنية أنها استطاعت اعتقال 13 شخصا تابعين للخلية ذاتها قبيل تنفيذ عملية المداهمة في إربد.
الملاحظ من مكان العملية كثافة الثقوب في الأبنية المجاورة نتيجة لتبادل إطلاق النار، ويروي شهود عيان وجيران المنزل لصحيفة "
عربي21" ليلة "الرعب" التي عاشوها.
يقول أحد الشباب، منزله ملاصق لمكان العملية، إن "الأجهزة الأمنية الأردنية أنهت عملية الاشتباك في تمام الخامسة فجرا بقذيفة صاروخية محمولة على الكتف، أطلقت من منزل مشرف على المنزل الذي تحصنت فيه الخلية".
وحسب شاهد العيان، أنهت هذه القذيفة صوت تبادل العيارات النارية في "منزل الخلية" الذي ضم في الطابق الأخير منه رجلا وزوجته علقا في عملية تبادل إطلاق النار، ما أعاق عملية اقتحام المنزل".
يقول شاهد العيان إن أفراد الخلية استأجروا المنزل منذ شهرين، وكانوا يجتمعون في مسجد أبي بكر الصديق، وكانوا يعتزمون المبيت في المسجد ليل يوم الاثنين، إلا أن مشاحنة وقعت بينهم وبين إمام المسجد حينها.
ولم تنته العملية عند هذا الحد، لتعود الأجهزة الأمنية الأردنية ثاني يوم من العملية لتمشط المكان من جديد، ويقول شهود عيان إن " قوات الأمن عثرت على كمية كبيرة من الذخيرة والأسلحة مدفونة في ملجأ قديم بجانب المنزل".
دفن القتلى بصمت
وعقب يومين من القضاء على أفراد الخلية السبعة، نقلت السلطات الأمينة الأردنية جثثهم إلى مستشفى البشير في العاصمة عمان، حيث يتواجد مركز الطب الشرعي، كي يتمكنوا من التعرف على هوية خمسة منهم تفحمت جثثهم لأسباب غير معروفة، وقامت السلطات الأردنية بفحص عينات (DNA) لذوي
القتلى، ووقعتهم على تعهدات بدفنهم ضمن شروط محددة تتضمن عدم المناداة عليهم في المساجد والصلاة عليهم، وعدم نشر أي تعزية بأسمائهم، وعدم تقبل التعازي أو فتح بيت عزاء لهم تحت طائلة المسؤولية، حسب تعهدات سربت لوسائل الإعلام.
انتهت عملية إربد دون الإجابة على أسئلة مازال الرأي العام الأردني يطرحها؛ ما هي الأهداف التي كانت الخلية تخطط لضربها في الأردن؟ وهل خلية إربد حادثة فردية أم بداية لهاجس أمني حقيقي؟