على بعد أمتار من الموقع الذي كان يلقي فيه معمر القذافي خطاباته، يسير خليفة مع زوجته وبناته الثلاث، الأربعاء، في ساحة الشهداء في
طرابلس يلوحون بعلم
ليبيا احتفالا بذكرى انطلاق الثورة التي أطاحت بحكم ديكتاتوري استمر أربعة عقود.
على الطرق المؤدية إلى الساحة التي كان يطلق عليها اسم "الساحة الخضراء" خلال حكم القذافي، تجمع آلاف الأشخاص، وأطلقت السيارات أبواقها احتفالا، وتصاعدت من بعضها الأناشيد التي طبعت أيام الثورة، وأشهرها نشيدا "تعلى بالعالي" و"سوف نبقى هنا".
ورغم النزاع المسلح على السلطة وتدهور الاقتصاد وتصاعد تهديد الجماعات المتطرفة، يجد خليفة، مثله مثل ملايين الليبيين، مساحة أمل في
ذكرى الثورة التي سقط فيها عشرات الآلاف من القتلى، بأن تشهد البلاد قريبا بداية تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها الثورة.
وقال خليفة: "نحب هذه الثورة ونحب هذه الحرية، فقد استعبدنا نظام القذافي لمدة 42 سنة".
إلى جانبه، عبرت بناته عن فرحتهن بوضع قبعات على رؤوسهن عليها علم الاستقلال بألوانه الحمراء والسوداء والخضراء.
لسنا نادمين
وتشهد ليبيا منذ ثورة العام 2011 فوضى أمنية عارمة بعدما لم تتمكن السلطات التي ورثت الحكم من نظام القذافي، من سحب الأسلحة من الجماعات التي قاتلت النظام السابق.
وأدت الفوضى التي سرعان ما انسحبت على الاقتصاد والسياسة، إلى نزاع مسلح على الحكم قبل أكثر من عام ونصف العام، قسم البلاد بين سلطتين تتنازعان على الشرعية، وسط محاولات من الأمم المتحدة لتوحيدها في حكومة وحدة وطنية لم تر النور حتى الآن.
وفي خضم الانقسام السياسي والانهيار الاقتصادي والحرب المستمرة، وجد تنظيم الدولة موطئ قدم له في ليبيا وسيطر على مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس) ويعمل على التقدم نحو مناطق محيطة.
وقال ممثل الأمين العام للأمم المتحدة مارتن كوبلر في بيان اليوم: "لا يزال هناك الكثير من العمل المطلوب لتحقيق أهداف الثورة"، مضيفا: "لتكن هذه المناسبة شرارة انطلاق ثورة إرادة ضد الانقسام ولاستعادة وحدة البلاد وشعبها الذي أسقط النظام الاستبدادي الذي حكم ليبيا لأربعين عاما".
وتابع كوبلر: "بذلت تضحيات كبيرة عام 2011 ولا تزال توجد حاجة لتقديم تضحيات كبيرة اليوم".
وعلى الرغم من الصورة القاتمة، بدأ الأشخاص يتدفقون إلى ساحة الشهداء منذ الصباح، وسط إجراءات أمنية مشددة شملت نشر حواجز أمنية في مناطق متفرقة في طرابلس، وإغلاق بعض الطرق القريبة من الساحة واستخدام الكلاب البوليسية.
وزينت الأبنية المحيطة بالساحة وقلعة طرابلس المطلة عليها حيث كان يلقي القذافي خطاباته، بأعلام ليبيا ما بعد الثورة، وعلقت لافتات ضخمة على جدران بعض الأبنية التراثية التي تعود إلى عهد الاحتلال الإيطالي كتب عليها "لن ننسى شهداء ليبيا".
في الساحة، وقف عبد الباقي مع ابنته وأبنائه الثلاثة يلوحون بالإعلام ويتابعون الطائرات العسكرية وهي تعبر سماء العاصمة بسرعة فائقة، لتغطي أصوات محركاتها على أناشيد الثورة التي تصدح من مكبرات الصوت في أرجاء الساحة.
وقال عبد الباقي: "رغم كل شيء، ورغم السياسة والانقسام، هذا يوم الفرح، يجب أن نبث روح الثورة في نفوس أولادنا (...) بغض النظر عن أي شيء آخر في بلادنا في هذا الوقت".
وأضاف رجل الأعمال الذي ارتدى ملابس سوداء ووضع نظارة سوداء: "لسنا نادمين (...) لكننا لا نريد أن يشمت الأعداء بنا. بلادنا فيها خيرات كثيرة وتتسع للجميع. أقول لليبيين لا تندموا على أي شيء، لكن حاولوا أن تبنوا بلادكم وأن تتوحدوا".
كآبة وحزن في بنغازي
وانتشرت في الساحة الرمز خيم أقيمت داخلها مسابقات للأطفال، بينها لعبة رمي السهام، وانتشرت فيها أيضا أكشاش الأكل والحلوى.
ولف بعض المشاركين أنفسهم بالعلم الليبي الذي كان يباع على طاولات توزعت عند أطراف الساحة، إلى جانب القمصان والأكواب والأساور التي تزينت كلها بالعلم الليبي.
لكن هذه الاحتفالات العارمة لم تنسحب إلى بنغازي (ألف كلم شرق طرابلس)، مهد الثورة الليبية، والمدينة التي تمزقها منذ نحو عامين حرب ضروس بين قوات موالية لسلطة منبثقة عن برلمان طبرق، ومجموعات مسلحة موالية لبرلمان طرابلس.
وقال مراد الفيتوري (38 عاما) لمراسل "فرانس برس": "لا توجد احتفالات في بنغازي حتى الآن. الناس نازحة وكئيبة... الناس حزينة جراء الحرب. هناك شهداء وأيتام وأرامل".
لكن فدوى (21 عاما) اعتبرت أن الثورة التي أطلقتها مدينتها تحتاج إلى مزيد من الوقت لتنجح وتحقق ما هدفت إليه.
وقالت: "الثورة كانت ضرورية، الثورة لا تنجح فورا على أية حال، قدمنا تضحيات كبرى وسنقدم تضحيات أكبر، ونحن على أمل بأن بلادنا ستبعث من جديد".