دخل معتقلو سحن العقرب، وبقية السجون، في موجة إضراب جديدة، بعد التجاوزات التي تمارسها سلطة الانقلاب معهم، والتي تزداد خنقا وتضييقا يوما بعد آخر. وكنا منذ حوالي ثلاثة أشهر، التقينا ومجموعة من الناشطين والسياسيين، من أكثر من توجه، خاصة بعد تشويه مصطلح (الاصطفاف) السياسي، وجعل البعض المصطلح أقرب للشبهة السياسية منه إلى العمل الثوري الجاد، وأصبح ذكر اللفظ في أي سياق وكأنه يساوي: بقاء الانقلاب، وإنهاء الشرعية، لا أدري من أين يأتي هذا الفهم؟ فكان الحديث عن اصطفاف عملي، وأكثر قضية لا يختلف عليها اثنان هي قضية المعتقلين والمسجونين، وما يمارسه معهم الانقلاب العسكري من تعذيب، فقد مات من الإهمال الطبي أكثر من مئتي معتقل، فضلا عن الممارسات اللاإنسانية التي يقوم بها، من معاملة أسر المعتقلين، والصعوبة التي يجدونها في زيارة ذويهم.
اجتمعنا وقلنا: علينا فعل شيء، ولو إعلامي، وحقوقي دولي، نتحرك بما نستطيع في هذا الملف، الذي لن يسامحنا فيه المعتقلون لتقصيرنا فيه، فتم طرح اسم حملة تحمل عنوان: (
كفاية ظلم) اقتراحا من الوزير السابق الصديق يحيى حامد. واستقر الرأي على أن نجمع معلومات عن المعتقلين، ويكون توحيد البروفايلات على الفيس بوك، بصور للمعتقلين، كل مرة ثلاثة معتقلين، واحد من الإسلاميين، وآخر من التيارات المدنية، وثالث طفل أو امرأة، وحبذا لو كان شخصان من الثلاثة مشهورين، والثالث يكون غير معروف لنعرف بقضيته، وتم اختيار شخصيات أول ثلاثة أيام، وكان أبطال هذه الأيام، حازم أبو إسماعيل، وحسام أبو البخاري، وعلاء عبد الفتاح، وأحمد ماهر، ومحمد عادل، وعصام سلطان، ومحمد البلتاجي، كنماذج، وأحد الأطفال الذين تم اعتقالهم، وهكذا يكون بروفايل الصفحات فيه ثلاثة يمثل كل التوجهات، ثم تمتلأ السوشيال ميديا بمعلومات عن الشخصيات الثلاثة، وتعريف بقضيتهم، والقنوات الإعلامية تظل تتكلم عنهم، وعن محطات مهمة في حياتهم. ثم يتحرك بالملف الحقوقي المنظمات الحقوقية، للتعريف بقضيتهم.
إن الملف الحقوقي للمعتقلين والمسجونين، يجب أن نوليه أهمية من حيث التحرك، كما أنه ملف يعدّ بوابة واسعة وكبيرة للاصطفاف الوطني الحقيقي، وتوحد الثوار، ولن يكون مثار جدل، كما يحدث في القضايا السياسية الأخرى.
ومن هنا يمكن لمن يختلف سياسيا في قضية عودة الرئيس محمد مرسي، أن يكون الحراك بقضية محمد مرسي قضية إنسانية قبل أن تكون سياسية، فالسياسة تبنى على الأخذ والرد، ولكن القضية الإنسانية والأخلاقية ليست موضع تنازل أو نقاش، وذلك بحكم أن مرسي قبل أن يكون رئيسا مختطفا، فهو إنسان ومواطن
مصري يمارس ضده أبشع أنواع الظلم، وما يسري عليه يسري على كل معتقل، والحديث عن علاء عبد الفتاح وأحمد عادل وغيرهما ليس من باب السياسة والأخطاء السياسية، فهذا له مجال آخر، أما المجال الذي لا يقبل الخلاف الآن، وهو ما نتوحد عليه جمعيا، فهو حق هؤلاء جميعا في الخروج من ظلمات السجون الظالمة في مصر، لا يختلف على ذلك أحد يؤمن بحق الإنسان في وطن حر، يتمتع فيه بالكرامة الإنسانية، والمحاكمة العادلة عندما يقترف ما يستحق عليه المحاكمة، خاصة أن صمود من في السجون -وعلى رأسهم الرئيس محمد مرسي- هو أقوى مظاهر الثورة الباقية لنا.
كانت تلك فكرة حملة (كفاية ظلم)، وقد تواصلت منذ فترة مع الصديق الدكتور أيمن نور، حيث كان اجتماعنا في قناة الشرق، وسألته عن مصير الحملة، بعد أن شحذنا لها هممنا، فأخبرني بكل أسف عن عدم استمرارها، وها نحن الآن نردها مرة ثانية، لتكون شعبية، يبدأها الشباب، ثم يجتمع عليها الكيانات السياسية، خاصة أنه قريبا سيكون اليوم العالمي للمرأة، وعندنا كم من النساء معتقلات، وكل معتقل لديه أسرة يمارس معها كل أنواع الضيق والعنت في زيارة ذويهم، فهل تقوم الحملة مرة أخرى، لتتحول من مجال الكلام إلى مجال العمل؟ هذا ما نتمناه.
[email protected]