كتب نور سماحة تقريرا في مجلة "فورين بوليسي"، عن ما أسماها التحضيرات التي يعدها
حزب الله للمعركة الكبيرة.
ويقول الكاتب إن "بلدة شبعا
اللبنانية، التي تقع بين
سوريا وإسرائيل، هي تحت مراقبة نقطة عسكرية إسرائيلية من جهة، وقوات حفظ السلام من جهة أخرى، فيما يحتفظ الجيش اللبناني بعدد من الوحدات في مناطق متفرقة في البلدة، وفيها تتقاطع النزاعات كلها في المنطقة، وليس بعيدا عنها، شرقا وفي الجانب السوري من الحدود، هناك مجموعة من الفصائل السورية المسلحة، بينها جبهة النصرة وفصائل الجيش السوري الحر ومقاتلون من
تنظيم الدولة، الذي يحتفظ بمناطق، حيث تراقب إسرائيل وحزب الله الوضع فيها بقلق".
يضيف سماحة أن "حزب الله يعول على هذه النقطة الساخنة (شبعا) في أي صراع مع إسرائيل، إلا أن مشاركته في الحرب السورية، وإن أدت إلى خسارته حوالي ألف مقاتل، إلا أنه استطاع الحصول على أساليب قتالية جديدة، ما جعله قوة مهددة لأعدائه في المنطقة، ويقول المقربون من حزب الله إنه قادر اليوم على نقل الحرب مع إسرائيل إلى داخل الحدود الإسرائيلية".
وتنقل المجلة عن مصدر مقرب من حزب الله قوله: "في الحرب المقبلة، لن يقاتل حزب الله على الحدود، ولن تحمى المستوطنات الإسرائيلية في الشمال"، وأضاف: "سيجلب حزب الله الحرب إليهم، إن الإسرائيليين يشعرون بالقلق من تجربته في سوريا، حيث أصبحت له القدرة الهجومية لا الدفاعية"، مشيرا إلى أن العمليات الانتقامية، التي قام بها حزب الله ضد إسرائيل، تمت في بلدة شبعا، ما يشير لكونها نقطة ضعيفة بالنسبة لإسرائيل.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى عملية نفذها مقاتلو حزب الله في مزارع شبعا، حيث تسللوا متجاوزين الرادار ونقطة للجيش الإسرائيلي، وزرعوا قنبلة بدائية قرب قاعدة عسكرية انفجرت لاحقا في عربة همفي، وبالرغم من مرور الحادث دون إثارة انتباه، ولم يؤد إلى سقوط قتلى، إلا أنه يظهر قدرة الحزب على اختراق مواقع الجيش الإسرائيلي، مبينا أنه في هجمات أخرى قتل حزب الله جنودا إسرائيليين، فبعد مقتل قادته في القنيطرة في كانون الثاني/ يناير 2015 بغارة إسرائيلية، قام الحزب بإطلاق صواريخ على مزارع شبعا، أدت إلى مقتل جنديين إسرائيليين.
ويلفت الكاتب إلى أن القادة العسكريين الإسرائيليين يعدون حزب الله تهديدا عسكريا، ولم يستبعدوا عملية عسكرية واسعة، ويقول غادي إزيكنوت: "تقوم إيران بشن حرب ضد إسرائيل، من خلال وكلاء مثل حزب الله في لبنان، الذي يشكل اليوم تهديدا على إسرائيل"، ويعد إزيكنوت مهندس ما يطلق عليها "عقيدة الضاحية"، أي الضاحية الجنوبية في بيروت، وتقوم هذه العقيدة على استخدام القوة لتحقيق الأهداف العسكرية.
وتورد المجلة أن وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون ذهب أبعد من هذا، حيث قال: "في سوريا لو كان الخيار بين إيران وتنظيم الدولة، فسأختار تنظيم الدولة"، وقال في تصريحات أمام معهد دراسات الأمن القومي في مؤتمر عقد الشهر الماضي إن "إيران تحدد مستقبل سوريا، ما سيقود إلى هيمنة إيرانية دائمة على سوريا، وهذا هو تحد كبير لإسرائيل".
وينوه التقرير إلى أنه في الوقت الذي أطلق فيه حزب الله صواريخ غير موجهة إلى إسرائيل عام 2006، إلا أنه زاد من ترسانته وزودها بأسلحة حديثة، وبحسب مصادر، فقد حصل الحزب على صواريخ باليستية و"سكود" و"الفاتح-110" الإيراني، وصواريخ "إم-600"، وهي نسخة محسنة عن صاروخ الفاتح.
وينقل سماحة عن المحلل في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى جيفري وايت، قوله: "أصبحت لدى حزب الله القدرة على إطلاق صواريخ عبر إسرائيل، ويستطيع ضرب أهداف داخل إسرائيل، بما في ذلك مناطق الوسط والجنوب وبدقة عالية، بالإضافة إلى ضرب مراكز قيادة ومطارات وأهداف اقتصادية كبيرة"، وأضاف وايت أن حزب الله حصل على أنظمة دفاع جوية وصواريخ كروز "ياخونت" بشكل يمكنه من ضرب المنشآت النفطية على البحر المتوسط وقوات الدفاع الجوية الإسرائيلية، وقال وايت: "هذا وضع جديد، 95% من النشاطات البحرية عام 2006 كانت من جانب إسرائيل، وفي الحرب القادمة سيكون الأمر مختلفا".
وترى المجلة أن الغارات الجوية التي شنتها إسرائيل على سوريا منذ عام 2013 على مخازن وقوافل أسلحة، تشير إلى المخاوف من حصول حزب الله على أسلحة متقدمة، وحذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من نقل السلاح إلى حزب الله، وقال إنه "خط أحمر".
ويفيد التقرير بأنه في الشهر الماضي، قامت القيادة الشمالية بمناورة عسكرية كبيرة، شاركت فيها وحدات جوية وبحرية، واستمرت أسبوعين للتحضير لحرب محتملة على عدة جبهات، لافتا إلى أنه في بداية هذا الشهر قام الطيران الإسرائيلي بغارات وهمية على مواقع الحزب العسكرية ومعسكرات تدريب في بعلبك شرق لبنان، وتقول مصادر في الحزب إن هدف العملية هو اختبار مستوى رد الحزب على الغارات.
ويورد الكاتب نقلا عن مصدر قوله إن إسرائيل تريد معرفة نوعية الصواريخ التي يملكها حزب الله، مشيرا إلى أن الجيش الإسرائيلي قام بتغيير تقييمه العسكري لحزب الله، بما يعكس إمكانية حصوله على أنظمة دفاع أرض- جو، ولم ترد المصادر في الحزب على سؤال حول نوعية الصواريخ التي تملكها، وقالت إن "كل حرب لها مفاجآتها في ما يتعلق بالأسلحة، ولا نقوم بالكشف أبدا عما نملكه حتى نكون جاهزين".
وتستدرك المجلة بأنه رغم التجهيزات كلها، إلا أن بعض المحللين يعتقدون أن سوريا ورطت الحزب في حرب منعته من التحضير لحرب قادمة مع إسرائيل، إلا أن المصادر المقربة من الحزب تقول إن العكس حصل، فقد منحت الحرب في سوريا كادرا جرب الحرب ومستعد للقتال. ويقول مصدر من داخل الحزب: "يحصل المقاتلون على تدريب وتجربة، من خلال العمل الذي يقومون به في سوريا، وهذا ما يقلق إسرائيل"، ويضيف: "عملنا هناك لن يحرفنا عن الجبهة الجنوبية"، مشيرا إلى أن الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله قد ركز في خطاب ألقاه في 17 شباط/ فبراير على إسرائيل، وهدد بقصف مخازن لغاز الأمونيا.
ويعلق سماحة قائلا إن "تغيرات الحزب تتجاوز ترسانته الحديثة، فالعمليات القتالية التي يقوم بها اليوم في سوريا معقدة، وقادته مسؤولون عن وحدات عسكرية كبيرة، وتختلف عن تلك الوحدات التي لم يكن عددها يتجاوز الـ 15 مقاتلا، وكانت تقوم باختراق الحدود مع إسرائيل، ويتطلب هذا التغيير من قادة الحزب إنشاء مركز عمليات وشبكة اتصالات وغير ذلك".
ويجد التقرير أنه مع هذه الاستعدادات كلها والتغير في تجربة القتال، إلا أن الحزب لا يتطلع لمواجهة جديدة مع إسرائيل في المستقبل القريب، مشيرا إلى أن هذا لا يعود للحرب في سوريا، ولكن بسبب المناخ السياسي في لبنان، الذي لا يدعم الحرب كما في عام 2006.
وتبين المجلة أن المناخ في البلاد أصبح أكثر استقطابا، ووضع حزب الله في حالة الدفاع عن النفس، حيث إن هناك الكثير من اللبنانيين يعارضون أجندته في كل من لبنان وسوريا، ولن يدعموا حربا يخوضها في الجنوب، مشيرة إلى أن سوريا لم تعد خيارا متوفرا لهروب اللاجئين اللبنانيين، كما فعلوا عام 2006، فهي ذاتها تعيش دوامة حرب أهلية منذ عام 2011.
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى أنه لهذا السبب، فقد كان قادة حزب الله واضحين، بأنهم يفضلون بقاء الحدود مفتوحة، لكن إن بدأت إسرائيل الحرب فلن تبقى "المقاومة في لبنان، بل ستصل إلى الجليل"، بحسب أحد القيادات.