مقالات مختارة

شاهد عيان

ماهر أبو طير
1300x600
1300x600
في مخيمات الفلسطينيين في العالم آلاف الشهود، ممن عاينوا نكبتي 48 و67، وهؤلاء شهود عيان، قابلتهم فضائيات كثيرة، وكتب كثيرون شهاداتهم، عن أيام النكبات.

لكنك لو سألت مئات الأشخاص عما يعرفون من هذه الحكايات، لاكتشفت أن اغلبهم، لا يعرف سوى عموميات، لان ضخ الإعلام الجائر، لم يترك مكانا في الذاكرة لهذه الحكايات، هذا إضافة إلى غياب الكتب والمجلات والصحف التي تنعش الذاكرة حول اختطاف فلسطين، فيما الفضائيات تتناول القضايا بشكل وثائقي، في المناسبات فقط.

حجم الغياب خطير، وشهود العيان، يرحلون يوما بعد يوم، ولا جهد عربيا أو إسلاميا أو فلسطينيا، لتوثيق هذه الشهادات، ولو ذهبنا إلى أي مخيم في الأردن أو فلسطين أو لبنان أو سورية قبل اختطافها هي الأخرى، لتعرفنا على مئات الأسماء التي تبلغ من العمر الآن، مبلغا، وقد شاهدت بأم عينيها النكبة والاحتلال والترويع، ولكل واحد قصته التي تختلف عن الأخرى وتستحق الرواية.

الصهاينة، سربوا روايات مهينة للفلسطينيين، بقصد تلطيخ سمعتهم، قالوا انهم فروا من آلاف القرى، ولم يحاربوا، وقالوا أيضا انهم باعوا أرضهم، والكارثة أن بعض العرب يجد في الرواية الصهيونية، مخرجا من مسؤوليته، ويشارك عن عمد في تبنيها، ليهين الفلسطينيين أيضا، باعتبارهم جبناء وخونة.

لم يقل احد في وجه هؤلاء الرواية الأصلية، إذ كان الفلسطينيون بلا سلاح نهائيا، وحين خرجوا من قراهم وتركوا أرضهم، خرجوا صيانة لأعراضهم، التي اعتدى عليها الاحتلال، ولان الوعي آنذاك كان مشتتا بفعل غياب المعلومة، وغياب القيادة، وغياب القوة، اعتقد كثيرون أن اليهود يغتصبون كل فلسطينية، فكان العرض اغلى من الأرض، والخروج صيانة للعرض، حتى تنتهي الكارثة بعد أيام، ويعودون.

بل أن العرب ساعدوا في التضليل الإعلامي، حين قالوا للناس، إنها بضعة أيام ويعودون، وكأنهم شجعوا هؤلاء على الخروج مؤقتا، فاكتشفوا الخديعة لاحقا، ومازالوا ينتظرون.

ليست دعوة لتبرئة شعب، لكنها دعوة للتوثيق، سماع شهود العيان، ونريد جهدا كبيرا جدا، ممولا ماليا، لنسمع ونقرأ آلاف الشهادات الفردية والعائلية، من اجل إيصالها لهذه الأجيال، التي لا تعرف إلا القليل من التفاصيل.

إدامة الارتباط بفلسطين، ليس مجرد شعار، ولا تمن، هذه إدامة بحاجة إلى جهد، ولعل الصحف العربية مطالبة أيضا بنشر حلقات يومية أو أسبوعية تحت عنوان «شاهد عيان» للاجئ أو للنازح، من أجل أن يروي حكايته، ومن أجل تعزيز الرواية بالتفاصيل، بدلا من محو الروايات الأصلية، وترك ذهنية الشباب ذكورا وإناثا، للتعبئة بأي بديل تافه.

شهود العيان، يغيبون اليوم، وتضيع حكاياتهم عن فلسطين القضية، في مجالسهم العائلية، التي تتداول القصص الصغيرة هنا وهناك، دون توثيق، أو تسجيل أو كتابة، أو أي شكل من أشكال الأرشفة، والمؤكد أن كل المحاولات في هذا الصدد جيدة، لكنها غير كافية.

شهود العيان، لن ينتظرون طويلا، وسنصحو على أجيال، لم تعرف فلسطين أبدا، وتسمع عنها، وهذا هو الخطر الكبير، الواجب تجنبه مبكرا، إذا كان لدى أحدنا نية خالصة لله.

عن صحيفة الدستور الأردنية

0
التعليقات (0)