والعالم يحتفل في 20 فبراير من كل عام باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، فوجئنا قبل أيام وفجعنا جميعا بالخبر الذي توارد إلى مسامعنا عن القصف الجوي الذي استهدفت به القوات الجوية الروسية خمس مستشفيات ومدرستين على الأقل في سوريا، ما أدى إلى مقتل نحو 50 مدنيا. لقد كانوا مدنيين وليسوا عسكريين.. مدنيين! بعضهم كان لديهم أطفال وبعضهم الآخر كانوا أطفالاً وقد قتلوا وهم يمارسون نشاطاتهم الاعتيادية في يوم روتيني اعتيادي. كان بعضهم في المدرسة والآخرون كانوا يرقدون على أسرة المشافي. يا لها من مفارقة أن يقصد أحدهم المستشفى طلبا للعلاج من مرضٍ ما أو إصابة ما فيخسر حياته في سرير علاجهم نتيجة قنبلة هبطت فوق رؤوسهم.
ويا لها من مفارقة مخزية أن يهبط الموت فوق رؤوس الأطباء الذين قضوا جلّ وقتهم ينقذون الناس من الموت. الدكتور عماد النسر أحد الأشخاص الذين فقدوا حياتهم إثر هذا القصف وقد كان جراح الأوعية الدموية الوحيد في مستشفى أطباء بلا حدود في معرة النعمان. لقد فقد روحه وهو ينقذ أرواح الآخرين وقتل بصاروخ غادر أطلقته طائرة حربية على المشفى الذي كان يعمل فيه.
حضر الدكتور النسر دورة تدريبية حول التخدير في تركيا في تشرين الثاني نوفمبر الماضي عقدتها هيومن أبيل، وهي المؤسسة الخيرية التي أترأسها. وأشرف على هذه الدورة طبيبان من برمنغهام. وتهدف هكذا دورات إلى تأهيل الأطباء داخل سوريا وفي الدول المجاورة بصورة أفضل لإنقاذ أرواح المرضى والمصابين.
وقد قال لنا الدكتور حسين ناجي وهو أحد الأطباء الذين قاموا بتدريب الدكتور النسر:
"كان أكثر الجراحين دماثة وأدباً على الإطلاق. لقد قتل إثر ما يعتقد أنه غارة نفذتها طائرة روسية على مستشفى. كان لي الشرف بالإشراف على تدريبه ضمن مجموعة من الأطباء والتقنيين السوريين في غازي عنتاب منذ شهرين وذلك في إطار برنامج تدريبي لتدريب الأطباء أشرفت عليه هيومن أبيل".
من المؤلم أن تدرك أن كل التدريب الذي نقدمه للأطباء والجراحين لتحسين الرعاية الطبية التي يوفروها للمتضررين من هذا الصراع الدامي قد ضاع في ثوانٍ بفعل قذيفة تسقط من السماء. نعمل جاهدين لمساعدة أشخاص كالطبيب النسر الذي حمل في شخصيته صفات الذكاء والشجاعة والحب التي تجسدت بالتفاني الذي أبداه في توفيره الرعاية الطبية للناس في بلد مزقه العنف. الطبيب النسر لم يكن يشكل خطرا على أحد، بل كان عكس ذلك تماما. ولم يكن يجسد مصدر خوف لأي جيش، فلم يقف عقبة في طريق الطائرة المقاتلة التي قصفته. وبالتالي فهو لم يكن هدفا عسكريا مشروعا يجوز استهدافه.
إن مدرسة مكتظة بالتلاميذ ليست هدفا عسكريا مشروعا يجوز استهدافه.
وكذلك المستشفى المليء بالمرضى والأطفال حديثي الولادة وأمهاتهم، لا يمكن أن يكون هدفا عسكريا مشروعا يجوز استهدافه.
الناس الذين يعيشون حياتهم الاعتيادية ليسوا أيضا هدفا عسكريا يجوز استهدافه.
ليس هناك أي تبرير لما حدث من استهداف متعمد للمدنيين. إن لم يكن بالإمكان تحقيق السلام قريبا، فإني أرجو من المجتمع الدولي وهو يتحدث عن العدالة ويخصص لها أياما دولية أن يلزم الأطراف المختلفة في هذه الحرب باحترام القانون الدولي.
عندما تنتهي هذه المعاناة في سوريا فإن الفقيد الدكتور النسر سيكون قد ساهم في إعادة الحياة لهذه الأمة المكسورة، لكن الآن، فإن كل تدريبه الطبي التي تلقاه، وكل الحب الذي حمله في وجدانه وكل الإمكانيات التي امتاز بها قد ذهبت إلى غير رجعة. وكناشط إنساني، أؤمن أن كل سكان الأرض وليس السوريون فقط، يزدادون فقراً في كل مرة نخسر فيها مدرسة أو مشفى أو خدمات خصصت للمساعدة والتطوير. لن يربح أحد، بل كلنا خسرنا. يجب أن تنتهي هذه المعاناة فورا.